مع دخول الشتاء بشكل رسميّ في كييف، تلوح تغيّرات كبيرة في أفق الأزمة الروسيّة الأوكرانيّة بناء على قرارات في "الأمتار الأخيرة" للإدارة الأميركيّة الحاليّة، ولعلّ آخرها كان سماح إدارة بايدن لكييف باستخدام صواريخ أميركيّة لاستهداف العمق الروسيّ.

وتلفّ حالة من الغموض المسؤولين الأوكرانيّين بعد الفراغ الّذي يسبق وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/يناير، والّذي يبدو أنّه سيمتلئ بالمزيد من التطوّرات مع تنافس الجانبين الروسيّ والأوكرانيّ على تحقيق مكاسب على الأرض.

وقال مسؤول أوكرانيّ لصحيفة الغارديان الأميركيّة: "ترامب قال إنّه يريد إنهاء الحرب في غضون 24 ساعة. ولا أحد يتطلّع لهذا الأمر أكثر من أوكرانيا". وأضاف "لكنّ المشكلة، في الوقت الحاليّ، أنّ كلّ شيء مجرّد تكهّنات. هل ستكون خطّة السلام الأولى، أو الخطّة الثانية، أو البديل الأوّل، أو البديل العاشر؟... لقد قالوا إنّ أوكرانيا في "موقف صعب، ولكن ليس كارثيًّا، وليس لديها خيار سوى الاستمرار في القتال، وربّما لجعل ترامب يرى أنّ دعم كييف ليس رهانًا خاسرًا".

ما دفع ذلك الفراغ نحو الواجهة بشكل أكبر هو تغيير في اللحظة الأخيرة من قبل الرئيس الأميركيّ الحاليّ، جو بايدن، الّذي أطلعه البيت الأبيض يوم الأحد على أنّ الولايات المتّحدة ستسمح باستخدام صواريخ أتاكمس الّتي يبلغ مداها 306 كلم ضدّ أهداف داخل روسيا. وقد طالبت أوكرانيا الإذن باستخدام تلك الصواريخ، بحجّة أنّها غير قادرة على ضرب الثكنات والمطارات والمواقع اللوجستيّة في العمق الروسيّ.

الإدارة في كييف لم تضع الوقت بعد الإذن الأميركيّ. إذ قالت الحكومة الروسيّة إنّ أوكرانيا أطلقت صواريخ طويلة المدى من الولايات المتّحدة على الأراضي الروسيّة لأوّل مرّة، بعد يوم واحد من منح واشنطن الإذن لمثل هذه الهجمات. وأكّد مسؤولون أميركيّون أيضًا استخدام نظام الصواريخ التكتيكيّة للجيش Atacms لشبكة سي بي إس الإخباريّة. وقالت وزارة الدفاع الروسيّة إنّ الضربة استهدفت منطقة بريانسك المتاخمة لأوكرانيا من الشمال صباح الثلاثاء.

وأضافت الحكومة الروسيّة أنّ خمسة صواريخ أسقطت وتسبّب صاروخ واحد بأضرار، حيث تسبّبت شظاياه في اندلاع حريق في منشأة عسكريّة. في ذات السياق، قال مسؤولون أميركيّون إنّ المؤشّرات الأوّليّة تشير إلى أنّ روسيا اعترضت صاروخين فقط من أصل ثمانية أطلقتها أوكرانيا.

من جهته اتّهم وزير الخارجيّة الروسيّ سيرجي لافروف واشنطن بمحاولة تصعيد الصراع. وقال إنّ "استخدام صواريخ Atacms مرارًا وتكرارًا بين عشيّة وضحاها ضدّ منطقة بريانسك هو بالطبع إشارة إلى أنّ الولايات المتّحدة تريد التصعيد". الرئيس الروسيّ بدوره قال إنّ استخدام تلك هذه الصواريخ عالية التقنيّة مرّات عديدة أمر مستحيل من دون مساعدة الأميركيّين" وأضاف بوتين أنّ روسيا "ستنطلق من التفاهم" على أنّ الصواريخ يديرها "خبراء عسكريّون أميركيّون". وصرّح الرئيس الروسيّ في مؤتمر صحفيّ على هامش قمّة العشرين في ريو دي جانيرو "سنعتبر هذا وجهًا جديدًا للحرب الغربيّة ضدّ روسيا وسنردّ وفقًا لذلك".

الردّ الروسيّ

الردّ الروسيّ لم يتأخّر على التصعيد الجديد في الأزمة. الخميس، وبعد أقلّ من 48 ساعة على استخدام أوكرانيا للصواريخ الأميركيّة، تعرّضت مدينة دنيبرو الأوكرانيّة لضربة جوّيّة روسيّة وصفها شهود عيان بأنّها غير عاديّة، ممّا أدّى إلى انفجارات استمرّت لمدّة ثلاث ساعات.

وتضمّن الهجوم ضربة بصاروخ قويّ لدرجة أنّ المسؤولين الأوكرانيّين قالوا في أعقاب الهجوم إنّه يحمل خصائص صاروخ باليستي عابر للقارّات. وسارع المسؤولون الغربيّون إلى نفي ذلك، قائلين إنّ مثل هذه الضربة كانت ستؤدّي إلى حالة تأهّب نوويّ في الولايات المتّحدة.

وبعد ساعات من الضربة، قال الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتن، في خطاب تلفزيونيّ، إنّ روسيا أطلقت "صاروخًا تقليديًّا متوسّط ​​المدى" يحمل الاسم الرمزيّ أوريشنيك، والّذي يعني شجرة البندق باللغة الروسيّة.

الصاروخ الّذي لا يصدّ، قال عنه الرئيس الروسيّ أنّه سافر بسرعة 10 ماخ، أيّ 2.5-3 كيلومترات في الثانية، 10 أضعاف سرعة الصوت، مضيفًا أنّه "لا توجد حاليًّا طرق لمواجهة هذا السلاح". وقال إنّ موقعًا صناعيًّا عسكريًّا رئيسيًّا في دنيبرو، يستخدم لتصنيع الصواريخ والأسلحة الأخرى، قد تعرّض للهجمة. ووصف الهجوم بأنّه اختبار "ناجح" لأنّ "الهدف تمّ الوصول إليه".

وفي حديثه بعد الهجوم لمسؤولين كبار في وزارة الدفاع، قال بوتين إنّ اختبارات الصاروخ ستستمرّ، "بما في ذلك في ظروف القتال".

ويشير الخبراء إلى أنّ الصاروخ، القادر على حمل ستّة رؤوس حربيّة، كلّ منها بستّ ذخائر فرعيّة، يصنّف في النصف الأعلى على قائمة الصواريخ الفرط الصوتيّة، وقليلة هي الصواريخ الّتي يمكنها تحقيق ذلك. المحلّل العسكريّ فلاديسلاف شوريجين قال لصحيفة ازفستيا Izvestiya الروسيّة إنّ صاروخ أوريشنيك قادر على التغلّب على أيّ أنظمة دفاع صاروخيّ حديثة موجودة ويشمل ذلك نظام الدفاع الأميركيّ المتطوّر باتريوت. وأضاف أنّ الصاروخ يمكنه تدمير المخابئ المحميّة جيّدًا على أعماق كبيرة دون استخدام رأس حربيّ نوويّ، على الرغم من عدم وجود دليل على تدمير منشآت تحت الأرض في مصنع دنيبرو.

وقال محلّل روسيّ آخر، إيغور كوروتشينكو، لوكالة تاس للأنباء إنّ الصاروخ لديه رؤوس حربيّة متعدّدة موجّهة بشكل مستقلّ، مضيفًا أنّ "وصول الرؤوس الحربيّة إلى الهدف في وقت متزامن" كان فعّالًا للغاية.

من جهته أصرّ حلف شمال الأطلسيّ على أنّ الهجوم في دنيبرو "لن يغيّر مسار الصراع، أو يقلّل" من دعم الحلف لكييف. رئيس الوزراء المجريّ فيكتور أوربان قال بدوره إنّ الغرب يجب أن يأخذ تحذير بوتين، بما في ذلك الادّعاء بأنّ روسيا لديها مخزون من الصواريخ "جاهزة للاستخدام" على "محمل الجدّ".

تصريحات بوتين الأخيرة: التصعيد

تصريحات بوتين الأخيرة، والقرارات المترتّبة عليها، ربّما تشي بمرحلة جديدة وتحوّل في الصراع، إذ ألقى الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتن خطابًا مساء الخميس 21 تشرين الثاني/نوفمبر ردًّا على أيّام من التصعيد في الصراع في أوكرانيا. وقال بوتين إنّ موسكو أطلقت صاروخًا متوسّط ​​المدى من الجيل الجديد على أوكرانيا وحذّر من أنّ الصراع يتّخذ "طابعًا عالميًّا".

في رسالة إلى جميع الأصدقاء والأعداء على حدّ سواء، قال بوتين إنّه واهم من يصرّ على "إلحاق هزيمة استراتيجيّة بروسيا" خاصّة مع الأحداث الّتي تجري اليوم في ما أسماه "منطقة العمليّة العسكريّة الخاصّة".

وردًّا على منح الولايات المتّحدة الأذن باستخدام الأسلحة الأميركيّة لاستهداف العمق الروسيّ قال بوتين "إنّ استخدام مثل هذه الأسلحة غير ممكن بدون مشاركة مباشرة من الخبراء العسكريّين من الدول المصنّعة". مشيرًا إلى الهجوم الأخير بصواريخ باليستيّة تكتيكيّة من طراز ATACMS أنتجتها الولايات المتّحدة بالإضافة إلى أنظمة Storm Shadow البريطانيّة وأنظمة HIMARS الّتي أنتجتها الولايات المتّحدة أيضًا، على منشآت عسكريّة داخل الاتّحاد الروسيّ في منطقتي بريانسك كورسك. وبالتّالي فإنّ الصراع حسب الرئيس الروسيّ "اتّخذ طبيعة عالميّة".