بدأت الحركة السياحية والتجارية العودة تدريجيا إلى الناصرة، وذلك مع قدوم موسم الأعياد المجيدة ورأس السنة الميلادية الجديدة، إذ شهدت المدينة نهاية الأسبوعين الماضيين حركة سياحية وتجارية نشطة، معظمها من السياحة الداخلية الوافدة من مدن المركز وشمالي البلاد.

تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"

وكانت الحركة التجارية والسياحية قد شهدت ركودا غير مسبوق منذ اندلاع الحرب على غزة، ما أدى إلى توقف معظم النشاطات السياحية والتجارية في المدينة والتسبب بإغلاق عشرات المحال التي كانت تعتمد بالأساس على السياحة الوافدة من الداخل والخارج.

وبهذا الصدد، تجول "عرب 48" في اليومين الماضيين بأرجاء المدينة للحديث مع أصحاب المطاعم والفنادق وبيوت الضيافة والوقوف عما إذا كان قرار بلدية الناصرة ومجال الطوائف المسيحية بإغلاق مظاهر احتفالات وإضاءة شجرة الميلاد واقتصارها على الطقوس الدينية قرار صائب أم خاطئ.

وقال أحد أصحاب المصالح التجاري الذي رفض التحدث باسمه، لـ"عرب 48"، إن "النشاط السياحي الذي شهدته المدينة يومي الجمعة والسبت الأخيرين إنما يعود إلى نشر خاطئ ومضلل في أحدا المواقع العبرية، حيث ذكر أن المدينة تعيش أجواء ميلادية وأن شجرة ميلاد ضخمة أقيمت في منطقة عين العذراء، وهو ما دفع بالآلاف من السائحين اليهود من بلدات عدة لزيارة المدينة، والكثير منهم شعروا بالخيبة عندما وجدوا بأن ما نشر لم يكن دقيقا".

وذكر زاهي غريّب وهو صاحب محل تجاري في منطقة عين العذراء، لـ"عرب 48"، أن "الحركة السياحية بدأت العودة تدريجيا إلى الناصرة في الأسبوعين الأخيرين، وهي تعتمد بالأساس على السياحة الداخلية وليس على أهل البلد".

زاهي غريّب (عرب 48)

وتطرق إلى الأوضاع منذ بداية الحرب على غزة بالقول، إنه "كانت فترة صعبة للغاية شهدت حالة من الشلل التام مع توقف السياحة الداخلية والخارجية، وبالتالي طرأ تراجع حاد في عمل الفنادق وبيوت الضيافة والمطاعم، ما جعل نحو 90% من الحوانيت في سوق الناصرة والبلدة القديمة تغلق أبوابها. كان الوضع الاقتصادي أكثر مأساوية مما كان عليه في فترة وباء كورونا".

وردا على سؤال حول القرار بعدم إقامة الاحتفالات وإضاءة الشجرة، قال غريّب إن "شجرة الميلاد التي تعتبر الأكبر في منطقة الشرق الأوسط هي التي كانت تجلب السياحة من الداخل لالتقاط الصور بجانبها والتمتع بأجواء العيد، وكان الأمر يعود بالفائدة على الناصرة باعتبار أن الشجرة هي رمز العيد وكانت تستقطب السياحة من كل مكان، كما كان يتم حجز غرف الفنادق وبيوت الضيافة قبل شهور من موسم الأعياد، أما اليوم ومع عودة السياحة بشكل نسبي نرى أن غرف الفنادق وبيوت الضيافة لم تستوعب 50% من قدرة استيعابها".

وأوضح "نحن نشعر مع كل الذين يعانون من ويلات الحرب، ولكن لا أعتقد أن إلغاء المسيرة التقليدية بالعيد ستوقف الحرب، بل على العكس فإننا نرى الاحتفالات تعم أنحاء لبنان الذي هو ثاني البلدان المتأثرة من ويلات الحرب بعد غزة".

وذكر بلال زعبي وهو صاحب مقهى ومطعم "بساطة" بمنطقة عين العذراء، لـ"عرب 48"، أن "السائح يختار وجهته حيث الأجواء الجميلة، والقرار بعدم نصب شجرة الميلاد العملاقة في ساحة كنيسة البشارة أبعد السياحة عن الناصرة وجعلهم يبحثون عن وجهات أخرى".

بلال زعبي (عرب 48)

وأضاف "شهدت نهاية الأسبوع حركة سياحية نشطة، ولكنني أعلم جيدا بأن جزءا كبيرا ممن زاروا المدينة خرجوا منها بانطباع سيئ بعد أن اكتشفوا بأن لم يكن لهم ما يفعلونه، ومنهم من كان يرغب بالمبيت وألغوا الحجوزات".

وقارن زعبي بالأعوام الماضية قائلا، إن "مدخول المقهى الذي أديره تراجع بنسبة حوالي 60% عما كان عليه في أعوام مضت، وأنه من الصعب جدا إدارة مصلحة تعتمد فقط على العمل في نهايات الأسبوع ومواسم الأعياد، وخصوصا أن المحرك الأساسي للنشاط السياحي في المدينة هو السائح وليس ابن البلد".

وقال سامي جبالي وهو صاحب مقهى "ليوان" الثقافي، لـ"عرب 48"، إنه "بشكل عام هناك تحرك نحو عودة النشاط السياحي بالمدينة، ولكن أجواء الحرب لا تزال تلقي بظلالها الثقيلة على كافة المصالح بالمدينة، باستثناء بعض الأيام التي تشهد نشاطا سياحيا وخصوصا يومي الجمعة والسبت وفي المناسبات".

سامي جبالي (عرب 48)

وأشار إلى أنه "هنالك ما لا يقل عن 13 مصلحة أغلقت أبوابها بالبلدة القديمة خلال السنة الأخيرة، وهذا مؤشر على سوء الأوضاع الاقتصادية. نحن ومن تبقى من مصالح تجارية في السوق والبلدة القديمة نحاول تنظيم بعض الفعاليات والورشات الفنية والثقافية لاستقطاب الأهالي والأطفال، وذلك بالتعاون مع جمعية الناصرة للثقافة والسياحة التي تسعى إلى إحياء السوق والبلدة القديمة".

وتحدث جبالي عن قرار إلغاء الاحتفالات في المدينة، قائلا "بلا شك، كان من الطبيعي الإعلان عن إلغاء الاحتفالات واقتصارها على الطقوس والشعائر الدينية في الكنائس، أما عن احتفالات تعطي مظاهر الفرح، فأنا شخصيا ضد إقامة الاحتفالات في ظل هذه الظروف ومع ما يحدث في غزة حتى اليوم هنالك شعور غير مريح، والتضامن مع أهل غزة في التقليل من الاحتفالات والمصاريف والبذخ والترفيه هو أضعف الايمان".

وتابع أن "دائما أحاول أن أنقل الفكرة حول هوية ’ليوان’ فهو مقهى ثقافي فلسطيني يبيع منتوجات وتحف من غزة ومن الضفة، وأننا كفلسطينيين تجمعنا لغة واحدة وهوية واحدة وثقافة وتراثا مشتركا ولا يمكن للسياسة الإسرائيلية أن تفصل هذا عن ذاك".

وقال سلام ضاهر وهو مرشد سياحي ومدير مشاريع سياحية ويدير بيت الضيافة "ديوان ضاهر"، في حديث لـ"عرب 48"، إننا "نعيش حالة من صراع البقاء ونحاول السباحة فوق الماء حتى لا نغرق في أعماق الأوضاع الاقتصادية المتردية، فمنذ جائحة كورونا ولغاية اليوم لم تشهد البلدة القديمة انتعاشا إلا في أيام ومناسبات محدودة جدا، وحتى أن فترة الجائحة كانت أفضل مما هي عليه اليوم. فاليهود يخشون من دخول البلدات العربية، والسائح الأوروبي أصبحوا يبغضون دولة إسرائيل، وبكلتا الحالتين نحن الخاسرون".

سلام ضاهر (عرب 48)

ولفت إلى أنه "في هذا العام ومع بلوغ النشاط السياحي ذروته في الأسبوع الأخير، يستوعب بيت الضيافة 60% فقط من طاقته الاستيعابية بينما في سنوات خلت كان يعمل على إيجاد أماكن للسائحين في بيوت الضيافة المجاورة عندما تمتلئ الغرف فيه حتى آخرها".

ويعتقد ضاهر بأنه حتى لو توقفت الحرب على غزة فإنه سيستغرق الكثير من الوقت حتى تعود الحركة السياحية في المدينة إلى سابق عهدها؛ على حد قوله.