تزايدت التوقعات بين المحللين بأن عودة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض، قد تمنح إسرائيل هامشا أوسع للتصرف في منطقة الشرق الأوسط "كما يحلو لها"؛ ومع ذلك، يرى البعض من أن هذه التوقعات قد لا تتحقق، وأنه عندما يتم اختبارها قي تثبت نتائج مغايرة تمامًا.

تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"

ويرى الأستاذ المساعد وزميل جامعة "ووك فورست" الأميركية وزميل مركز "أولويات الدفاع" الأميركي للأبحاث، ويل وولدورف، أن التوقع لأن ترامب سيمنح إسرائيل مساحة أوسع للتحرك "وفقا لما تراه مناسبا لها"، "قد يثبت أنه خاطئ تمامًا"، بحسب ما جاء في تحليل نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأميركية.

ويقول وولدورف مؤلف كتاب "من أجل تشكيل عالمنا نحو الأفضل: إتقان السرديات وتغيير الأنظمة في السياسة الخارجية الأميركية من 1900 إلى 2011"، إنه من الواضح أن ترامب لا يستطيع تحمل أن يتحداه الحلفاء بالطريقة التي تحدت بها إسرائيل الرئيس الحالي جو بايدن في جهود وقف إطلاق النار وصفقة تبادل الأسرى.

علاوة على ذلك، يعتقد المحلل والخبير الأميركي أنه إذا أحرج العدوان الإسرائيلي المستمر على دول الجوار ترامب وعرقل خططه لتحقيق سلام في الشرق الأوسط، فقد يدفعه الإحباط إلى محاولة السيطرة على إسرائيل بصورة أكبر.

لكن السؤال الأهم هنا الذي يطرحه وولدورف هو كيف يستطيع ترامب عمل ذلك؟ وتكمن الإجابة في تغيير بنية التحالف الأميركي الإسرائيلي بجعله أكثر غموضا. فغموض التحالف الإستراتيجي سيفيد كلا من إسرائيل والولايات المتحدة.

وبحسب وولدورف فإن هذا الغموض "سيعزز قدرات إسرائيل في مواجهة أعدائها الإقليميين، ويخفف من حدة المغامرة الإسرائيلية، ويوفر الأساس لتوسيع اتفاقيات السلام بين إسرائيل والدول العربية ضمن ما يعرف بـ"الاتفاقات الإبراهيمية"، وهو ما يسعى ترامب إلى تحقيقه.

(Getty Images)

وقال الأكاديمي الأميركي "الحقيقة أن الظاهرة التي يطلق عليها علماء السياسة تسمية ‘الخطر الأخلاقي‘ تكمن في جوهر المشاكل التي من شبه المؤكد أن يواجهها ترامب (مثل بايدن) مع إسرائيل. ويظهر الخطر الأخلاقي عندما تتعهد قوة عظمى بأمن قوي لحليف تحريفي يميل إلى تغيير المعتقدات السائدة بشأن كيفية وقوع الأحداث".

وتابع "في الوقت نفسه فإن الحماية التي توفرها القوة العظمى تتيح للحليف الإفلات من عواقب أفعاله، مما يجعله أكثر استعدادا للمغامرة وأقل استجابة لمطالب القوة العظمى. وعلى الرغم من التزامها بإنقاذ الحليف عندما يتعرض للمتاعب، تجد القوة العظمى أن تكاليف المحافظة على أمن هذا الحليف المغامر ترتفع إلى مستويات غير مستدامة".

ويرى وولدورف أنه منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، جعل "الخطر الأخلاقي" واشنطن تحت رحمة إسرائيل شريكها الأصغر. وبفضل التزام واشنطن الأمني "الصارم" تجاه إسرائيل والإمدادات الضخمة من الأسلحة الأميركية، يتباهى القادة الإسرائيليون علنًا بالتلاعب بالولايات المتحدة.

وقال نتنياهو بثقة في تموز/ يوليو الماضي إن "الولايات المتحدة تدعمنا"، وكرر هذا التصريح في أكثر من مناسبة؛ واستنادًا إلى هذا التأكيد، تجاهلت إسرائيل واشنطن إلى حد كبير بينما كانت تندفع في عدوانها، مما أدى مرارًا وتكرارًا إلى تقويض أنواع الجهود الرامية إلى إحلال السلام الذي يريد ترامب رؤيته في الشرق الأوسط.

ووفقًا لأحد الخبراء، فإن إسرائيل تقول لواشنطن إن الحرب في غزة ستنتهي "بشروطنا وجدولنا الزمني. وليس بشروطكم". والواقع أن الأحداث تؤكد هذه الحقيقة. ففي أوائل تموز/ يوليو الماضي، ضغط بايدن على نتنياهو للتفاوض من أجل وقف إطلاق النار في غزة، لكن تل أبيب شددت شروطها التفاوضية، وشنت غارات جوية على لبنان وغزة، واغتالت رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية.

ونفس الأمر تكرر في أيلول/ سبتمبر وتشرين الأول/ أكتوبر الماضيين. ففي حين طرح بايدن اقتراح خاص لوقف إطلاق النار، رفضته إسرائيل وبدلا من ذلك وسعت نطاق الحرب من خلال عملية تفجير أجهزة البيجر التي استهدفت الآلاف من عناصر حزب الله في لبنان، ثم اغتالت الأمين العام للحزب، حسن نصر الله. وقال مسؤول أميركي إن تعاون إسرائيل مع واشنطن أشبه "بخلع الضرس".

والواقع أن المكاسب التي حققتها إسرائيل ضد حماس وحزب الله وإيران شجعتها على التصرف بطرق قد تؤدي إلى إفشال خطط ترامب لتهدئة الصراعات الإقليمية وخفض تكاليف الأمن الأميركية. والواقع أن انتخاب ترامب يبدو وكأن من شأنه زيادة خطورة "الخطر الأخلاقي" الذي تمثله إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة، وليس خفضه.

ويتوقع القادة الإسرائيليون أن "يدعم ترامب بلادهم دون قيد أو شرط"، وهو الاعتقاد الذي يعززه ميل المسؤولين الذين اختارهم ترامب لإدارته الجديدة إلى تأييد إسرائيل. وعلى الرغم من تصريح ترامب بأنه يريد وقف إطلاق النار في غزة قبل يوم التنصيب، عملت إسرائيل على "قتل" محادثات وقف إطلاق النار بعد انتخابه مباشرة.

(Getty Images)

ووفقا للمحلل الأميركي، يبدو أن إسرائيل لم تتغير إلى حد كبير في موقفها من المفاوضات الحالية. كما أن غزو إسرائيل لسورية بعد سقوط نظام بشار الأسد ينسف تصورات ترامب المعلنة لجعل السوريين يحددون مستقبلهم بمفردهم، دون تدخل خارجي.

وإذا ظل "الخطر الأخلاقي" يمثل مشكلة في المستقبل، بحسب وولدورف، "فيتعين على ترامب أن يفعل ما افتقده بايدن وهو الرؤية أو الشجاعة، وأن يضيف غموضا إستراتيجيا إلى التحالف مع إسرائيل". وسيبدأ هذا باستبدال الالتزام "الصارم" بتعهد صريح بأن "تحتفظ الولايات المتحدة بالحق"، كما حدث مع تايوان، في الدفاع عن إسرائيل حسب اختيار واشنطن على أساس كل حالة على حدة.

وكما حدث مع تايوان، يمكن لترامب أن يقلص إمدادات المعدات العسكرية الهجومية إلى إسرائيل ويرسل بدلا من ذلك إمدادات دفاعية فقط. ومن شأن التخفيض التدريجي للقوات الأميركية المرسلة لحماية إسرائيل أن يساعد في الإشارة إلى هذا الغموض أيضا.

ويقول وولدورف الذي يجهز حاليا كتابا بعنوان "حروب أميركا الأبدية: لماذا طالت بشدة ولماذا تنتهي الآن وما هو التالي لها"، إن البعض قد يرى في هذا التحول في طبيعة التحالف الأميركي الإسرائيلي نوعا من التخلي عن تل أبيب، لكنه ليس كذلك.

تابع "فالولايات المتحدة لم تتخلى أبدا عن تايوان مع تبنيها سياسة الغموض الإستراتيجي معها. ومازالت تايوان شريكا مهما في آسيا وتحميها القوة الأميركية من الهجمات الصينية على مدى أكثر من سبعة عقود".

وأضاف "الأمر نفسه يمكن أن يحدث مع إسرائيل والشرق الأوسط. وسوف يساعد الغموض في الحد من ‘الخطر الأخلاقي‘ من خلال جعل إسرائيل تتحمل، أو تعتقد أنها ستتحمل، المزيد من تكاليف أمنها، وبالتالي تستخدم الدبلوماسية في التعامل مع مشكلاتها أكثر من استخدامها للقوة كما تفعل حاليا، وهو ما سيصب في النهاية في مصلحة كل من إسرائيل وأميركا والشرق الأوسط".