يستدل من التقارير الرسمية لمؤسسة التأمين الوطني في إسرائيل أن نحو مليوني مواطن دون خط الفقر، بينهم 872 ألف طفل، وأن البلدات العربية في رأس سلم الفقر، كما أن مراكز الفقر في الشمال، والجنوب، والقدس، وهي مناطق يسكنها الفلسطينيون في إسرائيل.
وتعكس هذه المعطيات واقعا اقتصاديا واجتماعيا صعبا، يتداخل فيه الفقر مع نمط سلوك اجتماعي اقتصادي مقلق يعتمد على الاقتراض بالفائدة الباهظة من السوق السوداء، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى الانحدار إلى دائرة العنف والجريمة.
ويرى خبراء الاقتصاد والمجتمع أن الفقر ليس مجرد مشكلة اقتصادية، بل هو عامل أساسي يسهم في تأجيج التوترات الاجتماعية وارتفاع معدلات الجريمة، خاصة في المناطق التي تعاني من نقص في الموارد وفرص العمل.
وأظهر تقرير لمركز أمان الذي يتابع قضايا العنف والجريمة في المجتمع العربي أن 25% من الجرائم التي وقعت خلال العام 2024 تعود للدافع الاجتماعي الأسري - الاقتصادي.
وعن ضرورة معالجة القضايا الاقتصادية وتعزيز موارد المناطق التي تعاني الفقر، ومعالجة الفجوات الاجتماعية والاقتصادية كخطوة أساسية للحد من دوامة العنف التي تهدد استقرار المجتمع بأسره، قال رئيس منتدى رؤساء أقسام الخدمات الاجتماعية العربية، ومدير قسم الخدمات الاجتماعية في بلدية سخنين، فتحي أبو يونس، لـ"عرب 48" إنه "خلال الأسبوع الماضي صدر تقريران عن الفقر في العام 2023، وهما تقرير جمعية 'لتيت' وتقرير مؤسسة التأمين الوطني، وفي الحقيقة إن التقريرين، على الرغم من أن معطياتهما صادمة ومقلقة للغاية، لم أستغرب أبدا، فنحن بعد عامين من الخروج من جائحة كورونا التي جلبت كوارث اقتصادية واجتماعية، إضافة إلى الحرب القائمة منذ عام ونصف، وهي في مناطق تواجد المواطنين العرب".
وأوضح أن "التقارير تتحدث عن العام 2023، ونحن بصدد معطيات ستكون أصعب بسبب الحرب التي تركزت في أماكن سكن العرب على الرغم المعطيات الصادمة أيضا حتى قبل الحرب، وكما هو معروف فإن قطاعي الزراعة والبناء يضمان أيد عاملة عربية كثيرة، وقد تضررا كثيرا، عدا عن التمييز ورفض تشغيل العرب منذ اندلاع الحرب، وبهذا يعمق الفقر أكثر بكثير خلال العام 2024، فالمؤشرات تدل على ان أكثر من50% من العائلات العربية تحت خط الفقر، وأكثر من 60% من الأطفال العرب تحت خط الفقر أيضا، ولذلك نتوقع الأسوأ خاصة ونحن نقبل أيضا على ضربات اقتصادية جديدة خلال هذا العام، بسبب زيادة الضرائب، ورفع الأسعار، وتجميد زيادة الأجور".
وأضاف رئيس منتدى رؤساء أقسام الخدمات الاجتماعية العربية أنه "عندما نتحدث عن خط الفقر يعني أن الدخل دون 14،127 شيكلا في التقرير الرسمي لعائلة مكونة من 6 أنفار، وهذا المقياس لا ينطبق على المجتمع العربي، لأننا أمام حالة فقر مدقع. العائلة عربية التي تضم 6 أنفار ليس فقط لا تبلغ هذا الدخل وإنما بعيدة كثيرا عنه، وهذا يؤثر على التربية والتعليم. عائلة فقيرة تعاني نقص الغذاء والتدفئة تعني جيلا لا يحصل على التعليم والعلاج الكافي، ونحن نواجه حالات لعائلات تحتار بين شراء الطعام أو الدواء، وهذا هو الفقر العميق، وحتى نوعية الطعام فإن هذه الشرائح تختار بالضرورة أنواع طعام ترتكز على السكر والكربوهيدرات مثل الخبز والأرز أي أنها تشتري طعاما سعره أرخص من اللحوم، وهذا يعني بداية أمراض سمنة وسكري وشرايين وغيرها".
وختم أبو يونس حديثه بالقول إن "هذه المعطيات بشأن الفقر تبرر بشكل واضح ارتفاع حالات العنف والجريمة، فكلما ازداد الفقر ازداد العنف بأنواعه المختلفة، وهذا معروف لدى جميع الخبراء الذين يؤكدون أن زيادة العائلات الفقيرة تزيد من فرص العنف، والعنف هو المستنقع للعصابات الإجرامية، لأن الإجرام يعيش في بيئة هذا المستنقع".
وقال المستشار لاقتصاد الأسرة، حسين خلايلة من مجد الكروم، لـ"عرب 48" إنه "يستدل من المعطيات أن 34 من أصل 48 مدينة وقرية سجلت أعلى نسب فقر في إسرائيل هي بلدات عربية. كما نلاحظ، وفقا لتقرير مؤسسة التأمين الوطني، أن الفقر يتركز في مناطق البلدات العربية، الشمال، والجنوب، والقدس، وهذا بسبب نقص فرص العمل، وسوء المواصلات، وصعوبة الوصول إلى اماكن العمل، ولا ننسى أيضا أن هناك فروع عمل ضربت وهي بالعادة تشغلها أيدي عاملة عربية، مثل الزراعة والبناء، إضافة إلى غياب الشباب العربي قبل الخروج من مرحلة المدرسة إلى العمل والاندماج في العمل".
وتابع خبير اقتصاد الأسرة أنه "نواجه حالة صعبة نتيجة لمعدلات الفقر، وحرص العائلة على البقاء في صورة اجتماعية جيدة، والسعي وراء الوفرة المزيفة، وكذلك نمط استهلاكي غريب عن ثقافتنا، وهذا يعتمد بالأساس على الاقتراض البنكي والاقتراض من السوق السوداء، كي نحافظ على مستوى حياة عال مثل السيارة الفاخرة، والسفر، وشراء ملابس من ماركات عالمية وغيرها من المظاهر التي تعمق المشكلة. هذا الواقع يخلق سوق اقتراض تتكون من حوله عصابات إجرام، وهكذا ينضم شباب ما بعد المدرسة إلى هذا العالم الذي تكثر فيه ثقافة 'الدوديم' (فئة من الشباب الذين يقودون السيارات ويضعون القبعات، ولديهم أنماط حياة ومصطلحات خاصة بهم مثل: تدخين سجائر المارلبورو، والموسيقى الصاخبة والترانس، والسباقات، ولبس الكبوتشون، واستعمال مصطلح دود)، والجريمة والعنف انعكاس للفقر، ولكن علينا أن نتخذ قرارات صائبة وغير عاطفية لمواجهة الصعوبات الاقتصادية".
واستطرد خلايلة "نعم، لا نملك الكثير من أجل التأثير على القرارات الحكومية، ولكن نملك التأثير على قرارانا العائلي، وعلينا عدم الاعتماد على البنك والاقتراض بدافع الاستهلاك، فهناك علاقة مباشرة جدا لتطور السوق السوداء وعصابات الإجرام مع الوضع الاقتصادي الذي يعيشه المجتمع العربي. أدعو إلى ترشيد الاستهلاك، وأجزم أن مبلغ 14 ألف شيكل لعائلة مكونة من 6 أنفار من الممكن أن يمكنها من العيش بكرامة. حتى إن كان الدخل المادي قليلا فالأمر يكمن في قرار العائلة، وأهم النصائح التي نقدمها للعائلات هي البحث عن إمكانية رفع داخل العائلة، ثم الاستهلاك الحكيم، وهو عبارة عن تفضيل الاحتياجات على الرغبات، فلكل عائلة هناك دفعات ثابتة مثل قرض بنكي، وإطار اعتماد، ودفع أقساط، ودفعات متغيرة مثل طعام وإدارة البيت. العائلات التي تعاني الفقر لديها دفعات ثابتة أعلى من المتغيرة وهذا خطأ في القرار، لأن هذه القروض والأقساط تأتي بسبب تفضيل الرغبات بمعنى كي أستطيع السفر أقوم بتقسيط مبلغ تكلفة السفر بواسطة بطاقة الاعتماد أو الشيكات، وغيرها. وتظهر المعطيات الأخرى أن المراتب الأولى في عدد ملفات دائرة الإجراء هي لبلدات عربية، بمعنى عدم القدرة على السداد، وهذا دليل على الفقر المدقع، ثم اتخاذ قرارات خاطئة بالشأن المالي، وهذا يدعو للتغلب على الرغبات والمشاعر والانضباط في القرارات الصحيحة".
وختم خلايلة حديثه بالقول إن "مجتمعنا يواجه تغييرا اجتماعيا خطيرا. كيف يعقل أن يحتفل أبناء مجتمعنا لخروج تاجر فواتير وضرب مفرقعات من السجن، وكيف يحظى أفراد عصابات بتقدير ومكانة اجتماعية محترمة؟ يجب تعليم القيم لأبنائنا في المدارس، وعلينا استبدال قيم الاستعراض والاستهلاك السائدة اليوم بقيم صحيحة، وهذا هو السبيل للخروج من هذا الوضع المظلم".