بعد سقوط نظام بشار الأسد على يد فصائل المعارضة المسلحة، تحت قيادة "هيئة تحرير الشام"، تواجه الولايات المتحدة تحديًا في تحديد سياستها المستقبلية تجاه سورية.

تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"

فبينما يدعو الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، إلى عدم التدخل في "الفوضى" في سورية، ترى إدارة الرئيس المنتهية ولايته، جو بايدن، أن مصالح الولايات المتحدة الحيوية على المحك.

ومثل سائر العالم، فوجئت الولايات المتحدة بالهجوم الخاطف الذي شنّته فصائل المعارضة، وأطاح في أقل من أسبوعين بنظام بشار الأسد، في بلد دمّره النزاع مستمر منذ أكثر من عقد.

لكن هذه التطوّرات تجبر الحكومة الأميركية على مراجعة إستراتيجيتها في سورية. فبعدما فشلت في السنوات الأخيرة في العثور على بديل قوي لنظام الأسد، انسحبت إلى حد كبير للتركيز على القتال ضد تنظيم "داعش".

وتنشر الولايات المتحدة نحو 900 جندي في سورية.

وقال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الثلاثاء، إنه منذ سقوط دمشق، ركزت واشنطن على مسارين أساسيين: الأول منع عودة تنظيم داعش، مع تنفيذ البنتاغون ضربات ضد أهداف تابعة له، والثاني محاولة التأثير على عملية الانتقال السياسي في سورية.

وشدد على أن بلاده "ستعترف بالحكومة السورية المستقبلية التي تنتج عن هذه العملية وستدعمها بشكل كامل". ويتوجه بلينكن هذا الأسبوع إلى الأردن وتركيا لبحث التطورات في سورية، بحسب ما أكدت وزارة الخارجية الأميركية.

ويتجاهل المسؤولون الأميركيون في الوقت الحالي حقيقة أن الولايات المتحدة تصنّف "هيئة تحرير الشام" التي كانت مرتبطة بتنظيم القاعدة بـ"الإرهابية"، ويشيرون إلى أنه في هذه المرحلة، "ترسل (الهيئة) رسائل جيدة"، لكنهم يربطون الحكم عليها بحسب أفعالها وليس أقوالها.

والسبت الماضي، أي قبل يوم من إعلان سقوط الأسد، دعا دونالد ترامب إلى عدم "التدخل" في سورية، معتبرا أن لا علاقة للولايات المتحدة بما يحصل.

وكرّر هذا التصريح في مقابلة مع مجلة "باري ماتش" الفرنسية نشرت يوم الأربعاء قائلا: "هناك الكثير من الأزمات في العالم. منذ أيام، بدأت أزمة جديدة في سورية. سيتعين عليهم تدبير أمورهم بأنفسهم لأن لا دخل لنا هناك، ولا لفرنسا أيضا".

وسينصّب ترامب رئيسا للولايات المتحدة في 20 كانون الثاني/ يناير المقبل. وحاول ترامب خلال ولايته الأولى (2017-2021) سحب القوات الأميركية من سورية، قبل أن يعود عن ذلك تحت ضغط دولي.

وقال براين فينوكاين من مجموعة الأزمات الدولية: "يبقى أن نرى ما إذا كان سيسحب خلال ولايته الثانية جزءا من هذه القوات أو جميعها".

من جهته، اعتبر ستيفن كوك من مجلس العلاقات الخارجية، إنه ينبغي للولايات المتحدة معالجة المخاوف الحقيقية المرتبطة بتنظيم داعش، لكن "في ما يتعلق بالمشاركة في تنظيم السياسة السورية، لا أعتقد أن هناك فائدة في ذلك".

فيما اعتبر أستاذ التاريخ في كولبي كوليدج، جون تورنر، أنه "إذا بقيت الولايات المتحدة على الهامش ولم تدافع عن مصالحها (...)، فنحن نخاطر بتكرار ما حدث خلال سقوط النظام الشيوعي في أفغانستان مطلع التسعينات"، مع وصول حركة طالبان إلى السلطة والتي وفرت ملاذا لتنظيم "القاعدة".

مع ذلك، يبدو أن مجال المناورة المتاح للولايات المتحدة محدود، بخلاف "التعبير عن اهتمامها بالمساعدة في التأثير على مسار الأحداث"، وفق ما قالمدير قسم البحوث في مجموعة صوفان، كولن كلارك.

غير أنه يعتقد أن "إدارة ترامب يجب أن تكون لديها منذ اليوم الأول سياسة متماسكة بشأن سورية، ويجب أن تبدأ العمل مع الجهات الفاعلة الأخرى على الأرض، خصوصا الأتراك".

وفي ما يتعلق بالعلاقة مع "هيئة تحرير الشام"، رأى آخر سفير أميركي لدى سورية، روبرت فورد، أن الهيئة أصبحت أكثر اعتدالا وأن تصريحات زعيمها، أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، تسير في الاتجاه الصحيح.

وأضاف "أنا لا أقول إنه يجب الوثوق بالجولاني. من الواضح أنه سلطوي. ومن الواضح أنه إسلامي. لكنني متأكد من أنني أريد اختباره في بعض هذه المواضيع".

ووفقا له، يجب على واشنطن أن تشجّع الهيئة، وكذلك الجهات الفاعلة السورية الأخرى، على التواصل وطمأنة المجتمعات المختلفة في البلاد، ولا سيما المسيحيين والأكراد والعلويين.

حتى أنه ذهب إلى أبعد من ذلك قائلا إن على واشنطن أن تتراجع وتسمح للسوريين بترتيب مستقبلهم.