من المفترض أن تنسحب القوات الإسرائيلية من جنوبي لبنان يوم 26 كانون الثاني/ يناير الجاري حسب اتفاق وقف إطلاق النار، أي بعد ستة أيام من تنصيب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، فيما تسرب إسرائيل بأنها لن تنسحب بهذا التاريخ، أي بمرور 60 يوما حسب الاتفاق، بل بعد 90 يوما بذريعة أن الجيش اللبناني لم يقم بالتزاماته بحسب الاتفاق بنشر قواته في الجنوب، وبذريعة أن حزب الله يحاول بناء قوته من جديد في الجنوب، وبأن الجيش الإسرائيلي لن يتمكن من إنهاء مهامه بتدمير البنى العسكرية لحزب الله في هذه المناطق خلال 60 يوما.
في المقابل، تنتظر إسرائيل التاسع من كانون الثاني/ يناير، الموعد المحدد لانعقاد البرلمان اللبناني بهدف انتخاب رئيس توافقي للدولة. وحتى الساعة لا يبدو أن توافقا لبنانيا قد أنجز أو يقترب بين الكتل اللبنانية المختلفة. وبالنسبة لإسرائيل وجود قواتها على الأرض اللبنانية حتى انتخاب رئيس للبنان هو بمثابة وسيلة ضغط مباشرة على مسار تحديد هوية الرئيس، بحيث لا يكون انتخابا قد يمنح حزب الله الفرصة لاستعادة مكانته السياسية في لبنان، ويظهر كأن الحرب لم تغير من موازين القوى السياسية وإضعاف حزب الله داخليا.
أما على الساحة السورية، فإن إسرائيل مسرورة بتخلصها من إيران هناك، حتى لو كان ذلك أيضا على حساب النفوذ الروسي الصديق، إلا أن ذلك قابله تعزيز مكانة تركيا في سورية، ومن غير الواضح لها ما وجهة ترامب بشأن الملف السوري، هل سيسحب القوات الأميركية من شرق الفرات ويتخلى عن دعم الأكراد، وهل سيسلم الملف السوري للوصاية التركية، فقد صرح ترامب بأنه معجب من تعامل إردوغان مع سقوط الأسد دون إراقة الدماء، وهي تصريحات قد تفسر على أن ترامب غير معني بالتورط بتفاصيل الملف السوري، وأنه سيركن هذا الملف لتركيا، وهذا قد يعني أن تضمن تركيا للولايات المتحدة عدم تسخين الإدارة الجديدة لسورية لمسألة احتلال إسرائيل للأراضي السورية في الوقت الحالي، ولكن قد يعني هذا التسليم الأميركي للأتراك، بنظر إسرائيل، أن تركيا سيكون لها منفذ إلى الحدود الإسرائيلية من الأراضي السورية.
أما على الساحة الفلسطينية، فليست إسرائيل بوارد وقف الحرب على قطاع غزة، حتى لو جرى التوصل لصفقة جزئية لتبادل الأسرى، وحتى لو حددت بدايات شباط/ فبراير المقبل موعدا محتملا لانتهاء عملياته في شمالي القطاع. بل تعلن أنها تدرس إمكانية تقليص دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة مع بداية حكم ترامب، وهي المساعدة القليلة أصلا، وتدرس إقامة أربعة مراكز تشغيلية على ساحل قطاع غزة لتوزيع المساعدات من خلال شركات أمنية خاصة، ما يعني استمرار تواجد قواتها وسيطرتها الأمنية على القطاع لأجل غير محدد، وتتمنى بهذه الأثناء هجرة الغزيين من القطاع بعدما أصبح دون مقومات الحياة الأساسية.
وبالنسبة للضفة الغربية، فهي بانتظار ترامب لتنفيذ خطط ضم مناطق ج ومناطق أخرى في الضفة الغربية، ومنع أي إمكانية لكيان وطني فلسطيني، إذ تتحول السلطة الفلسطينية إلى سلطة بلدية تقدم الخدمات اليومية بحيث لا يتورط الجيش الإسرائيلي بالاعتناء بالشؤون المعيشية للفلسطينيين، وبحيث تتحول حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى جحيم لا يطاق ما يدفع بهجرة من استطاع ذلك، الكفاءات والشباب وتحديدا.
وبذلك تكون إسرائيل قد خلقت واقعا مشابها أو موحدا في الضفة وغزة، يقوم على السيطرة الأمنية الإسرائيلية وقضم الأراضي وتحويل الحياة إلى جحيم والدفع للتهجير أو الهجرة. فإفراغ الضفة وغزة من الكفاءات والشباب يحولها إلى جزر معزولة تقضي على أي فرصة أو أمل لكيان أو كيانية وطنية فلسطينية، وهذا مشروع بنيامين نتنياهو التاريخي.
هل يستوعب ذلك أولي الأمر؟