بعد نحو أربعة عشر عاما من نضال دامٍ، أسفر عن مئات آلاف القتلى، وملايين المهجرين والنازحين، ودمار واسع لحق البنية التحتية، والممتلكات العامة والخاصة، أسقط السوريون في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024 نظام عائلة الأسد الذي حكم البلاد أكثر من نصف قرن. وقد انهار النظام، المتهالك أصلاً، بعد أن أطلق تحالف من فصائل المعارضة السورية، ضم هيئة تحرير الشام، وفصائل من الجيش الوطني الذي تدعمه تركيا، يوم 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، عملية عسكرية كبيرة تحت اسم "ردع العدوان" استغرقت 12 يوما، تمكّنت في نهايتها من دخول دمشق، من دون قتال، بعد أن هرب رأس النظام إلى القاعدة العسكرية الروسية في حميميم، وتلاشت أجهزته الأمنية وفرقه العسكرية.
وبعد يومين فقط على سقوط النظام، أعلنت فصائل عملية ردع العدوان تكليف رئيس حكومة الإنقاذ في مناطق سيطرة المعارضة سابقا، محمد البشير، بتشكيل حكومة مؤقتة لإدارة البلاد في مرحلة انتقالية تمتد حتى الأول من آذار/ مارس 2025. وجاء هذا القرار عقب اجتماع عُقد لتنسيق ترتيبات نقل السلطة وتجنّب دخول البلاد في حالة من الفوضى، بحضور قائد إدارة "العمليات العسكرية" أحمد الشرع، إلى جانب البشير ورئيس وزراء حكومة النظام السابق محمد الجلالي، الذي كُلّف بتسيير شؤون الحكومة خلال فترة انتقالية. وتواجه الحكومة الجديدة في دمشق تحدّيات عديدة وإشكاليات معقدة، في أوضاع داخلية وإقليمية ودولية مضطربة. أبرزها:
تحدّيات أمنية
على الرغم من عدم حصول انتهاكات على نطاق واسع، مقارنةً بتجارب دول أخرى انهار فيها النظام العام نتيجة تفكك مؤسسات الأمن (الجيش، والأجهزة الأمنية، والشرطة)، التي كانت أصلاً أدوات العنف التي استخدمها النظام ضد السوريين، ألحت الحاجة إلى فرض الأمن وضبط الفوضى واستعادة النظام العام. وعموماً تصرّف المجتمع السوري بمسؤولية، وتمكّنت فصائل المعارضة سريعاً من السيطرة واستعادة الهدوء، إلا أنها تواجه في المدى المنظور تحدّيات رئيسة في هذا المجال؛ ذلك أنه يترتب عليها بناء أجهزة أمنية على أسس جديدة، جوهرها الصالح العام، واحترام حقوق الإنسان، وحماية المجتمع، وصيانة الحقوق الفردية، وحق الملكية، وتحقيق العدالة. وتواجه أيضا تحدي منع تعدّد السلطات، والعمل على سحب السلاح الذي ينتشر على نطاق واسع في المجتمع نتيجة سنوات الصراع الطويلة، وحصر حيازته في أجهزة الدولة الرسمية. وفي هذا السياق، تبرز مهمة رئيسة، هي استدعاء الجيش إلى قواعده للخدمة وتغيير قيادته، وعدم تكرار خطأ حل الجيش الذي اقترفه معمّر القذافي في ليبيا وسلطات الاحتلال في العراق.
وسوف يتمثل التحدّي الرئيس في هذا المجال في التعامل مع الفصائل والجماعات المسلحة المنظمة، بما فيها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وجيش سورية الحرّة الذي يدعمه الأميركيون في منطقة التنف، وفصائل الجنوب التي يقودها أحمد العودة، وفصائل الجيش الوطني التي تدعمها تركيا في الشمال. فبذلك، ترتبط مواجهة تحدٍّ آخر يتمثل في عملية توحيد البلاد، واستعادة الدولة سيادتها على أراضيها كاملة؛ فالسيادة لا تتجزأ. ويبرز تحدّي ضبط التهديدات التي تمثلها الفصائل الجهادية والتعامل معها، بما فيها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
علاوة على ذلك، تحتاج السلطات الجديدة إلى تحييد أي تهديدات يمكن أن تمثلها قوى النظام السابق وفلوله، ومنع تنظيمها، ولا سيما أن جميع القيادات الأمنية والعسكرية ما زالت طليقة. وسوف يحتاج الأمر في مرحلة لاحقة إلى وضع أسسٍ لنظامِ عدالة انتقالية، وسن قانون ينظم عملية محاسبة المسؤولين عن ارتكاب جرائم، وتعويض المتضررين بما يسمح به اقتصاد الدولة السورية.
ومن واجب دول الإقليم عدم عرقلة هذه الجهود، بل عليها مساندتها، فمن يعرقلها يتحمل مسؤولية إفشال تحقيق الاستقرار على مستوى سورية والإقليم.
تحدّيات اقتصادية
نتيجة سنوات من الصراع المسلح وعقود من نهب مقدّرات الدولة، تواجه سورية تحدّيات اقتصادية هائلة تفرض على أي نظام جديد في دمشق استنفار كل الطاقات لمواجهتها. وبحسب منظمات دولية، يعيش 90% من السوريين تحت خط الفقر الأدنى، في حين تصل نسبة الدمار في المساكن والممتلكات العامة إلى نحو 27%. وللأزمة الاقتصادية في سورية أوجه متعدّدة، تبدأ بالافتقار إلى أبسط مقومات الحياة اليومية، وصولاً إلى توفير التمويل اللازم لإعادة الإعمار الذي تقدره جهات دولية عديدة بمئات مليارات الدولارات.
ولأن كسب ثقة الناس يُعدُّ أساسيّا لنجاح المراحل الانتقالية، سوف يبرز أمام الحكومة الجديدة تحدّي إحداث تغيير واضح في حياة الناس، يستطيعون تلمّسه سريعا؛ وهذا لا يتم إلا من خلال حلحلة الأزمات المعيشية المرتبطة بحياتهم اليومية، بما يشمل توفير المواد الغذائية، والسلع الأساسية، والوقود، والمواصلات، والاتصالات، والكهرباء، والمياه، وغيرها. ويحتاج الأمر إلى إعادة تفعيل عمل مؤسّسات الدولة وأجهزتها المختلفة، من وزارت ودوائر خدمات، وتشجيع الناس على العودة إلى حياتهم الطبيعية في أسرع وقت ممكن واستعادة النشاط الاقتصادي العام والخاص في أنحاء البلاد، وتشجيع الشركات ورؤوس الأموال الوطنية التي غادرت سورية على العودة التدريجية، وتقديم التسهيلات للمبادرين السوريين للعودة والعمل في وطنهم. وسوف تحتاج البلاد إلى استثمارات خارجية مباشرة كبيرة للتعامل مع هذه التحديات؛ وهو ما يتطلب استقراراً أمنيّاً، وسياسيّاً.
تحدّي الحكم والنظام السياسي
تعاملت قيادة العمليات المسلحة، في هذين الأسبوعين الحاسمين من تاريخ سورية، بمسؤولية مشهود لها. وسبق أن تبيّن، خلال إدارة إدلب نفسها، أن البراغماتية السياسية يمكن أن تشكل دافعا مهمّاً للتغيّر والتطور. وبعد إسقاط النظام، تبرُز الحاجة ملحّة إلى توفير إجماع سياسي، تشارك فيه مختلف القوى، على إدارة المرحلة الانتقالية وشكلها، ليس منعًا لأي فراغ في السلطة فحسب، بل أيضا لتجنيب سورية وشعبها عودة أي نوع من الاستبداد. وينبغي لفصائل عملية ردع العدوان عدم الوقوع في خطأ الاستئثار بالسلطة، وتهميش القوى السياسية التي ساهمت سنوات (بعضها على مدى عقود) في النضال ضد نظام الاستبداد. وتهدّد سياسات الإقصاء والتهميش، في حال اعتمادها نهجا للحكومة الجديدة، بحصول انقسامات عميقة، ليس فقط بين قوى الثورة والمعارضة، بل أيضا في المجتمع السوري نفسه. والدولة السورية حاليّا في أمسّ الحاجة إلى نظام يلتفّ حوله الشعب السوري. من هنا تأتي أهمية إشراك الجميع في مشاورات تشكيل الحكومة، وإشعارهم بأنهم جزء من المستقبل. ولأن سورية دولة متعدّدة التوجهات السياسية، ومتنوعة الجماعات والانتماءات الدينية والإثنية، التي يفترض أن تُؤطَّر في المواطنة السورية، يجب أن تكون الحكومة الانتقالية تمثيلية لأوسع طيف ممكن من الفضاء السياسي السوري، وأن تشمل كل الجغرافيا السورية. ويجب أن تضم الحكومة وجوها مقبولة لدى المجتمع السوري، وقادرة على مخاطبة المجتمع الدولي. وينبغي لهذه الحكومة أيضا، بعد تشكيلها، أن تضع برنامجا متكاملا للمرحلة الانتقالية، يتضمّن تشكيل جمعية تأسيسية، مهمتها وضع دستور للبلاد خلال فترة محدّدة، تجري على أساسه انتخابات بعد أن تستقر الدولة بحسب نوع النظام السياسي الذي يتم الاتفاق عليه.
توحيد الجهاز الأمني للدولة ضرورة متعلقة بجوهرها، فلا دولة من دون احتكار العنف الشرعي، ولكن التعدّدية السياسية والفكرية والمجتمعية، والإجماع على المبادئ الدستورية التي تحمي الحقوق والحريات المدنية، هي مجتمعةً الضمان لتجنب عودة الاستبداد والطغيان اللذين ثار ضدهما السوريون.
وبغض النظر عن تقييم تجربة إدارة حكومة الإنقاذ لمناطق في الشمال السوري، وعدم إنكار إمكانية اجتراح تجربة ذات خصوصية، فإن إدارة سورية لا تشبه إدارة إدلب، وما يُتوقّع من إدارة دولة بعد ثورة مديدة غزيرة بالتضحيات من أجل الحرية والمواطنة مختلف عمّا يُتوقّع من إدارة مؤقتة لإقليم محاصر في حالة صراع.
يمكن أن يستفيد السوريون من تجارب ليبيا والعراق واليمن وغيرها من البلدان، ولكن يمكنهم الاستفادة أيضاً من سنوات الاحتراب الفصائلي والفوضى، ومحاولات فرض نمط حياةٍ معيّن على الناس في سورية ذاتها، ومن نتائجها الوخيمة على المجتمع وعلى الثورة ذاتها.
التحدّي الإسرائيلي
ما إن تسرب خبر هروب الأسد، وانهيار نظامه، حتى أعلنت إسرائيل على لسان رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، أنها "لن تسمح لأي قوة معادية بالتموضع على حدودها"، معتبراً أن اتفاق فضّ النزاع الموقّع عام 1974 بين إسرائيل وسورية "قد انهار نتيجة انسحاب الجيش السوري من مواقعه". وأوضح نتنياهو، في زيارته مرتفعات الجولان، أن "أوامر قد صدرت للجيش الإسرائيلي للسيطرة على هذه المواقع". وقد بسطت إسرائيل سيطرتها الكاملة على المنطقة العازلة، وعلى مناطق خارجها أيضاً. ونفذت القوات الجوية الإسرائيلية ما وصفتها "أكبر عملية جوية في تاريخها"، استهدفت من خلالها تدمير البنية التحتية للجيش السوري، بمشاركة السفن الحربية الإسرائيلية.
وتُركّز إسرائيل في عملياتها العسكرية، المباشرة وعبر الضربات الجوية، على تدمير منشآت الدفاع الجوي، ومخازن الأسلحة، وقواعد الصواريخ، من أجل تحويل سورية إلى دولة منزوعة السلاح، وحرمان الجيش السوري المستقبلي من القدرة على إعادة التنظيم بوصفه قوةً مركزيةً، واستعادة أراضيه المحتلة أو ردع إسرائيل عن الاعتداء عليها. ومن ثم، تصبح أي حكومة سورية مقبلة مكبّلة بشروط جيوسياسية وأمنية، تجعلها غير قادرة على الاضطلاع بدور فاعل في مواجهة التحديات الإقليمية؛ ما يساهم في إعادة رسم معادلات القوة الإقليمية لصالح إسرائيل وحلفائها. وتهدف إسرائيل من هذا العدوان إلى جر السلطات الجديدة في دمشق إلى التفاوض معها، وتبيّن نياتها بشأنها، بحيث تكون دولة الاحتلال في موقع الإملاء على سورية، وتهمّش قضية الجولان المحتل بعد أن احتلت أراضٍ إضافية.
يأتي هذا العدوان الإسرائيلي الشرس لتحطيم معنويات الشعب السوري، وقبل البدء في بناء مؤسّسات الدولة، في إطار عربدة إسرائيلية على مستوى الإقليم وهوان عربي غير مسبوق، ويفترض أن تقرع هذه البلطجة الإسرائيلية جرس الإنذار في العواصم المطبّعة مع إسرائيل. فدولة الاحتلال تريد أن تصبح سيدة المنطقة بلا منازع، بحيث تتنافس الدول العربية في نيل رضاها، بعد أن كانت تتنافس في نيل رضا الولايات المتحدة الأميركية. وهو أمر لا يجوز التسليم به.
تحدّي الاعتراف الدولي ورفع العقوبات
فُرضت على سورية، منذ عام 2011 سلسلة من العقوبات الدولية، ردّاً على قمع النظام المدنيين خلال الثورة السورية. وتضمّنت هذه العقوبات تجميد الأصول المالية، وحظر السفر على مسؤولين سوريين، وقيوداً على التجارة، خاصة في قطاع النفط؛ ما خلف أثراً بالغاً في الاقتصاد السوري، الذي انكمش حجمه إلى نحو 20% فقط مقارنة بفترة ما قبل الثورة عام 2011. وفرضت الولايات المتحدة عقوباتٍ على البنك المركزي السوري، وحظرت تصدير السلع والخدمات الأميركية إلى سورية، إضافة إلى "قانون قيصر" الذي صدر عن الكونغرس الأميركي ووقعه الرئيس السابق، دونالد ترامب، في كانون الأول/ ديسمبر 2019؛ ما أدّى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية والمنتجات الطبية.
تواجه السلطات السورية الجديدة تحديات جسيمة في محاولتها رفع العقوبات الدولية؛ إذ تصطدم بمعضلة تصنيف أبرز فصائل إدارة العمليات العسكرية، ممثّلة في هيئة تحرير الشام، منظمّات إرهابية ضمن لوائح الأمم المتحدة، ومن ثم يعرقل هذا التصنيف الاعتراف بحكومة محمد البشير بوصفها شريكاً سياسيّاً في المجتمع الدولي، ويقوّض قدرتها على تحقيق تعاون اقتصادي ودبلوماسي. في هذا السياق، حدّدت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، في بيان لوزير الخارجية أنتوني بلينكن في 10 كانون الأول/ ديسمبر 2024، أربعة شروط للاعتراف بالحكومة الجديدة، يجب بمقتضاها أن تلتزم "باحترام كامل لحقوق الأقليات، وتسهيل تدفق المساعدات الإنسانية إلى كل المحتاجين، ومنع استخدام سورية قاعدةً للإرهاب أو تهديد جيرانها، وضمان تأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية أو البيولوجية وتدميرها بأمان". ويعني هذا الأمر تمديد العقوبات، بشروط جديدة، على سورية المدمّرة قبل أن تلتقط الدولة أنفاسها؛ ما يعرقل العودة إلى حياة طبيعية، ويعاقب السوريين على تخلصهم من الاستبداد، كما أن القيود المفروضة على حركة الأموال والسلع تُفاقم الأزمة الاقتصادية وتعوق الجهود الإنسانية. ويتطلب رفع العقوبات توافقًا دوليًا وإقليميًا، إلى جانب إزالة الأفراد والهيئات المصنفة على قوائم الإرهاب الدولية.
قد يفرض تصنيف هيئة تحرير الشام، ضمن قوائم الإرهاب التابعة للأمم المتحدة، قيوداً صارمة على أي تعاون دولي مباشر أو غير مباشر مع المناطق التي تخضع لنفوذ الهيئة؛ ما يعقّد وصول المساعدات الإنسانية والتنموية إلى تلك المناطق. ويتطلب حل هذه المعضلة من الحكومة السورية الجديدة اتخاذ خطوات متعدّدة تشمل: تقديم ضمانات دولية بعدم التعامل مع الجماعات المصنفة إرهابية، وتطبيق سياسات فعالة لمحاربة التطرف العنيف واحتكار الدولة للسلاح، فضلًا عن تعزيز الشفافية في إدارة المساعدات الدولية والانفتاح على أفراد وقوى سياسية مدنية معارضة، يكون لها دور في إدارة الحكومة لإعادة بناء الثقة الدولية ورفع العقوبات الاقتصادية تدريجيّاً.
تحدّي بناء العلاقات مع المحيطين الإقليمي والدولي
تحولت سورية خلال سنوات الصراع إلى ساحة تنافس مفتوح بين القوى الإقليمية والدولية، التي سعت إلى تعزيز نفوذها وتحقيق مصالحها الاستراتيجية في البلاد. وقد أقامت هذه القوى شبكاتٍ معقدة من النفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي داخل سورية؛ ما يجعل أي حكومة جديدة تواجه تحدّياً كبيرًا يتمثل في تفكيك هذه الشبكات، واستعادة سيادة الدولة من خلال بناء مؤسّسات مستقرّة. وتمثل مسألة التعامل مع القواعد العسكرية الروسية في سورية تحدّياً إضافياً مهماً، لضمان ألا تصبح هذه القواعد مصدرًا للتدخل في القرارات السيادية.
على الصعيد العربي، عقدت إدارة الشؤون السياسية في المعارضة السورية، في دمشق في 10 كانون الأول/ ديسمبر، اجتماعاً ضم سفراء العراق، والبحرين، وعُمان، ومصر، والإمارات، والأردن، والسعودية، إضافة إلى السفير الإيطالي، بينما أجرت قطر اتصالات مع السلطات الجديدة في دمشق. وأعرب المتحدّث باسم وزارة الخارجية القطرية (الدولة العربية الوحيدة التي رفضت التطبيع مع النظام السوري السابق) عن ترحيب بلاده بـ "الخطوات الإيجابية التي اتخذتها قوى المعارضة، لا سيما المحافظة على سلامة المدنيين واستقرار مؤسسات الدولة وضمان استمرار الخدمات العامة"، مؤكّدا أنّ "دولة قطر ستعيد افتتاح سفارتها في الجمهورية العربية السورية الشقيقة قريباً بعد إكمال الترتيبات اللازمة". وعبّرت السعودية عن "ارتياحها للخطوات الإيجابية التي تم اتخاذها لتأمين سلامة الشعب السوري".
وعلى الرغم من المواقف الإيجابية التي أبدتها الدول العربية إزاء التغيير في سورية، تواجه الحكومة الجديدة تحدّيات كبيرة تثير قلق هذه الدول. يتمثّل أبرزها في المخاوف الأمنية المرتبطة بانتشار الجماعات المسلحة، وتدفق اللاجئين، وتهريب الأسلحة والمخدرات. إضافةً إلى ذلك، تثير الخلفية السلفية الجهادية للحكومة مخاوف لدى دول عديدة تخشى من أن تنعكس التجربة السورية على أوضاعها الداخلية. ومع ذلك، تجد الحكومة نفسها في وضع أفضل نسبيّاً؛ نتيجة ارتياح بعض الدول الخليجية لفك ارتباط سورية بالمحور الإيراني. وتبرز على الجانب الآخر مخاوف سورية من التدخل المباشر لبعض الدول في دعم العصيان المسلح، مستغلةً تعدّد الفصائل المسلحة، كما يحصل في ليبيا والسودان مثلاً. ومن أهم ضمانات منع حصول ذلك توحيد الفصائل المسلحة في جهاز عسكري واحد، قوات أمن وطني أم الجيش نفسه.
خاتمة
بعد إسقاط النظام دخلت سورية مرحلة جديدة، تواجه فيها تحدّيات كبرى في شتى المجالات؛ نظرا إلى التركة الثقيلة التي خلّفها النظام السابق، والدمار الكبير الذي ألحقه بالبلاد نتيجة سياسات العنف والقهر التي اتبعها أكثر من نصف قرن، ورفضه العنيد أي تغيير من خلال الإصلاح التدريجي. نجاح أي حكومة في مواجهة هذه التحدّيات سوف يكون رهن قدرتها على تحقيق أوسع إجماع سياسي ممكن، بمشاركة أطياف واسعة من القوى السياسية التي قاومت النظام، وإعادة بناء مؤسّسات الدولة، وتوحيد السلاح وحصر العنف الشرعي في يد الدولة. يعتمد ذلك أيضاً إلى حد بعيد على كسب ثقة الناس وتعاونهم، واحترام حرياتهم الفردية، وكذلك عدم فرض توجّه سياسي وثقافي معين عليهم؛ فالمجتمع السوري منفتح، متعدّد الأديان والثقافات. محاولة القيام بذلك سوف يدفع الناس إلى الانفضاض عن الحكم الجديد، وهذا يعني المخاطرة بتكرار تجارب مؤلمة عرفها العالم العربي بعد ثورات عام 2011.