بلا توقف أو طرح بدائل، يلاحق شبح الهدم والترحيل العرب الفلسطينيين في منطقة النقب، جنوبي البلاد، باستمرار وتصعيد غير مسبوق، فلا يمر يوم دون أن تباشر آليات الهدم المعززة بقوات كبيرة من الشرطة الإسرائيلية بهدم منازل ومنشآت وقرى كاملة للفلسطينيين في النقب.
وتتعدد الذرائع والحجج والادعاءات التي تستند إليها السلطات الإسرائيلية في هدم وترحيل الفلسطينيين، وأبرزها البناء دون تراخيص، حيث تضع السلطات عراقيل عديدة في عملية استصدار التراخيص، أو أن تكون الأمور أكثر وضوحا، كما نشهد في مخطط اقتلاع السكان الفلسطينيين وتوطين مستوطنين يهود مكانهم الذي بدأت السلطات الإسرائيلية بتنفيذه بتهجير قرية أم الحيران من أجل إقامة مستوطنة يهودية على أنقاضها.
يستهدف مخطط الاقتلاع والتهويد سكان 14 بلدة عربية يتجاوز عددهم أكثر من 10 آلاف نسمة، من إجمالي عدد القرى مسلوبة الاعتراف في النقب البالغ عددها 38 قرية، يسكنها نحو 80 آلاف نسمة، نصف القرى الـ14 على الأقل سيتم توطين مستوطنين يهود فيها بدلا من السكان العرب، فيما ستقام مشاريع ضخمة على أراضي القرى الأخرى.
وفي حديث لـ"عرب 48" عن التصعيد في عمليات الهدم التي شهدتها منطقة النقب خلال العام الحالي، قال مركّز فرع مركز عدالة الحقوقي في النقب، المحامي مروان أبو فريح، إنه "من بداية السنة نعيش فترة من أكثر الفترات تصعيدا من ناحية الهدم وإصدار وتنفيذ أوامر الإخلاء، وأيضا عدم إنذار أصحاب المنازل المهددة بالهدم قبل يوم واحد على الأقل كما كنا نشهد سابقا".
وتابع أبو فريح أنه "خلال العام 2023 هدمت السلطات الإسرائيلية 3283 منزلا ومبنى في النقب، أما هذه السنة 2024 وبحسب رصدنا الميداني فقد زاد هذا العدد عن الضعفين على الأقل، في انعكاس واضح لتصريحات الوزراء الإسرائيليين وعلى رأسهم إيتمار بن غفير".
وعن آثار الهدم على العائلة النقباوية، قال أبو فريح إن "عمليات الهدم تترك آثارا سلبية عديدة على أهالي النقب، نبدأها بالجانب النفسي ومعنى أن ترى منزلك وممتلكاتك تهدم وتدمر ولا تسطيع فعل شيء، وأن تصبح بين ليلة وضحاها في العراء. الآثار النفسية المترتبة عميقة جدا وتحديدا على الأطفال. زيادة على ذلك تفرض السلطات الإسرائيلية على أصحاب المنازل المهدومة دفع تكاليف عمليات الهدم التي تصل لعشرات آلاف الشواكل، بالإضافة لذلك تطرح السلطات الإسرائيلية على الأهالي التي تهدم منازلهم أن ينتقلوا للعيش في أرض أخرى، والتي تكون بملكية عائلات أخرى، ما قد يفتح بابا لزرع الخلافات بين العائلات".
وفي الجانب القضائي والقضايا التي يمثلها مركز عدالة، قال إنه "نمثّل أهالي 3 قرى أمام المحكمة، وهي راس جرابة والبقيعة وأم بدون، ويسكن في هذه القرى قرابة 1800 نسمة. راس جرابة تريد الحكومة تهجيرها لتوسيع أحياء من مدينة ديمونا، أما البقيعة وأم بدون بهدف تطوير المحميات الطبيعية والسياحة. أهالي البقيعة وأم بدون تم ترحيلهم من أراضيهم الأصلية في مطلع خمسينيات القرن الماضي بأمر من الحاكم العسكري، واليوم يريدون تهجيرهم مرة أخرى دون توفير حل بديل".
وأشار أبو فريح إلى سياسة ما تسمى "سلطة تطوير النقب" بطرحها حلولا من جانب واحد "دون استشارة أهالي القرى أو النقاش معهم".
وختم مركّز فرع مركز عدالة الحقوقي في النقب حديثه بالقول إن "المرحلة القادمة ستحمل مزيدا من التصعيد على الوجود العربي في النقب الذي يواجه معركة وجود بكل ما تحمله الكلمة من معنى، أمام بن غفير وجمعيات ومؤسسات متطرفة يحاولون كتب تاريخ جديد بأن العرب البدو غزاة لهذه المنطقة في تشويه متعمد للحقائق".
وفي حديثه لـ"عرب 48" قال عضو بلدية رهط، سليمان العتايقة، إن "الزيادة في عمليات الهدم في النقب تضاعفت في السنوات الماضية بأربعة أضعاف بحسب تصريحات وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير. الهدم اليوم هو أوّل وأكبر المشكلة تواجهنا باستمرار، حيث أنه يخلّف عدة مشاكل في ظل عدم طرح الحلول من قِبل السلطات الإسرائيلية. الحكومة الحالية تزداد تطرفا شيئا فشيئا، هم يريدون أن تكون البلاد بدون عباد، يريدون بلادا فارغة، ويستكثرون على العرب حتى المنازل المصنوعة من الصفائح الحديدية".
وأكمل العتايقة أنه "خلال الأشهر الأخيرة أصبح هناك ترويج لظاهرة الهدم الذاتي للمنزل من قبل صاحبه لكي لا يتم تغريمه مثل الذين رفضوا وتم تغريمهم، وأنا واحد من هؤلاء تم تغريمي بمبلغ 1.2 مليون شيكل، ويعد هذا أعلى مبلغ لغرامة هدم فُرضت على عربي في البلاد، وقد تقدمنا باستئناف لتقليل مبلغ الغرامة وننتظر انعقاد جلسة المحكمة، مع أننا لا نعوّل على المحاكم الإسرائيلية".
وعن هدم 5 منازل للعائلة العتايقة، قال إنه "ما معنى أن يعتقلوك صباحا وتعود لمنزلك وتجده مهدوما! هذه كارثة بكل المقاييس، ونحن نرى ما يحدث لأهالينا بمختلف الأماكن، ونقول الحمد لله ولا نرى حلًّا سوى الصبر والتمسّك بأرضنا".
وفي حديثه لـ"عرب 48" أعرب رئيس المجلس الإقليمي للقرى مسلوبة الاعتراف، عطية الأعسم، عن قلقله قائلا إن "راس جرابة تنتظر ذات المصير الذي فُرض على أم الحيران بهدم القرية وتهجير أهلها، وقد أمهلت السلطات الإسرائيلية أهالي القرية حتى نهاية الشهر الجاري كانون الأول/ ديسمبر لإخلاء القرية".
وأردف الأعسم أنه "قدمنا استئنافا يطالب بوقف تنفيذ قرار الإخلاء، لكن حتى الآن لم تصدر المحكمة قرارها، ونحن نعي تماما أن المحاكم لن تنصفنا وهي مكملة للسياسات العنصرية تجاهنا".
وفي سياق مخطط تهجير السكان العرب الفلسطينيين وتوطين يهود بدلا منهم، قال الأعسم إن "تهجير سكان راس جرابة يأتي بهدف توسيع أحياء من مدينة ديمونا، والتي هي بالأصل مقامة على أراضي راس جرابة. طرحنا توسيع الأحياء على أن يصبح سكان راس جرابة جزءا من ديمونا لكن الاقتراح قوبل بالرفض وكان الرد أنهم لا يريدون مدينة مختلطة جديدة، وما تطرحه السلطات هو أن يسكن سكان راس جرابة في قرية قصر السر، بدون تخطيط وبنى تحتية، بل تبين أن الأراضي الذي اقترحوها تعود لعائلة من قصر السر".
وعن مخطط البيوت المتنقلة "الكرفانات" المقترح كبديل عقب ترحيل السكان، قال الأعسم إن "هذا المخطط يهدف لتهجير أكثر من 36 ألف من سكان النقب، واستبدال منازلنا وأراضينا بكرفانات متنقلة داخل البلدات المعترف بها دون أي بنى تحتية، وينتهي ترخيص كل كرفان بعد 5 سنوات منذ استلامه. هذا المخطط ما هو إلا خدعة كبيرة ونحن نرفضه بشكل قاطع".
وختم الأعسم حديثه بالقول إن "سياسة الفصل العنصري التي تمارسها الحكومة تمعن بتشريد العرب وإلحاق المزيد من الألم، ويتفاخر الوزراء الإسرائيليون بهذه السياسات بل وتزداد شعبيتهم بين اليهود".
ووصف رئيس اللجنة المحلية في راس جرابة، موسى الهواشلة، لـ"عرب 48" الأوضاع في القرية قائلا إنها "سيئة جدا، لا نعرف ماذا سنفعل وأين سنذهب؟! مؤلم جدا أن تبقى تعد الأيام والليالي وتنتظر المصير المحتوم بالترحيل وهدم منزلك دون معرفة ماذا ستفعل".
وأكد "نحن في راس جرابة قبل قيام الدولة، ومدينة ديمونا أقيمت على أراضينا، والآن يريدون توسيع أحياء المدينة على حساب منازلنا، والقضاء يتماشى مع هذه السياسات والممارسات العنصرية والظالمة".
وختم الهواشلة حديثه بالقول إنه "يسكن في راس جرابة قرابة 500 نسمة (130 عائلة) من عائلات الهواشلة وأبو صلب والنصاصرة. منازل القرية مصنوعة من الصفائح الحديدية والمواد البسيطة. لا يوجد في القرية أي شكل من أشكال البنى التحتية، لا شبكة ماء ولا كهرباء ولا شوارع ولا مؤسسات صحية أو تعليمية، فقط يوجد مصلى صغير نحن من أقمناه".