عاشت عائلة البطران وسط غزة لحظات ثقيلة محمّلة بالحزن والقهر، على أمل أن ينجو رضيعها علي من مصير توأمه جمعة، الذي توفي الأحد، متجمدا بفعل موجة صقيع شديدة، ضربت القطاع الذي يشهد تدهورا في الأوضاع الإنسانية، جراء استمرار الحرب الإسرائيلية منذ قرابة 15 شهرا.

تابعوا تطبيق "عرب ٤٨"... سرعة الخبر | دقة المعلومات | عمق التحليلات

ووقعت الصدمة شديدة على قلوب أفراد العائلة بعدما أُبلغوا، اليوم الإثنين، بوفاة علي الذي صارع خلال الساعات الماضية الحياة في قسم الحضانة بمستشفى "شهداء الأقصى" بمدينة دير البلح، وفق ما أفاد به شهود عيان.

التوأم علي وجمعة (عمرهما شهر ونصف)، جاءا إلى الحياة بولادة مُبكرة في شهرهما الثامن، حيث عانت والدتهما مخاطر هذه الولادة، كغيرها من آلاف الحوامل اللواتي مررن بالتجربة ذاتها، بسبب الخوف والرعب من الجرائم الإسرائيلية.

وعقب ولادتهما، لم يمكث التوأم في قسم الحضانة حيث يجب أن يكونا في الوضع الطبيعي، وذلك بسبب الظروف التي تسببت بها الإبادة من تدمير للمستشفيات، ومرافق العناية بحديثي الولادة، فضلا عن نقص المستلزمات الطبية.

وفي 5 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، قالت المديرة الإقليمية لـ"يونيسف" في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أديل خُضُر، إن ما لا يقل عن 4 آلاف رضيع قد انقطعوا عن رعاية الأطفال حديثي الولادة المنقذة للحياة في العام الماضي، بسبب الهجمات المستمرة على المستشفيات التي تحاول بجدّ إبقاءهم على قيد الحياة.

وأشارت إلى أن قطاع غزة وقبل بدء الحرب في 2023، كان يضم نحو 8 وحدات للعناية المركزة لحديثي الولادة بإجمالي 178 حاضنة، لافتة إلى أن هذا العدد لم يكن كافيا أصلا لتلبية الطلب المرتفع على رعاية الأطفال الخدّج.

وذكرت أن الحرب تسببت بتدمير 3 من وحدات العناية المركزة لحديثي الولادة كلها في الشمال، حيث انخفض عدد الحاضنات بنسبة 70 بالمئة إلى حوالي 54 واحدة في جميع أنحاء القطاع.

وأوضحت، نقلا عن أطباء بغزة، أن نسبة الأطفال الذين يولدون قبل أوانهم، أو يعانون من سوء التغذية، أو مشاكل في النمو، ومضاعفات صحية أخرى، قد ارتفعت مع تأثير الحرب على نموّ أجنتهم وولادتهم ورعايتهم.

جسد متخشّب

بعدما دفنت رضيعها الأحد، عادت أم جمعة إلى خيمتها المهترئة في دير البلح، وسط غزة مكلومة وهادئة، لكنها تخفي خلف ذلك الكثير من الحزن والقهر.

بدأت البطران بترتيب ملابس جمعة القليلة وبطانيته الصغيرة، قبل أن تحتضنهم وتبكي بصمت.

هذه الملابس كان من المفترض أن تكون من نصيب توأم جمعة، علي الذي كان يرقد في قسم العناية المركزة لحديثي الولادة، قبل أن يتوفى، الإثنين.

عائلة البطران التي فرت من محافظة شمال قطاع غزة هربا من الموت قصفا إلى وسط القطاع، اصطدموا بشكل آخر للموت سرق منهم طفليهما.

الرضيع علي لم ينجُ من مصير توأمه جمعة

تقول والدة الطفل جمعة، إنها استيقظت فجر الأحد لتجد جسد طفلها متخشبا بسبب البرد، بينما تحوّل للون الأزرق.

وذكرت أن حرارة أطراف جسده كانت "مثل الثلج"، رغم أنها لفته ببطانية أخذتها من أحد جيرانها، لكنها لم تنجح في منع وصول الصقيع لجسده.

خيمة مهترئة

من جانبه، يقول والده محمد، إنه هرع بجمعة فجر الأحد إلى المستشفى من أجل إنقاذه، ليصدم هناك بنبأ وفاته بسبب البرد.

وأوضح الأحد، أن توأمه علي كان يرقد في الحضانة، بعدما تأثر هو الآخر بالبرد الشديد، بسبب نقص الملابس والأغطية، وانعدام توفر وسائل التدفئة.

وأشار إلى أن خيمته لا تقي من برد الشتاء ولا من الأمطار، لافتا إلى أنه أغلق مؤخرا بعض التمزقات التي أصابت الخيمة باستخدام كفَنْ.

ولفت إلى أنه حصل السبت الماضي بعد سعي حثيث على جهاز كهربائي يستخدم لتدفئة الأطفال الرضّع، حيث استخدمه بالتناوب بين التوأم جمعة وعلي.

وقال "حينما نشحن الجهاز يعمل لمدة 3 ساعات فقط، قسمتها ساعة ونصف لعلي، وساعة ونصف لجمعة".

وبسبب انعدام توفر الكهرباء منذ بدء الحرب الإسرائيلية في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، اضطر البطران للتوجه إلى مستشفى "شهداء الأقصى" من أجل شحنه بالكهرباء واستعماله لاحقا، كما قال.

أوضاع مأساوية

البطران، الذي بات يعيل 5 أفراد اليوم بعد فقدانه توأمه، يعاني من ظروف معيشية قاسية للغاية وسط حالة الفقر، وانعدام فرص العمل.

وهو يشير إلى أقدام 3 من أنبائه الحفاة، يقول، إنه لم يستطع على توفير أحذية لهم تقيهم من برودة الأرض، بسبب ارتفاع أسعارها، وعدم وجود مصدر للدخل.

وأوضح أن أطفاله يعانون من سوء تغذية بسبب قلة الطعام المتوفر لديهم، حيث يعجز عن توفيره أيضا.

وذكر أن أحد أطفاله يذهب بشكل يومي لجمع قطع النايلون والكرتون والبلاستيك من النفايات من أجل استخدامها لإشعال النيران.

وقال وهو يحاول تسخين بعض المياه، إنه يستخدم أحيانا الأحذية التالفة في إشعال النيران من أجل إعداد الحليب لأطفاله.

ويضيف بغضب أن دخان هذه المواد يصل إلى المياه، ما يتسبب للأطفال بأمراض.

كما ذكر أن القوارض باتت تبني أعشاشا لها تحت البساط الأرضي البلاستيكي والخفيف، الذي يعرف باسم الحصير، والذي يضعه على أرضية الخيمة الرملية، معربا عن تخوفه على أطفاله منها.

ويعيش النازحون داخل خيام مصنوعة من القماش والنايلون، ظروفا إنسانية قاسية جراء شح مستلزمات الحياة الأساسية من المياه والطعام، فضلا عن نقص حاد في الملابس والأغطية، ووسائل التدفئة، خلال فصل الشتاء.

ولجأ هؤلاء إلى الخيام بعدما دمرت إسرائيل منازلهم وأجبرتهم على ترك مناطق سكنهم والتوجه إلى المناطق التي تقع جنوب محور "نتساريم" جنوبي القطاع، الذي أنشأه جيش الاحتلال مع بداية عمليته البرية على القطاع.

وخلّفت الحرب الإسرائيلية على غزة، أكثر من 153 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين.

اقرأ/ي أيضًا | بونابرت إسرائيل