كشف تقرير صدر عن مركز "بتسيلم" الحقوقي الإسرائيلي، اليوم الثلاثاء، عن سلسلة من الانتهاكات التي ارتكبها الجنود الإسرائيليون بحق الفلسطينيين في مدينة الخليل تجاوزت حد التنكيل، وأوضح التقرير أن هذه الممارسات لا تقتصر على دوافع انتقام فردية، أو إخفاقات ميدانية عابرة، وإنما نتيجة سياسة ممنهجة ومنظمة تشكل جوهر نظام الأبارتهايد الإسرائيلي.

تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"

وأظهر التقرير، الذي استند إلى 25 شهادة موثقة جمعت بين أيار/ مايو وآب/ أغسطس 2024، وجاء في 18 صفحة تحت عنوان: "بلا رسن: تنكيل الجنود بالسكان الفلسطينيين في وسط مدينة الخليل" وزكر على المنطقة H2، حيث البؤر الاستيطانية في قلب مدينة الخليل، أن العنف يتسم بالعشوائية ويستهدف السكان دون اتهامات واضحة، وبيّن أن هذه الاعتداءات تعكس سياسة منهجية لفرض السيطرة على الفلسطينيين من خلال التخويف والترهيب.

الخليل: سياق متوتر وتصعيد في الانتهاكات

أوضح التقرير أن مدينة الخليل، التي يعيش فيها حوالي 900 مستوطن وسط عشرات الآلاف من الفلسطينيين، تشهد تصعيدًا في القيود والإجراءات منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عقب هجوم حركة حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وتتراوح هذه الإجراءات بين حظر التجول، والتفتيش المستمر، والاعتقالات العشوائية، مما أدى إلى تقييد شبه كامل لحركة السكان الفلسطينيين.

قوات الاحتلال تؤمن اقتحامات المستوطنين للخليل (Getty Images)

وأضاف التقرير: "تتجلى سياسة العنف المنهجي ضد الفلسطينيين في الخليل من خلال تقييد حركة السكان والاعتداء عليهم في حياتهم اليومية، سواء كانوا في طريقهم للعمل أو أثناء تواجدهم في منازلهم".

نماذج من الإفادات

وركز التقرير على شهادات فلسطينيين تعرضوا للتنكيل الجسدي والنفسي، حيث تتكرر الأنماط ذاتها من الاعتداء، مثل التفتيش العشوائي للهواتف، أو اقتياد الضحايا إلى نقاط عسكرية والاعتداء عليهم، أو إذلالهم أمام العامة.

محمود علاء غانم (18 عامًا): العنف الجسدي والنفسي

تحدث غانم، وهو شاب من بلدة دورا، عن تعرضه للضرب المبرح في معسكر عسكري، وقال:
"أجبروني على الركوع لساعات تحت تهديد السلاح. ضربوني بالحزام على رأسي وجسدي. صرخت من شدة الألم، لكنهم زادوا من العنف عندما أنكرت علاقتي بأي تنظيم سياسي. أجبروني على ترديد عبارات تمجد إسرائيل وتهين ديني".

هالة الرجبي (50 عامًا): استهداف الأسر

وتروي الرجبي، وهي أم لتسعة أطفال، عن مداهمة ليلية لمنزلها في حي الحريقة:
"اقتحم الجنود المنزل وأغلقوا الباب بعد إخراجنا. ضربوا أطفالي، أحدهم محمد (14 عامًا)، حتى أغمي عليه. كان محمد مرميًا على الأرض بلا حراك، وكنت أصرخ: 'لقد قتلوه'."

هشام أبو إسعيفان (54 عامًا): اعتداء في طريق العمل

وقال أبو إسعيفان، وهو موظف حكومي، إنه تعرض للاعتداء أثناء ذهابه إلى العمل: "عندما توقفت عند الحاجز، صوّب أحد الجنود سلاحه نحوي وصرخ بي. أوضحت أنني في طريقي للعمل، لكنه أمسك بي وضربني على ظهري وركلني. كان يصرخ بألفاظ مهينة بينما كنت أتألم بشدة".

توضيحية من الخليل (Getty Images)

معتصم دعنا (46 عامًا): التهديد بالقتل

ويروي دعنا، وهو أب لثمانية أطفال، كيف تعرض للتهديد بالقتل: "وضع الجندي فوّهة البندقية على رأسي وسألني: 'هل تريد أن تموت كشهيد؟'، ثم بدأ بضربي على وجهي وركلي حتى فقدت وعيي تقريبًا. كنت أرتعش من شدة الألم والخوف."

عبد المجيد خطيب (19 عامًا): استخدام الهواتف كذريعة للاعتداء

وتعرض خطيب للاعتداء بعد أن فتش الجنود هاتفه ووجدوا صورة لأحداث في غزة: "عندما وجدوا الصورة، بدأوا بالصراخ وأخذوني إلى نقطة عسكرية. هناك ضربوني بشكل عنيف وأجبروني على البقاء لساعات في وضعية مؤلمة. هددوني بأنهم سيزيدون العنف إذا وجدوا شيئًا آخر في هاتفي".

توضيحية من الخليل (Getty Images)

محمد أبو رميلة (20 عامًا): التنكيل والتصوير

بدوره ،كان أبو رميلة يجلس مع أصدقائه عندما اقتاده الجنود إلى حاجز قريب: "ضربوني وأجبروني على ترديد عبارات مهينة. التقطوا صورًا لي وأنا أقول ما يريدون تحت تهديد السلاح. كنت أشعر بالإذلال والغضب، لكنني لم أستطع فعل شيء".

أمير عارف جابر (20 عامًا): عنف مستمر

بدوره، قال جابر: "أجبرونا على الركوع وبدأوا بركلنا وضربنا بمواسير وأعقاب بنادقهم، ثم سمعتُ فجأةً صوت حزام جلديّ فوق رأسينا، وبدأوا بجلدنا بالحزام على أنحاء جسمنا. أحدهم كان يضربنا على رأسينا بالحزام، وكان الضرب مستمرًا لمدة دقائق، وشعرتُ أنني لا أستطيع التحمل من شدة الألم".

ياسر أبو مرخيّة (52 عامًا): ضرب وحشي

في إفادته، قال أبو مرخيّة: "قيدوا يديّ خلف ظهري بأصفاد بلاستيكية وشدّوها بإحكام. ثم انقضّ عليّ جنديان وأخذا يضرباني، بما في ذلك على الخصيتين، لعدة دقائق. تألمت بشدة، وعندما استعدتُ وعيي كنتُ في سيارة الإسعاف".

أنماط متكررة: البحث عن ذرائع للإدانة

وكشف التقرير أن غالبية الاعتداءات تتم عشوائيًا، حيث يُعتقل الضحايا أثناء حياتهم اليومية، مثل الذهاب إلى العمل أو الجلوس في منازلهم. في معظم الحالات، يتم تفتيش هواتفهم بحثًا عن ذريعة للاعتداء عليهم. وأوضح التقرير: "في العديد من الحالات، كان العثور على صورة أو مقطع فيديو مرتبط بالأحداث في غزة كافيًا لتبرير التنكيل الجسدي والنفسي للضحايا."

إضافة الشهادات إلى نمط منهجي

وتكررت حالات إجبار الضحايا على الركوع لساعات، وضربهم بعنف باستخدام أدوات مثل الهراوات أو الأحزمة. وتعرض بعض الضحايا لإطفاء السجائر بأجسادهم، أو سكب الماء البارد أو سوائل ملوثة عليهم، أو وضعهم في غرف شديدة البرودة.

مثال آخر على هذا النمط هو قتيبة أبو رميلة (25 عامًا)، الذي قال: "وضعوا دلوًا على رأسي وبدأوا برمي كرة عليه. كنت أختنق من الألم والشعور بالإهانة. استمروا في الضرب حتى فقدت الإحساس برأسي".

نظام عنف متأصل

وأفاد التقرير بأنه "بالنسبة للجنود المنكِّلين، وكذلك للقيادة الإسرائيليّة ولجزء كبير من الجمهور اليهودي-الإسرائيلي، يتحمل الفلسطينيون جميعًا مسؤولية جماعية عن أعمال حماس (عملية "طوفان الأقصى")، وبالتالي يجوز المساس بهم دون أية موانع أخلاقيّة أو غيرها".

وفي إطار هذا المزاج الإسرائيلي العام، ذكر التقرير أنه "يُنظر إلى العنف المُفرط على أنه جزء لا يتجزّأ من محاربة العدوّ، وكذلك الأمر أيضًا بشأن نشر الرعب بواسطته بين جميع السكان المدنيين الفلسطينيين. لذلك، وبسبب الغياب شبه التام لتطبيق القانون في حالات المساس بالفلسطينيين وبممتلكاتهم، فإنه بالإمكان توقّع استمرار روتين أعمال التنكيل هذه، دون أي عائق".

واختتم التقرير بالإشارة إلى أن هذه الانتهاكات ليست حوادث عابرة، بل جزء من سياسة منهجية تهدف إلى ترهيب السكان الفلسطينيين. وأفاد التقرير: "الجنود الذين يرتكبون هذه الانتهاكات يعملون في مناخ من الإفلات من العقاب، مما يعزز استمرار العنف العشوائي". ودعا مركز "بتسيلم" المجتمع الدولي إلى التدخل الفوري لإنهاء هذه الممارسات ومحاسبة المسؤولين عنها، مشددًا على أن الصمت الدولي يساهم في استمرار هذه السياسات القمعية.