سقط نظام البعث في سورية لتُثار نقاشات صاخبة، بعضها تجاوز حد التخوين والعمالة، بين مؤيدين لنظام الأسد ومعارضين له، في حين يشعر أنصار ومؤيدو الثورة بنشوة النصر، والتي قد تتبدد إذا ما انشغلت الفصائل السورية عن رؤية الواقع والتبصُّر في المستقبل.
سقط نظام الأسد (حافظ وابنه بشار) في سورية، بعد 54 عاما من حكم البعث، وكنتُ كغيري أظنُه قويا بعض الشيء أو أنه على الأقل يستطيع حماية نفسه من معارضيه وأنه لا يمكن إسقاطه وانهيار أركانه بهذه السرعة.
لا أخفي أنني كنت أشعر بخيبة وضيق في الصدر حين كانت إسرائيل تقصف مواقع سورية وسط صمت "أهل الكهف" في دمشق، بين الفينة والأخرى.
ما حصل في سورية، في غضون الأيام الأخيرة، جاء نتاجا طبيعيا لعشرات الأعوام التي ذاق فيها السوريون مختلف صنوف القهر والظلم والإرهاب والقتل والتعذيب والنفي والتهجير، وهو كذلك حصيلة ثورة شعبية انطلقت في آذار/ مارس 2011، لرفع الغبن والذُل والهوان عن الشعب السوري.
بغض النظر عمّن سيحكُم في دمشق، فإن أخطر ما تواجهه سورية في هذه المرحلة الحرجة هو فرض دول أجنبية انتهازية حزمة سياسات وأجندات على النظام الجديد في هذا القطر العربي، واستيلاء الولايات المتحدة وأوروبا على مقدرات سورية، بمعنى إخضاع سيطرتها على القرار السياسي السوري بعد أن جعلت سورية كيانا متهالكا أنهكته الممارسات القمعية والأحداث الدامية على مدار عقود من الزمن.
ليس خافيا على أحد أنه لن يهدأ بال أميركا وربيبتها إسرائيل وأوروبا دون تحقيق أجنداتها في سورية، وجعلها كيانا ضعيفا لا يقوى على الحركة والتفاعل مع القضايا العربية والإقليمية والعالمية الكثيرة والشائكة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، ولن تقبل هذه الدول عدم حشر أنفها في دمشق وسياساتها، لا بل إنها ستعمل على إثارة الفتن والقلاقل بين السوريين بهدف إضعافهم وشرذمتهم وجعلهم فصائل متناحرة، ليسهُل عليها فرض أوامرها وتوجهاتها على المستوى السياسي في سورية كغيرها من الدول العربية والإسلامية.
إن المسؤولية في فرض الأمن والأمان والسلام والاستقرار لكافة السوريين دون استثناء، وضمان حرية الإنسان السوري وكرامته، اليوم، تقع على الفصائل السورية المسلحة التي شنّت أوسع هجوم منذ أكثر من خمسة أعوام، وتمكنت من التخلص من نظام الأسد، وفي مقدمتها: هيئة تحرير الشام التي يتزعمها "أبو محمد الجولاني"، وأحرار الشام، والجبهة الوطنية للتحرير، والجيش الوطني السوري، وقوة جيش العزة، وكتائب نور الدين الزنكي، إلى جانب كافة الأطر الشعبية والهيئات الوطنية والحركات والأحزاب السياسية.
كما أن القيادة السورية التي جاءت بعد نظام البعث، مُطالبة أيضا برسم المعالم السياسية للمرحلة المقبلة بكل وضوح وشفافية، والتي لا يقبل الشعب السوري سواها، وهي الحفاظ على الهوية القومية لسورية، وأخذ دورها الحقيقي والريادي في دعم الأحرار والحركات الثورية التي ترغب بالانعتاق والتحرر من نير الأنظمة القمعية والاستعمار والاحتلال، وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وحقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
لا يمكن لأي نظام حكم أن ينجح دون وعي وإرادة وحاضنة شعبية، تقف في وجه أعداء حرية الإنسان وكرامته، وتصد سارقي الثورات والمقدرات، ومُثيري الفتن والنعرات الطائفية والمذهبية، ومُحيكي القلاقل والمؤامرات.
ليست القضية الأهم، اليوم، سقوط الأسد واستلام الجولاني الحكم، بقدر ما أن تدمير سورية وإحكام أميركا وأوروبا السيطرة على الأجندات السياسية في هذا القطر العربي هدفه دعم إسرائيل كقوة أساسية مهيمنة في الشرق الأوسط، ومؤثرة في العالم.
اقرأ/ي أيضًا | سيوف المعركة لم تغمد بعد