لم يتمكن زوج الأسيرة آية خطيب (34 عاما)، علي عقل، وطفلاهما محمد الفاتح (13 عاما) وعبد الرحمن (10 أعوام) من قرية عرعرة المثلث من زيارتها، منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وذلك بعد أن دخلت، صباح يوم 18 أيلول/ سبتمبر 2023، السجن لقضاء محكوميتها البالغة 4 أعوام.
والتقت أسرة الأسيرة بها فقط عن بُعد عبر تطبيق (زوم) في قاعة المحكمة، حين كانت تحضر جلسات المحاكم بسبب منع السلطات الإسرائيلية إحضارها إلى قاعة المحكمة، بالإضافة لمنع عائلات الأسرى من زيارتهم منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
يفتقد الطفلان ووالدهما الأم والزوجة التي تُحرم من عائلتها منذ ما يزيد عن عام، ويخطط ابنا الأسيرة لليوم الذي ستتحرر به والدتهما، إذ يريد عبد الرحمن استقبال والدته باحتفال وتوزيع الحلوى والكعك، وينتظر اليوم الذي يعود ليتناول الطعام الذي تعده والدته، أما شقيقه محمد الفاتح فيرغب استقبال والدته والتنزه والتجول معها، والاستماع لقصص الأنبياء والقرآن، قبل النوم.
كانت المحكمة المركزية في مدينة حيفا قد فرضت، يوم 15 آب/ أغسطس 2023، السجن الفعلي لمدة 4 أعوام على الأسيرة آية خطيب، والتي أدانتها بـ"تجنيد الأموال لدعم الإرهاب وتمريرها إلى حركة حماس"، وقضت الأسيرة خطيب منذ اعتقالها فجر يوم 17 شباط/ فبراير 2020 من منزلها، سنة وشهرين في السجن، ثم جرى تحويلها إلى الحبس المنزلي في قرية بسمة طبعون ونقلت بعدها إلى الحبس في قرية زلفة، ومن ثم تم تحويلها إلى الحبس في منزلها بعرعرة، قبل صدور قرار المحكمة بسجنها فعليا لأربعة أعوام.
وفي إطار الملاحقة، قدمت وزارة الصحة الإسرائيلية طلبا للمحكمة، في شهر أيار/ مايو الماضي، لسحب رخصة مزاولة المهنة من الأسيرة خطيب، والتي كانت تعمل في مجال معالجة النطق والسمع عند الأطفال، وطعنت مؤسسة "ميزان" لحقوق الإنسان بمحاولات سحب رخصة مزاولة المهنة للأسيرة خطيب، مؤكدة أن القضية تجمع بين الأبعاد القانونية والمعاناة الإنسانية.
لم يتمالك الطفل عبد الرحمن نفسه عندما شاهد والدته عبر تطبيق زوم في قاعة المحكمة، أجهش بالبكاء، لكنه اعتبر ذلك اللقاء الأجمل، إذ قال لـ"عرب 48" إنه "بكيت من شدة الفرحة لأنني شاهدت والدتي في جلسة المحكمة الأخيرة، وذلك على الرغم من أنني شاهدتها عن بُعد عبر تطبيق زوم، لكنه كان أجمل لقاء، وهذا اللقاء لا يمكن وصفه، خاصة أنني شاهدت والدتي بعد انقطاع طويل عن رؤيتها".
لا يخفي عبد الرحمن مشاعره، ومدى اشتياقه لوالدته والتفاصيل الصغيرة والكبيرة، وقال إنه "أشتاق للكثير من الأمور التي كانت والدتي تقوم بها، إذ أن مذاق الطعام الذي كانت تعده كان خاصا لا مثيل له، والحديث مع والدتي كان مميزا بالنسبة لي، وأيضًا القصص التي كانت ترويها لي كانت ذات رونق خاص".
يتوق عبد الرحمن لوالدته التي كانت تدرسه وتروي له القصص ما قبل النوم، وتسمعه آيات من القرآن، "والدتي كانت كل ليلة تقرأ لنا آيات من القرآن قبل النوم، وأيضا قصص الأنبياء التي كانت تقرأها لنا بطريقة مميزة. أشتاق لمثل هذه الجلسات المميزة التي كنت أعيشها مع والدتي، واللعب معها، ومساعدتي في مراجعة دروسي".
يشعر نجلا الأسيرة بالنقص على الرغم أن والدهما علي عقل يقدم كل ما بوسعه من أجل ملء الفراغ الذي يشعره به عبد الرحمن ومحمد الفاتح في ظل غياب والدتهما، إذ قال عبد الرحمن إن "والدي يقدم بكل شيء من أجلنا أنا وشقيقي محمد، لكن نحن أيضا بحاجة والدتنا التي لا يمكن ملء مكانها. ننتظر خروج والدتي من السجن لنحقق كل أحلامنا معا. أحب أن توصلنا إلى المدرسة ونتنزه سوية، أريد التحدث معها. كل هذه الأمور وغيرها الكثير لا يمكن أن تتحقق دون خروج والدتي من السجن، ونحن ننتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر".
محمد الفاتح، على الرغم من أنه لم يتجاوز 13 عاما، إلا أنه بمثابة شقيق ناضج يحتوي شقيقه عبد الرحمن، يتعامل هو ووالده مع بعضهما البعض كصديقين، في ظل حرمانهم من الوالدة والزوجة منذ أكثر من 13 شهرا.
قال محمد الفاتح لـ"عرب 48" إنه "شاهدنا والدتي في جلسة المحكمة الأخيرة. صحيح أنه لم نسمع صوتها بسبب تقني في تطبيق زوم، لكننا تحدثنا معها عبر الإشارات. كانت تلك الدقائق القليلة كفيلة أن تمنحنا طاقة وقوة وسعادة".
قبل دخولها السجن، قضت الأسيرة خطيب مدة طويلة في الحبس المنزلي، في بسمة طبعون وزلفة، ثم في منزلها بعرعرة، حيث استذكر ابنها محمد الفاتح تلك الفترة، وقال إن "تلك الفترة كانت من أجمل الفترات التي قضيناها مع والدتي، كنا نلهو سويةً وندرس ونلعب كرة السلة وكنا نخرج أحيانا من المنزل في الفترة التي كان يسمح لوالدتي بالخروج، كانت فترة مميزة مليئة بالفعاليات واللحظات الجميلة، وكانت والدتي طوال الوقت معنا، وهذا بحد ذاته كان الأجمل".
خلال تنفيذ صفقة تبادل الأسرى بين الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة وإسرائيل في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، كان يسمع نجلا الأسيرة خطيب من الأهالي والجيران وزملائهم في المدرسة أنه من الممكن أن تخرج والدتهم من السجن. لم يرفع الطفلان سقف توقعاتهما في تلك الفترة، إذ قال محمد الفاتح إنه "حقيقةً عندما سمعنا عن صفقة تبادل الأسرى سعدنا في بداية الأمر، لكننا في ذات الوقت لم نكن متأكدين بشكل كامل بأن والدتي ستخرج مع الأسرى الذين تم إطلاق سراحهم. والدي جلس معنا وتحدثنا عن الصفقة في حينه، وقال إنه من غير المؤكد أن تخرج والدتي من السجن ضمن الصفقة، لكنه قال إن كل شيء من الممكن أن يحصل في الحياة ولهذا ممكن أن تخرج والدتي أو تبقى داخل الأسر، وفي نهاية المطاف لم يتم إخراجها من السجن".
على الرغم من أنه تبقى للأسيرة خطيب 17 شهرا في السجن، يترقب ابنها محمد الفاتح يوم نيلها الحرية، "عندما تخرج والدتي سنزيّن البيت بشكل يليق بها، وسنحضر أمورا أخرى، سأقوم بشراء كعكة لوالدتي، ونخطط لزيارة عدة أماكن. حقيقةً نشتاق لوالدتي كثيرًا، وننتظر بفارغ الصبر اللحظة التي ستخرج بها من السجن مهما طال الزمن".
وقال علي عقل، زوج الأسيرة خطيب، لـ"عرب 48" إن "زوجتي آية اعتُقلت في 17 شباط/ فبراير 2020، استمر الاعتقال لمدة سنة وشهرين، ومن ثم تم تحويلها إلى الحبس المنزلي لمدة سنتين و3 أشهر، وهذه المدة قضتها في الحبس المنزلي في بسمة طبعون وقرية زلفة وعرعرة".
وتطرق إلى تربية طفليهما ورعايتهما في ظل غياب والدتهما، "حقيقة ليس سهلا أبدا أن تربي طفلين في هذه الظروف الصعبة، حيث ينبغي أن تكون الأم والأب، ومن غير الممكن أن يسد الأب مكان الأم. هناك مشاعر يملكها الأب لا تملكها الأم والأمر عكسي أيضا، ولكن أعمل على سد هذه الثغرات، وأعامل طفلينا كشريكين وصديقين".
وأكد عقل أنه "أستطيع القول إنني أنجزت الكثير مع طفلينا وعملت على تطويرهما إلى أبعد الحدود، ولكنهم تضررا نوعًا في بعض الجوانب، على الرغم من أنني أبذل قصارى جهدي حتى يكونا بأفضل حال، في ظل الظروف الصعبة التي نمر بها بغياب والدتهما".
لم تكتف السلطات الإسرائيلية بسجن خطيب، بسبب عملها في المجال الإنساني والتطوعي ومساعدة المحتاجين، إذ قدمت وزارة الصحة الإسرائيلية طلبا لسحب رخصة مزاولة المهنة منها، وعن هذا قال الزوج عقل إن "وزارة الصحة قدمت طلبا لسحب رخصة مزاولة المهنة من آية، إذ قدموا الطلب في أيار/ مايو 2024، وعقدت جلسة في المحكمة، ووزارة الصحة تطالب بسحب الرخصة مدى الحياة، والمداولات مستمرة في المحكمة، اليوم، من أجل تحديد مدة سحب مزاولة المهنة، وتدافع مؤسسة ميزان لحقوق الإنسان عن زوجتي في هذا الملف، ولم تصدر المحكمة حتى اللحظة قرارا نهائيا في هذا الأمر".
قبل دخولها إلى السجن، أجرت الأسيرة خطيب عملية جراحية، وأوضح الزوج عقل أن "زوجتي آية، قبل أن تدخل السجن، أجرت عملية جراحية في قدميها وهي بحاجة لعلاج مستمر، ومنذ دخولها السجن لم نعرف عن حالتها الصحية شيئا، إذ أنه بعد ضغوط متواصلة تمكن طاقم من جمعية 'أطباء بلا حدود' من زيارتها واطلع على حالتها الصحية، حيث أنه تم تحويلها إلى مستشفى 'رمبام' مرتين لإجراء بعض الفحوصات والاستمرار في علاجها، والحمد الله كانت حالتها الصحية جيدة".
عن ظروف الأسيرات في سجن الدامون، قال عقل إنه "حسب ما وردنا من طاقم الدفاع، ظروف الأسيرات صعب وتحديدا خلال هذه الفترة، حيث نمنع من الزيارة منذ اندلاع الحرب، والظروف التي تعيشها الأسيرات صعبة، ولكن الحمد الله معنويات آية عالية".