وسط استمرار القصف الإسرائيلي وتهجير عشرات الآلاف قسرًا من منازلهم، يعيش النازحون في غزة أوضاعًا إنسانية قاسية تحت خيام هشة أغرقتها الأمطار الغزيرة، حيث يعاني السكان من تسرب المياه، ونقص الأغطية، وغياب وسائل التدفئة، بينما يناشدون المجتمع الدولي التدخل العاجل لتوفير مأوى آمن وإنهاء الكارثة الإنسانية التي تعصف بالقطاع.
تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"
وفي قلب ملعب كرة القدم بمدينة غزة، الذي كان يوما مسرحا للرياضة وصخب الجماهير، تحول اليوم إلى مأوى مؤقت لآلاف النازحين الفلسطينيين الذين اضطروا إلى مغادرة منازلهم قسرا من جراء حرب الإبادة التي ينفذها الجيش الإسرائيلي شمالي قطاع غزة.
والخيام البدائية المصنوعة من القماش التي نصبت بملعب اليرموك غير قادرة على مواجهة قسوة الطبيعة، حيث أغرقتها مياه الأمطار، لتضاعف من معاناة المواطنين الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة مأساة إنسانية جديدة.
وهطلت أمطار غزيرة على كافة مناطق قطاع غزة، منذ الليلة الماضية، في ظل انخفاض درجات الحرارة بشكل كبير، ما أدى إلى تدمير وإغراق الخيام فيما يواصل النازحون الوصول إلى الملعب مع استمرار العملية البرية التي يشنها جيش الاحتلال على شمال القطاع.
وفي 5 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، اجتاح الجيش الإسرائيلي شمال قطاع غزة بذريعة "منع حركة حماس من استعادة قوتها". وإثر العملية، اضطر عشرات الآلاف من سكان شمال القطاع إلى النزوح قسرا تجاه مدينة غزة، حيث أقام معظمهم في خيام ومراكز إيواء.
معاناة النازحين المستمرة
ورغم الظروف المأساوية، يبذل النازحون قصارى جهدهم لمقاومة البرد والمطر، حيث يستخدمون كل ما يتوفر لديهم من أدوات بسيطة لحماية أطفالهم وأسرهم، إلا أن نقص الإمكانيات والاحتياجات الأساسية عائق أمامهم.
ولم يسمح الجيش الإسرائيلي للنازحين بحمل أمتعتهم أثناء النزوح، ما جعل حياتهم داخل الخيام ومراكز الإيواء غاية بالصعوبة، وتفتقر إلى أبسط مقومات العيش الإنساني.
ويقف سامي عسلية، أحد النازحين من مخيم جباليا، أمام خيمته محاولا تغطيتها بقطع من النايلون والقماش لمنع تسرب المياه، وقال إن "الوضع مأساوي"، حيث أغرقت الأمطار خيمته المصنوعة من القماش.
وأوضح أن المياه تسربت بشكل كبير داخل الخيمة وأن الوضع مأساوي لا يمكن تحمله. ويأمل عسلية بأن يتمكن وعائلته المكونة من 15 شخصا في الحصول على المساعدة لتخفيف معاناته في ظل الظروف والإبادة والأمطار.
يأتي ذلك بينما يعاني النازحون من نقص في الأغطية والملابس الثقيلة ووسائل التدفئة التي يحتاجون إليها في مواجهة الأجواء الشتوية وظروف الطقس الصعبة.
ولا يختلف حال الفلسطيني أيمن صيام، النازح من جباليا، عن حال كثير من أبناء غزة الذين أجبرتهم الإبادة على ترك منازلهم واللجوء إلى ملعب تحول إلى مأوى مؤقت تحت نيران الحرب.
خيام من القماش
وقال صيام: "تحت القصف والموت، والشهداء كانوا يملؤون الشوارع، اضطررت أنا وأسرتي إلى الفرار والاحتماء في هذا الملعب". وأضاف: "نصبنا الخيام، لكنها غير صالحة لمقاومة الشتاء، المطر يتسرب إلى داخلها لأنها مصنوعة من القماش، ومع أي عاصفة تهدد الرياح باقتلاعها".
وتابع: "عندما غمرت المياه خيمتنا، اضطررت للجوء إلى خيام الجيران حتى ينتهي تساقط المطر، نحن نعيش بخوف، والعالم ظالم، أين الأمة العربية؟ أين المسلمون؟ لماذا لا يوقفون هذا الجنون؟".
فيما قالت المسنة خديجة: "لا أملك مكانا يأويني، وأعيش مع فتياتي عند أحد الأسر في ملعب اليرموك داخل خيمة". وأضافت: "أعاني من مرض السكري ولا أجد علاجا أو من يساعدني، ونناشد الأمة العربية والعالم بالتحرك لوقف الحرب".
ويضطر الفلسطينيون خلال نزوحهم إلى اللجوء للمدارس أو لمنازل أقربائهم أو معارفهم، والبعض يقيم خياما في الشوارع والمدارس أو أماكن أخرى مثل السجون ومدن الألعاب، في ظل ظروف إنسانية صعبة حيث لا تتوفر المياه ولا الأطعمة الكافية، وتنتشر الأمراض.
وحسب المكتب الإعلامي الحكومي، بلغ عدد النازحين داخل القطاع منذ بدء حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية مليوني شخص من أصل 2.3 مليون إجمالي الفلسطينيين فيه.
وقال الفلسطيني سعيد شلاش: "نعيش ظروفا معيشية قاسية داخل ملعب اليرموك، حيث تسربت مياه الأمطار إلى الخيام وأغرقت ملابسنا وأفرشتنا".
وأضاف أنه نزح وعائلته هربا من القصف الإسرائيلي، لكنه واجه معاناة جديدة بسبب الأمطار، حيث لا توفر قطع النايلون والقماش أي حماية لهم.
وناشد شلاش دول العالم أن "يوقفوا الإبادة والعودة إلى بيوتنا".
ظروف الطقس
وقال المتحدث باسم الدفاع المدني، محمود بصل، إن "خيام النازحين بعدة مناطق بقطاع غزة تعرضت لأضرار جسيمة بسبب تدفق مياه الأمطار، ما أدى إلى تلف أمتعتهم".
وأوضح أن "الأضرار تركزت بمخيم ملعب اليرموك، ومتنزه بلدية غزة، و مخيم الشاطئ، وعدد من المدارس، إضافة إلى مناطق وسط وجنوب القطاع".
وناشد بصل المجتمع الدولي والأمم المتحدة بـ"التدخل العاجل لإنقاذ النازحين"، مطالبا بتوفير خيام وكرفانات لحمايتهم من أضرار الشتاء.