سبّب سقوط رئيس النظام السوريّ المنهار بشار الأسد، صدمة امتدت من إيران إلى روسيا، مرورا بتركيا وإسرائيل، والدول الغربية.
ويطرح الوضع الجديد في سورية، تحديات متعددة بالنسبة للقوى الأجنبية المعنية بشؤون هذا البلد. وفقدت طهران حلقة أساسية ما يضعفها إلى حد كبير.
يقول مدير مركز الدراسات والبحوث حول العالم العربي ودول المتوسط، حسني عبيدي، إنه "من الواضح أن إيران هي الخاسر الأكبر، لأن سورية كانت بمثابة قاعدة خلفية لها"، مشيرا خصوصا إلى تصنيع الأسلحة، وارتباطها الجغرافي بالعراق، ما يجعلها "نقطة العبور الأهم مع حليفها حزب الله اللبناني" الذي فقد خطا حيويا لإمدادات الأسلحة.
وبالإضافة إلى فقدان نفوذها في سورية، تخشى إيران من تداعيات داخلية، بحسب أنييس لوفالوا من معهد الأبحاث والدراسات حول المتوسط والشرق الأوسط، التي ترى أن "سقوط نظام مثل نظام بشار الأسد، قد يقلق النظام الإسلامي الذي يواجه معارضة داخلية، والذي تم إضعافه جراء القصف الإسرائيلي"، بحسب ما نقلت عنها وكالة "فرانس برس" للأنباء.
ترى لوفالوا أن "الحرس الثوري صامد" حتى الآن، لكن ما حدث يمكن أن يعيد الزخم إلى حركة الاحتجاج الشعبية في إيران.
شاهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عاجزا سقوط حليفه، لكن الكرملين سارع إلى تسليط الضوء على الحاجة إلى إجراء نقاشات مع السلطات الجديدة. واعتبارا من الإثنين، تم رفع علم المعارضة السورية، فوق السفارة السورية في موسكو.
وتشير أنييس لوفالوا إلى أن "الروس يريدون بالتأكيد إنقاذ مصالحهم الإستراتيجية، ومن هنا مدّ اليد إلى النظام الجديد".
وتمتلك روسيا التي دعمت الأسد عسكريا اعتبارا من العام 2015، قاعدة بحرية في طرطوس، ومطارا عسكريا في حميميم على الساحل السوري.
يذكّر حسني عبيدي بأنه "بفضل قاعدتها البحرية، تمكنت روسيا من ترسيخ وجودها في ليبيا ودول الساحل" الإفريقي، "لذلك بدأت روسيا على الفور مناقشات مع صناع القرار الجدد، حول شروط استمرار العلاقة معهم".
ونقلت وكالتا الأنباء "تاس" و"ريا نوفوستي" عن مصدر في الكرملين، مساء الأحد، أن موسكو باشرت الاتصال مع المعارضين السوريين، وأن قادتهم "ضمنوا أمن القواعد العسكرية الروسية والمؤسسات الدبلوماسية على الأراضي السورية".
يشير حسني عبيدي إلى أن تركيا تبدو الآن "دولة أساسية في الشأن السوري".
ودعا وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، الإثنين، الأطراف الدولية، "وخصوصا الأمم المتحدة"، إلى مدّ "اليد إلى الشعب السوري"، ودعم "تشكيل حكومة جامعة".
وقال رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، مساء أمس الإثنين، إن إسرائيل لا تنسحب أبدا من الجولان السوري المحتل، معتبرا أنه جزء لا ينفصل على إسرائيل، مشددا على أن السيطرة الإسرائيلية على الجولان السوري تبقى أساسية وضرورية لضمان أمن وسيادة إسرائيل.
وشدد نتنياهو في مؤتمر صحافي، على أن اغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، كان بمثابة نقطة مفصلية في الجهود الإسرائيلية لتفكيك المحور الإيراني، وقال إن إسرائيل تعمل على ذلك تدريجيا؛ عادّا أن الهجمات ضد حماس وحزب الله، أسهمت في انهيار النظام السوري.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد، أن إسرائيل لم تكن تعلم مسبقا بهجوم فصائل المعارضة المسلحة، في 27 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وفوجئت بالوتيرة السريعة لهذه التطورات وصولا إلى دخول الفصائل إلى دمشق، الليلة الماضية.
وترجو السلطات التركية تشكيل حكومة في أسرع وقت ممكن، لأن "أولويتها الأولى هي إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم"، كما توضح أنييس لوفالوا، في حين تستضيف تركيا ما يقرب من ثلاثة ملايين لاجئ على أراضيها. علاوة على ذلك "يخشى الأتراك أن يستغل الأكراد الوضع لإقامة حكومة مستقلة".
وتخشى الولايات المتحدة من أن يستغل تنظيم "داعش" الوضع، "لإعادة ترسيخ نفسه" في سورية، حيث سيطر على مساحات واسعة من الأراضي بين العامين 2014 و2018.
ومع تصميمها على منع تحقق هذا السيناريو، أعلنت القيادة العسكرية الوسطى الأميركية التي تشمل الشرق الأوسط (سنتكوم)، أن طائرات تابعة لها نفذت "عشرات الضربات" في وسط سورية، الأحد، مستهدفة "أكثر من 75 هدفا" للتنظيم.
ورحب الأوروبيون بسقوط بشار الأسد، لكنهم يظلون حذرين بشأن الحكومة التي يمكن أن يشكلها التحالف الذي تقوده هيئة تحرير الشام. ويجمع الأوروبيون على القول إنهم "ينتظرون إثباتات على إشراك الأقليات".
أسئلة بشأن دور روسيا في المنطقة
ويشكّل السقوط السريع لرئيس النظام السوريّ بشار الأسد، بعد هجوم مباغت للفصائل المعارضة، نكسة جيوسياسية للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تطرح أسئلة بشأن مستقبل دور موسكو في الشرق الأوسط، بعد فقدانها حليفا دعمته سياسيا وعسكريا على مدى أعوام.
واختلف الوضع جذريا بين 2015 و2024؛ قبل عشرة أعوام، بدأت روسيا التدخل عسكريا في النزاع السوري إلى جانب قوات النظام، وأتاحت لجيش النظام السوري تغيير ميزان القوى ميدانيا لصالحه، واستعادة السيطرة على مساحات واسعة من البلاد، كانت قد سقطت بيد المعارضة المسلحة، أو تنظيمات مسلّحة.
سجّل بوتين في سورية نصرا على حساب الغرب، وأعاد روسيا إلى الساحة الدولية من الباب العريض. لكن موسكو لم تحرك ساكنا تقريبا هذه المرة.
وقال مدير مركز تحليل الإستراتيجيات والتقنيات في موسكو، رسلان بوخوف: "لا تتمتع موسكو بالقوات أو النفوذ أو السلطة الكافية للتدخل (العسكري) بشكل فاعل خارج الاتحاد السوفييتي السابق"، عادّا أن "الهزيمة بعد حين" كانت أمرا لا مفرّ منه، وفق "فرانس برس".
ورأى بوخوف في مقالة نشرتها صحيفة كومرسانت، أن الهجوم "المطوّل" على أوكرانيا الذي بدأته روسيا مطلع العام 2022، وتحشد له مئات الآلاف من الجنود والجزء الأكبر من قدراتها العسكرية، "أضعف" قوتها الضاربة.
وعلى رغم أن موسكو أكدت في الأول من كانون الأول/ ديسمبر، أنها ستدعم قوات النظام السوريّ في صدّ الهجوم الذي بدأته الفصائل في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر، فإن الضربات التي وجّهتها قواتها الجوية بقيت محدودة.
وعدّ المحلل السياسي الروسي، فيودور لوقيانوف، أن "محاولة الإبقاء (على الأسد) كان مصيرها الفشل في أي حال".
وأكد الناطق باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أن روسيا "فوجئت" بالهجوم الواسع الذي بدأته الفصائل المعارضة من معقلها في محافظة إدلب، وتقدمت خلاله بشكل سريع إلى مدن أساسية مثل حلب وحماة، قبل دخول حمص ودمشق ليل السبت الأحد.
وعزّزت روسيا وجودها العسكري في سورية خلال الأعوام الماضية، ولها قاعدة بحرية في طرطوس وأخرى جوية في حميميم، وتنشر آلاف الجنود، بحسب خبراء غربيين؛ ووفق مذكرة بحثية لمركز صوفان في نيويورك، "تساهم هاتان القاعدتان في جهود روسيا لإظهار قوتها ليس فقط في داخل سورية، لكن أيضا في عموم المنطقة، بما في ذلك ليبيا والسودان وأنحاء أخرى من إفريقيا".
وتمنح القاعدة في طرطوس روسيا منفذا لأسطولها على البحر الأبيض المتوسط، وتستخدم القاعدة الجوية في حميميم محطة لطائرات تنقل مرتزقة، يقاتلون لصالح موسكو في إفريقيا.
وقال الباحث في المجلس الأطلسي في واشنطن، كلارك كوبر، إن سقوط الأسد يعني "تقلّص هذه القدرة الروسية... وزعمها بأنها قادرة على أن تكون قوة كبرى".
ويبقى السؤال عن مستقبل الوجود الروسي في سورية من دون إجابة حاسمة.
ورأى لوقيانوف أنه "سيتوجب على الأرجح، إزالة قاعدتي" طرطوس وحميميم.
وردا على سؤال بشأن مصير القاعدتين، أكد بيسكوف، الإثنين، أنه "من السابق لأوانه القول. هذا موضوع للمناقشة مع من سيتولون السلطة في سورية".
وشدّد على أن أمن القاعدتين "مهم جدا... نحن نفعل كل ما هو ممكن وضروري، للتواصل مع أولئك الذين يمكنهم توفير الأمن. كما يتخذ جيشنا تدابير احترازية".
وكشف مدير جهاز المخابرات الخارجية الروسية (إس في أر)، سيرغي ناريشكين، الإثنين، عن "إجراء مفاوضات... لضمان سلامة" الدبلوماسيين الروس في سورية.
ولم تتضح بعد كيفية تعامل الفصائل المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام مع القوات الروسية التي قاتلتها منذ العام 2015.
وقال بيسكوف: "الآن ستكون هناك فترة معقدة للغاية، بسبب عدم الاستقرار".
ولم يؤكد المتحدث الروسي ما أوردته وكالات أنباء محلية نقلا عن مصدر في الكرملين ليل الأحد، لجهة أن رئيس النظام المخلوع، الأسد، قد بات في موسكو، بعد منحه وعائلته اللجوء.
في غضون ذلك، تواصل روسيا الحرب في أوكرانيا، حيث تحقق منذ أشهر تقدما ميدانيا تدريجيا في الشرق، على رغم الدعم الغربي الكبير لكييف. وفي نظر مراقبين عسكريين روس، تبقى أوكرانيا أولوية بالنسبة إلى موسكو.