لقي ما يقرب من 50 ألف شخص في كندا حتفهم، بسبب تعاطي جرعة زائدة من مادّة "الفنتانيل" Fentanyl الأفيونيّة في الفترة من 2016 إلى 2024، حسب الوكالة الوطنيّة للصحّة.
وقد لفت الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الانتباه إلى العقار المخدّر بشكل كبير بعد أن اتّخذه ذريعة لفرض تعريفات جمركيّة مرتفعة على الواردات الكنديّة والمكسيكيّة والصينيّة. واتّهم ترامب السلطات الكنديّة بعدم بذل ما يكفي من الجهد لوقف تدفّق الفنتانيل إلى الولايات المتّحدة، وقال إنّ التعرفة الجمركيّة الّتي وعد بها بنسبة 25% ستظلّ سارية حتّى تعالج السلطات الكنديّة المشكلة.
من جهتها، أعلنت وزارة الصحّة الكنديّة يوم الاثنين عن إجماليّ 49105 "وفاة؛ بسبب التسمّم الأفيونيّ" من بداية عام 2016 إلى يونيو من هذا العام. وقالت الوكالة إنّ الفنتانيل كان سببًا في 79% من وفيات الموادّ الأفيونيّة حتّى الآن هذا العام، وهو رقم قد ارتفع بنسبة 39% منذ عام 2016.
وفي الوقت الّذي أقرّت فيه السلطات الكنديّة بارتفاع كبير في إنتاج الفنتانيل المحلّيّ، قالت وزارة الخارجيّة الكنديّة أنّ الفنتانيل المصنوع في كندا يتمّ مصادرته حاليًّا في الولايات المتّحدة وأستراليا وأماكن أخرى وذلك يشير إلى أنّ الإنتاج المحلّيّ في كندا يتجاوز الطلب؛ وبذلك أصبحت كندا مصدّرة للفنتانيل. لكنّ الخبراء لا يعتقدون أنّ الفنتانيل المصنوع في كندا هو الوحيد في السوق الأميركيّة.
وتشير الأرقام الصادرة من وزارة الصحّة الكنديّة إلى معدّلات مرتفعة من الوفيات جرّاء تعاطي العقار. إذ قالت الوزارة إنّه حتّى الآن توفّي ما معدّله 21 شخصًا كلّ يوم بسبب جرعة زائدة من الموادّ الأفيونيّة في العام الحاليّ، 72% منهم من الذكور. مضيفة أنّ هذه الأرقام تمثّل "تحسّنًا" مقارنة بالفترة نفسها في عام 2023، لكنّها أشارت إلى أنّ الأرقام أوّليّة وعرضة للتغيير. وقالت في بيان "يجب أن نظلّ حذرين في استخلاص النتائج لعام 2024". مضيفة أنّ "مدى الأضرار المرتبطة بالموادّ الأفيونيّة والمنشّطات مرتفع للغاية".
ترامب يهدّد
وصرح الرئيس الأميركيّ المنتخب دونالد ترامب إنّه سيطلق حملة إعلانيّة جديدة لمكافحة المخدّرات لإظهار التأثير الجسديّ لتناول عقاقير مثل الفنتانيل، وكرّر تهديده بتصنيف عصابات المخدّرات المكسيكيّة كمنظّمات "إرهابيّة". وقال ترامب في مؤتمر لمجموعة Turning Point المحافظة في فينيكس بولاية أريزونا مخاطبًا المدمنين على العقار "سنتحدّث عن مدى سوء المخدّرات بالنسبة لك. إنّها تدمّر مظهرك، وتدمّر وجهك وتدمّر بشرتك وتدمّر أسنانك".
ولم يذكر ترامب سوى القليل من التفاصيل الملموسة حول الحملة الإعلانيّة، الّتي يبدو أنّه لم يذكرها من قبل، والّتي شبّهها بإدارة حملة سياسيّة. وقال إنّ إدارته ستنفق "الكثير من المال" على البرنامج، لكنّ ذلك سيكون "مبلغًا صغيرًا جدًّا من المال، نسبيًّا". وتشبه خطّة ترامب حملة "فقط قل لا" لمكافحة المخدّرات، الّتي قادتها نانسي ريغان، زوجة الرئيس السابق رونالد ريغان والسيّدة الأولى السابقة في الثمانينيّات لتشجيع الشباب الأميركيّين على رفض المخدّرات.
وكانت أزمة الفنتانيل بارزة بشكل كبير في حملة ترامب الرئاسيّة لعام 2024، على الرغم من أنّ الوفيات بسبب الموادّ الأفيونيّة الصناعيّة تضاعفت بأكثر من الضعف في إدارته من 2017 إلى 2021.
الصين لم تسلم من تهديدات ترامب بشأن العقار المخدّر. إذ صرّح الرئيس المنتخب في منشورات له على موقعه الاجتماعيّ "تروث سوشيال" Truth Social، بوعود بفرض رسوم جمركيّة إضافيّة بنسبة 10% على البضائع القادمة من الصين، ورسوم جمركيّة بنسبة 25% على البضائع القادمة من المكسيك وكندا. وزعم ترامب أنّ هذه الدول لم تتّخذ إجراءات قويّة بما يكفي لمنع دخول المخدّرات غير المشروعة، وخاصّة الفنتانيل، إلى الولايات المتّحدة. وقال إنّ محادثاته العديدة مع الصين بشأن وقف تدفّق المخدّرات "كانت بلا جدوى".
المعضلة الصينيّة
تقول السلطات الأميركيّة إنّ الصين هي المصدر الرئيسيّ للموادّ الكيميائيّة الأوّليّة الّتي تستخدمها عصابات المخدّرات المكسيكيّة لإنتاج الفنتانيل. من جهتها، كانت إدارة بايدن تتفاوض مع بكين على مدى العام الماضي للقضاء على تجارة المخدّرات. وقد أسفرت الدبلوماسيّة بالفعل عن نتائج واعدة، ولكنّها متواضعة حتّى الآن، على الأقلّ بالنسبة لإدارة ترامب. ولكنّ تلك المحاولات قد أحبطت بسبب بعض المسؤولين الأمنيّين الأميركيّين الّذين يقولون إنّ الولايات المتّحدة يجب أن تزيد من الضغوط لحمل بكين على التحرّك بشكل أكبر.
وردّت بكّين على لسان السفارة الصينيّة في واشنطن، واستشهد متحدّث باسم السفارة الصينيّة في واشنطن بالعديد من الخطوات الّتي اتّخذتها الصين لمنع الإنتاج غير المشروع والاتّجار وإساءة استخدام الفنتانيل منذ استئناف المحادثات مع إدارة بايدن. وحذّرت السفارة من أنّ الصين ستردّ إذا اتّخذت الولايات المتّحدة موقفًا أكثر عدوانيّة.
وقالت السفارة في بيان "إنّ العقوبات والتشهير والافتراء ضدّ الصين لن يؤدّي إلّا إلى تقويض أساس التعاون الصينيّ الأميركيّ في مكافحة المخدّرات". وأضافت "تعارض الصين بشدّة الاستخدام التعسّفيّ للولايات المتّحدة للعقوبات الأحاديّة الجانب، وستحافظ بشكل حازم على حقوقها ومصالحها المشروعة".
وأشار تحقيق خاصّ لوكالة الأنباء رويترز في سلسلة توريد الفنتانيل العالميّة إلى مدى سهولة شراء الموادّ الأوّليّة عبر الإنترنت من البائعين الصينيّين، الّذين يشحنونها جوًّا إلى الولايات المتّحدة والمكسيك متخفّية في هيئة أدوات وبضائع أخرى منخفضة التكلفة. تمرّ هذه الصناديق عادة دون رسوم جمركيّة وسط بحر من الواردات الصينيّة الأخرى، ويوجّهها المهرّبون إلى مختبرات صناعة المخدّرات.
وهناك إجماع متزايد في الدوائر الجمهوريّة القريبة من ترامب على أنّ بكين استغلّت، بل وهندست، أزمة الموادّ الأفيونيّة الاصطناعيّة لإلحاق الأذى بالأميركيّين. مشيرة إلى تقرير مشترك بين الحزبين، الجمهوريّ والديمقراطيّ، صدر في أبريل/نيسان عن لجنة في مجلس النوّاب يصف الصين بأنّها "المصدر الجغرافيّ الأوّل" لأزمة الفنتانيل. ويزعم التقرير أنّ بكّين تقدّم خصومات ضريبيّة للشركات الصينيّة الّتي تصدر موادّ الفنتانيل الكيميائيّة، وأنّها تسمح للمجموعات المرتبطة بالاتّجار بالمخدّرات بالعمل طالما تركّز جهودها في الخارج.
ورفضت بكّين مرارًا وتكرارًا الادّعاءات الواردة في ذلك التقرير. وقالت السفارة الصينيّة في بيان "إنّ فكرة استخدام الصين للفنتانيل كوسيلة لإضعاف الولايات المتّحدة استراتيجيًّا تتعارض تمامًا مع الحقائق والواقع".