منذ ذيوع نبأ التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان بعد نحو 14 شهرا من الحرب الإسرائيلية في الشمال، الذي بدأ سريان مفعوله فجر يوم 27/11/2024، تشنّ أبواق رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، هجوما حادّا على الاتفاق لأسبابٍ شتى. واللافت أكثر، أنها تخلُص إلى نتيجة وحيدة، مؤدّاها أنه بالرغم من أن الاتفاق أعلن نهاية حرب لبنان الثالثة، إلا إنه لم يُزل الأسباب التي تُعدّ بمثابة مقدّمة لحرب لبنان الرابعة، وستكون -برأي بعض- أصعب.

تابعوا تطبيق "عرب ٤٨"... سرعة الخبر | دقة المعلومات | عمق التحليلات

ولا تُغفَل العوامل التي دفعت الحكومة الإسرائيلية إلى الموافقة على وقف إطلاق النار، وأبرزها أن جنود الجيش الإسرائيلي مُنهكون، وهناك نقصٌ في الذخيرة. كذلك فإن الرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي يتطلّع إلى إنهاء ولايته بإنجاز دبلوماسي، ضغط على إسرائيل وهدّدها بمنع وصول شحنات عتاد عسكري، والسماح بإصدار قرار ضدّها في مجلس الأمن.

من أبرز أسباب الهجوم، أن بنود اتفاق وقف إطلاق النار لا تختلف في جوهرها عن بنود القرار 1701 المُقر في 2006، إثر انتهاء حرب لبنان الثانية، إذ اعتبرت تلك الأبواق أن إسرائيل أجبرت عليه نظرا إلى خوضها تلك الحرب من دون أن تمتلك معلومات استخباراتيةً دقيقةً عن حزب الله، ومن دون أن تتوافر لديها دفاعات ضد الصواريخ التي أطلقها الحزب عليها، ومن دون إيمانها بقدرة القوات البرّية على مواجهته، وكان في قراءتها قرار مليء بالثغرات، وبدا واضحاً، في حينه، أن حزب الله لن يلتزمه.

ويكمن الفارق الوحيد بين منتهى الحرب السابقة واتفاق نهاية الحرب الحالية في إضافتين: الأولى، إنشاء آلية رقابة دولية بقيادة أميركية للتبليغ بشأن خروقات حزب الله، أي إعادة انتشاره جنوب الليطاني وتعزيز قواته في شماله.

والثانية، وهي الأهم، موافقة أميركية مرفقة برسالة جانبية تقرّ بـ"حقّ الدفاع عن النفس" الذي يسمح لإسرائيل بحُرية العمل ومهاجمة الأراضي اللبنانية، في حال وجود تهديد مباشر، أو خرق لم تعالجه الآليات المعتمدة.

كذلك من أسباب هذا الهجوم إشارة تلك الأبواق إلى أنه، بالإضافة إلى الأنفاق في الجنوب اللبناني، بنى حزب الله بنية تحتية واسعة في عُمق المنطقة الواقعة في جنوب الليطاني وحتى شماله. وتعرّضت هذه البنى التحتية لقصف جزئي، ولكنها لا تزال قائمة من دون وجود جهة فعالة تتولى تفكيكها.

ومن غير المرجح أن يتولّى الجيش اللبناني، أو قوات "يونيفيل" مهمة تفكيك البنى التحتية للمقاومة، خصوصا أن هناك وحدات من الجيش اللبناني تُظهر تعاونا مع حزب الله. وبالتالي، فإن الجهة الوحيدة القادرة على تفكيك هذه البنى هي الجيش الإسرائيلي. كذلك عابت الأبواق على أنه في أيّ اتفاق كان ينبغي لإسرائيل أن تصرّ على إنشاء منطقة أمنية عازلة خالية من السكان الشيعة حتى حدود الليطاني.

وفي ما يخصّ ما يوصف بأنه "توكيل أمن الحدود إلى عناصر أجنبية"، يُشار إلى أن الجهود التي بذلتها لجان الإشراف على اتفاقيات الهدنة، التي شُكلت للرقابة الدولية مع مصر وسورية والأردن في عام 1949، فشلت تماما، من وجهة نظر إسرائيل. وكذلك مُنيت بالفشل قوات حفظ السلام في شبه جزيرة سيناء وفي لبنان.

وفي هذا السياق، يمكن العثور على تسخيف للوعود التي قطعها زعماء إسرائيل عند أي انسحابات، والتي تؤكد إمكانية العودة إلى الوجود، في حال تجدّد إطلاق النار. وبحسب ما أعاد إلى الأذهان السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن، مايكل أورن، هذا ما وعد به رئيس الحكومة السابق إيهود باراك عام 2000 عندما انسحب الجيش الإسرائيلي من لبنان. وهذا ما تعهد به رئيس الحكومة السابق أريئيل شارون عام 2005 خلال الانفصال عن قطاع غزّة. ولقد ذكر رئيس الحكومة نتنياهو هاتين السابقتين عندما شرح سبب رفضه الانسحاب من محور صلاح الدين (فيلادلفيا)، مؤكّدا "أن العالم لن يسمح لنا بالعودة قطّ". ومع هذا تعهّد بالعودة مع الانسحاب الجديد المرتقب من لبنان.