اعتبر تقرير إسرائيلي أنه بعد سقوط نظام بشار الأسد "تزايد التهديد التركي" على استمرار الإدارة الذاتية لمناطق الأكراد في شمال شرق سورية، على خلفية علاقة هذه المنطقة مع حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا والولايات المتحدة بـ"الإرهابي"، وأن هذا الوضع يثير "معضلات" في إسرائيل.
وتتعلق المعضلة لإسرائيلية الأولى بمسألة استمرار وجود قوات أميركية، مؤلفة من حوالي 2000 جندي، وتدعم قوات سورية الديمقراطية (قسد) التي يسيطر الأكراد على قيادتها، حسبما ذكر التقرير الصادر عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب اليوم، الخميس.
وأشار التقرير إلى أن لإسرائيل مصلحة ببقاء القوات الأميركية في سورية، وبينها "قطع الجسر البري" بين إيران ولبنان، واعتبر أنه توجد مصلحة أميركية أيضا بمواجهة تنظيم "داعش"، والتزاما تجاه "قسد"، وتأييد الكونغرس للحفاظ على الإدارة الذاتية للأكراد.
ومن الجهة الأخرى، كان الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، في ولايته السابقة يقترب من سحب القوات الأميركية من سورية، لكن ضغوطا، بينها ضغوط من جانب البنتاغون، منعت هذا الانسحاب. كما أن الإدارة الأميركية الحالية تمارس ضغوطا على حزب الاتحاد الديمقراطي من أجل أن يبدي ليونة تجاه تركيا والتنازل عن جزء من الإدارة الذاتية وعن السيطرة على مناطق تقع غرب نهر الفرات.
واعتبر التقرير أن المسألة التي تتعالى في هذا السياق هي ماذا ستفعل إسرائيل إذا قررت الولايات المتحدة سحب قواتها من سورية. وفي حال أرادت إسرائيل مساعدة حزب الاتحاد الديمقراطي، فإنها "لا تستطيع الاكتفاء بمساعدة إنسانية محدودة، كالتي زودتها لمجموعات المتمردين التي دعمتها خلال الحرب الأهلية في سورية، ويرجح أنها لن تواصل هذا الدعم بحال انسحاب الأميركيين".
وتتعلق المعضلة الإسرائيلية الثانية بعلاقات إسرائيل وتركيا على إثر الأحداث في سورية. "ورغم أنه تسود أزمة في هذه العلاقات"، بسبب الحرب على غزة، فإن "التطورات في سورية تتطلب انتباها متزايدا من جانب إسرائيل تجاه تركيا، خاصة وأنه لم يكن هناك تصادم مصالح بين تركيا وإسرائيل خلال الحرب الأهلية، إلا أن الاتساع الكبير في التأثير التركي على ما يحدث في سورية كلها الآن يغير صورة الوضع".
واعتبر التقرير أن لإسرائيل "مصلحة محدودة" بما يحدث في شمال شرق سورية قياسا بمصلحتها الكبرى "بالدفاع عن حدودها ومنع تسلل جهات معادية ومنع وضع استئناف شحنات الأسلحة من إيران عبر سورية إلى حزب الله، وحجم المساعدة التي على ما يبدو ستحتاجها قسد في المستقبل القريب ستكون كبيرة، ودعم إسرائيلي في حال تزويده، سيعتبر في تركيا أنه خرق للقواعد، وعلى إسرائيل أن تعي معاني ذلك".
وحذر التقرير من أن "تحدي إسرائيل لمصالح تركيا في شمال سورية سيزيد احتمالات نشر قوات الجيش التركي في جنوب سورية (أي بالقرب من المنطقة العازلة التي احتلتها إسرائيل غداة سقوط نظام الأسد)، بذريعة الدفاع عن السيادة السورية، وذلك إضافة إلى المساعدة في تدريب الجيش السوري بعد إعادة تنظيمه، والذي على الأرجح أن يسلح من جانب الصناعات العسكرية التركية".
وتتعلق المعضلة الإسرائيلية الثالثة "بالانقسامات الداخلية بين الأكراد الذي يشكلون مجموعة أقليات في تركيا والعراق وإيران وسورية، ودلالات ذلك حيال الأداء الإسرائيلي". وأشار التقرير إلى أن إسرائيل أيدت تقليديا الحزب الديمقراطي الكردي في شمال العراق، الذي لديه علاقات متوترة مع حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي.
وأضاف التقرير أن تركيا تمارس ضغوطا على الحزب الديمقراطي الكردي كي لا يدعم حزب الاتحاد الديمقراطي، وأن من شأن الضغوط الأميركية على الأخير من أجل إظهار ليونة تجاه تركيا أن تعززه.
وتابع التقرير أن من شأن دعم إسرائيلي لحزب الاتحاد الديمقراطي أن يؤدي إلى زيادة ضغوط تركيا على الحزب الكردي الديمقراطي، ويتعين على إسرائيل أن تلتفت إلى ذلك على إثر مصالحها بالحفاظ على هذه العلاقات الهامة في ظل التأثير المركزي للحزب الكردي الديمقراطي في شمال العراق.
ولفت التقرير إلى أنه في أعقاب استفتاء شعبي أجري في شمال العراق، في العام 2017، الذي أظهر تأييدا واسعا جدا لاستقلال هذه المنطقة، وأدى إلى فرض الدول المجاورة حصارا على شمال العراق ودخول قوات عراقية إلى أجزاء من شمال العراق، بينما "لم يكن بمقدور إسرائيل، وعلى ما يبدو أنها لم تحاول، وقف هذا التطور".
وأشار التقرير إلى تصريحات مسؤولين إسرائيليين، وخاصة وزير الخارجية غدعون ساعر، لصالح الأكراد في سورية، بهدف الضغط على الولايات المتحدة كي لا تنسحب من شمال شرق سورية. "وإذا قررت الانسحاب، يبدو أن التصريحات الإسرائيلية ستبقى فارغة من مضمونها ولذلك ينبغي ترجيح الرأي حيال استمرار إطلاق هذه التصريحات. وإذا كانت إسرائيل معنية بمصلحة الأكراد، بإمكانها أن تبدي تأييدا للعملية الدبلوماسية بين الغرب وتركيا وحزب الاتحاد الديمقراطي، الذي سيجري في إطاره حوارا حول حجم الإدارة الذاتية الكردية في سورية في عهد ما بعد الأسد".