تنمو التكنولوجيا بشكل سريع ومطّرد، ولكنّ ذلك النموّ، حسب الخبراء، يتضاعف بمعدّل معيّن وثابت نسبيًّا، يتراوح عادة من تضاعف سنويّ إلى كلّ خمس سنوات. هنا، من المهمّ أن نلاحظ أنّه بغضّ النظر عن مدى سرعة حدوث التضاعف، فإنّ منحنى الاتّجاه متطابق بشكل أساسيّ من تكنولوجيا إلى أخرى، أي أنّه يمكن توقّع منحنى التطوّر للتكنولوجيا حسب نوعها ومعلوماتها التاريخيّة. وفي حين أنّ نجاح أو فشل أيّ شركة أو منتج معيّن أمر غير قابل للتنبّؤ، فإنّ معدّل التقدّم لتكنولوجيا معلومات معيّنة يمكن التنبّؤ به بشكل واضح.
ويرجع ذلك الفهم إلى تحليل أنّ الوقت الّذي يستغرقه المصنّعون لفهم التكنولوجيا الجديدة، وتحديد استخداماتها ودمج التكنولوجيا في خطوط منتجاتهم، ويمكن التنبّؤ به من خلال مراقبة اتّجاهات تكنولوجيا المعلومات، ومن الممكن رؤية التقدّم الّذي يأتي قبل وقت طويل من ظهوره كمنتجات جديدة أو مطوّرة.
نستعرض أبرز الإنجازات التكنولوجيّة لعام 2024:
الذكاء الاصطناعيّ
عندما أطلقت شركة أوبن إيه أي تطبيق ويب مجّانيّ يسمّى تشات جي بي تي في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، لم يكن أحد يعرف ما الّذي كان سيحدث. لكنّ هذا الإصدار البسيط غير كلّ شيء. والآن، يتصدّر الذكاء الاصطناعيّ قائمة التكنولوجيا المتطوّرة في عام 2024 بدون أيّ منافس.
من الآمن القول إنّنا نعيش الآن في عصر الذكاء الاصطناعيّ، فقد تفاعل مئات الملايين من الناس بشكل مباشر مع أدوات توليد النصوص مثل "تشات جي بي تي" ChatGPT الّتي تنتج النصوص والصور ومقاطع الفيديو والمزيد من خلال طلبات المستخدمين. ولقد ساهمت شعبيّة تشات جي بي تي في إعادة تشكيل صناعة التكنولوجيا، ممّا جعل "أوبن إيه آي" OpenAI اسمًا مألوفًا جدًّا وأجبر شركات مثل "جوجل" Google و "ميتا" و Meta و "مايكروسوفت" و Microsoft على الاستثمار بكثافة في تلك التكنولوجيا.
وبحلول كانون الثاني/يناير 2023، أصبح تشات جي بي تي أسرع تطبيق ويب نموًّا على الإطلاق، حيث يوفّر لأيّ شخص لديه متصفّح الوصول إلى إحدى أقوى الشبكات المحوسبة الّتي تمّ إنشاؤها على الإطلاق. لا شكّ أنّ التطبيق أذهل الجميع!
وعلى الرغم من البدايات المتواضعة لشركات جوجل ومايكروسوفت، إلّا أنّ هواتف جوجل تستخدم الذكاء الاصطناعيّ للسماح للمستخدمين بتحرير الصور بدرجة لم يسبق لها مثيل، واستبدال الوجوه الحزينة بأخرى سعيدة واستبدال صورة لما بعد الظهر مليئة بالغيوم بغروب شمس مثاليّ.
ولم يتوقّف الذكاء الاصطناعيّ هنا، بل دخل في صناعات الدفاع والجيوش، القطاع الطبّيّ، قطّاع السيّارات وأصبح السؤال هو: هل سيستبدل الذكاء الاصطناعيّ الوظائف؟ وإذا لم يستبدلها الآن فمتى؟ هنا، يجب الإشارة إلى أنّ هذه التكنولوجيا الجديدة الجذريّة تحوّلت من نموذج أوّليّ تجريبيّ إلى منتج استهلاكيّ بسرعة مذهلة، وانتشرت على نطاق واسع. يشير الخبراء إلّا أنّنا حتّى الآن لم نبدأ بعد بفهم الذكاء الاصطناعيّ، ناهيك عن معرفة تأثيره على حياتنا
ألواح الـ"بيروفسكايت" الترادفيّة
في المرتبة الثانية من التطوّرات التكنولوجيّة لعام 2024 تأتي ألواح الطاقة الشمسيّة لأهمّيّة الطاقة البديلة وكونها عنصرًا أساسيًّا في الجهود العالميّة الرامية إلى الحدّ من الانبعاثات الكربونيّة. يشير الخبراء إلى أنّ أغلب ضوء الشمس الّذي يصل إلى الألواح الشمسيّة اليوم لا يتحوّل إلى كهرباء. ولكن من الممكن أن يؤدّي إضافة طبقة من البلّورات الصغيرة إلى زيادة كفاءة الألواح الشمسيّة.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ظهرت تقنيّة طاقة شمسيّة جديدة، وكان ظهورها صاخبًا جدًّا. وحطّمت التقنيّة المستخدمة رقمًا قياسيًّا عالميًّا آخر في ما يخصّ الكفاءة. يجدر الإشارة هنا أنّ الرقم القياسيّ السابق بقي موجودًا لمدّة خمسة أشهر فقط، ومن المرجّح أنّ الرقم الجديد لن يصمد كثيرًا لسرعة تطوّر تلك التكنولوجيا.
تقوم تلك الخلايا بقياس مقدار ضوء الشمس الّذي "يضرب" الخليّة ويتحوّل بالتالي إلى كهرباء. هنا، تمتصّ البيروفسكايت أطوال موجية مختلفة من الضوء عن تلك الّتي تمتصّها خلايا السيليكون، الّتي تمثّل 95% من سوق الطاقة الشمسيّة اليوم، هنا عندما يعمل السيليكون والبيروفسكايت معًا في خلايا شمسيّة "ترادفيّة"، يمكنهما الاستفادة من المزيد من الطيف الشمسيّ، وإنتاج المزيد من الكهرباء لكلّ خليّة!
التجارب المخبريّة تعدّ بأرقام طموحة، ففي حين أنّ مستويات الكفاءة الفنّيّة للخلايا الّتي تعتمد على السيليكون تصل إلى أقلّ من 30%، وفي حين وصلت الخلايا الّتي تعتمد على البيروفسكايت فقط إلى كفاءات تجريبيّة تبلغ حوالي 26%، خلّصت التجارب أنّ خلايا البيروفسكايت الترادفيّة تجاوزت بالفعل 33%. وهذا هو الوعد المغري الّذي تحمله هذه التكنولوجيا: فإذا تمّ نشرها على نطاق واسع، فإنّ خلايا البيروفسكايت الترادفيّة يمكن أن تنتج المزيد من الكهرباء مقارنة بالخلايا الشمسيّة التقليديّة "بتكلفة أقلّ".
الـ"شيبليتس"
في المرتبة الثالثة تأتي "الشيبليتس" Chiplets وهي شرائح صغيرة متخصّصة يمكن ربطها معًا للقيام بكلّ ما تفعله الشريحة التقليديّة، وأكثر من ذلك. فمن المعروف أنّه من الصعب للغاية جعل الترانزستورات أصغر حجمًا، وعليه يجب على المهندسين الآن إيجاد طرق جديدة لجعل أجهزة الكمبيوتر أسرع وأكثر كفاءة.
على مدى عقود من الزمان، عمل مصنعو الرقائق بشكل أساسيّ على تحسين الأداء من خلال جعل "الترانزستورات" Transistors أصغر حجمًا ووضع المزيد منها على الرقائق بشتّى السبل، وهو ما يسمّى بقانون مور. لكنّ هذا العصر يوشك على الانتهاء، فقد أصبح تقليص حجم الترانزستورات وتصنيع الرقائق المعقّدة الّتي تتطلّبها صناعات التكنولوجيا المتقدّمة مكلفاً جدًّا.
الحلّ، بالنسبة للمطوّرين هو الاتّجاه نحو شرائح أصغر وأكثر قابليّة للتعديل ومصمّمة لوظائف محدّدة، مثل تخزين البيانات أو معالجة المعلومات، والّتي يمكن ربطها معًا لبناء نظام متكامل. يشير الخبراء إلى أنّه كلّما كانت الشريحة أصغر حجمًا، كلّما قلّ عدد العيوب الّتي من المحتمل أن تحتوي عليها، ممّا يجعل التصنيع أقلّ تكلفة. يأتي ذلك الاكتشاف في وقت تستعر فيه المنافسة بين القوى العالميّة مثل الولايات المتّحدة والصين بشكل كبير حول تطوير الشرائح وأشباه الموصّلات حيث تتبادل الدولتان فرض القيود على تصدير واستيراد أشباه الموصّلات بالإضافة إلى مكوّنات رئيسيّة في صناعة أشباه الموصّلات.
أجهزة الكمبيوتر العملاقة
شهد شهر أيّار/مايو 2022 إطلاق الكمبيوتر العملاق "فونتير" Frontier، والذي يعد ذلك أسرع كمبيوتر عملاق في العالم، إذ يمكنه إجراء أكثر من 1 كوينتيليّون عمليّة فاصلة في الثانية. والرقم كوينتيليون يعني الرقم 1 متبوعًا بـ 18 صفرًا. يعرف ذلك الكمبيوتر أيضًا باسم إكسافلوب Exaflop. ولتوضيح الصورة أكثر، يمكن لكمبيوتر فرونتير إجراء عدد من الحسابات في ثانية واحدة يعادل 100 ألف جهاز كمبيوتر محمول.
مع إطلاق فرونتير في مختبر أوك ريدج الوطنيّ في ولاية تينيسي، بدأ عصر حوسبة الإكساسكيل بشكل رسميّ، والاكساسيل هي أجهزة الكمبيوتر الرقميّة ذات السرعة الفائقة، والّتي تشبه إلى حدّ كبير أجهزة الكمبيوتر وأجهزة الكمبيوتر العملاقة الحاليّة ولكنّها تتمتّع بمميّزات أقوى بكثير، وهذا يجعلها مختلفة عن أجهزة الكمبيوتر الكموميّة، الّتي تمثّل نوعًا آخر تمامًا لبناء جهاز كمبيوتر مناسب لأنواع محدّدة من الأسئلة.
البطّاريّات الحراريّة
تأتي أهمّيّة تلك البطّاريّات من حقيقة أنّ 20% من الطلب العالميّ على الطاقة يذهب إلى إنتاج الحرارة المستخدمة في الصناعة، ويتمّ توليد معظم هذه الحرارة عن طريق حرق الوقود الأحفوريّ. ولكن، في محاولة لجعل تلك الصناعة مستدامة أكثر وصديقة للبيئة، يعمل عدد متزايد من الشركات على توفير هذه الحرارة باستخدام تقنيّة تسمّى البطّاريّات الحراريّة.
وتعدّ شركة "روندو انيرجي" Rondo Energy واحدة من أكبر الشركات الّتي تعمل على إنتاج ونشر البطّاريّات الحراريّة. ويعتمد نظام تخزين الحرارة الخاصّ بالشركة على سخّان مقاوم يحوّل الكهرباء إلى حرارة باستخدام نفس الطريقة الّتي تستخدمها محمصة الخبز، ولكن بشكل أكبر، حتّى تصل إلى درجة حرارة أعلى بكثير. ثمّ تستخدم هذه الحرارة لتسخين قطع من الطوب المصمّمة والمرتبة بعناية، والّتي تخزّن الحرارة ليتمّ استخدامها لاحقًا. ويتمّ استخراج الحرارة من الطوب ببساطة عن طريق نفخ الهواء على الطوب الساخن لتوليد البخار، أو حتّى توصيله مباشرة لتسخين المعدّات.