اعتبر تقرير إسرائيلي أن التطورات في سورية، بعد سقوط نظام بشار الأسد وظهور نظام جديد بقيادة أحمد الشرع، يضع أمام إسرائيل "تحديات جديدة" إلى جانب "فرص محتملة"، وأنه من جهة، انعدام الوضوح حول سياسة النظام الجديد والوضع الميداني "يتطلب من إسرائيل الحفاظ على جهوزية عسكرية عالية، ومواجهة تهديدات وانعدام اليقين بشأن نوايا اللاعبين المحتملين وبضمنهم تركيا، ولجم إمكانية عودة تموضع محور إيران وحزب الله في الأراضي السورية".

تابعوا تطبيق "عرب ٤٨"... سرعة الخبر | دقة المعلومات | عمق التحليلات

وأضاف التقرير الصادر عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب أمس، الأحد، أنه من الجهة الأخرى، "تصريحات الشرع المنضبطة بالنسبة لإسرائيل، وكذلك وجود جهات معتدلة وضعف ’محور المقاومة’ وروسيا في الأراضي السورية، من شأنها فتح الباب أمام مبادرات دبلوماسية".

وعلى إسرائيل أن تستعد لكلا السيناريوهين، "استقرار سورية بقيادة نظام معتدل وفعّال، أو تحولها إلى حلبة ينشط فيها لاعبون متطرفون، ومن شأنهم تهديد أمن إسرائيل، وذلك من خلال تبني سياسة تشجع اتجاهات تطور إيجابية. والدمج بين حزم أمني مع خطوات سياسية وإنسانية مدروسة سيمكن إسرائيل من الدفاع عن حدودها، وأن تشارك في جهود استقرار المنطقة، وأن تشدد أهميتها وتحسّن مكانتها في الحلبتين الإقليمية والدولية".

وأشار التقرير إلى أن الشرع ظهر في مقابلات لوسائل إعلام، الشهر الماضي، أنه براغماتي ومعتدل، بما في ذلك مواقفه تجاه إسرائيل، "وحرص على أن يتحدث نحوها بشكل حذر ومنضبط وإيجابي أيضا بقدر معين. فقد تعهد بالالتزام باتفاق فصل القوات من العام 1974، وادعى أن وجهة سورية ليست نحو مواجهة مع إسرائيل، وإنما لبناء سورية من جديد".

نتنياهو في قمة جبل الشيخ بعد احتلالها، الشهر الماضي (مكتب الصحافة الحكومي)

كذلك مرر الشرع رسالة مفادها أنه لن يسمح باستخدام الأراضي لشن هجمات ضد إسرائيل، وطالب الأخيرة بوقف عدوانها على سورية والانسحاب من الأراضي التي احتلتها بعد سقوط نظام الأسد، كما أشار إلى أن ذريعة إسرائيل في عدوانها على سورية كان وجود حزب الله وميليشيات إيرانية في سورية، وأن هذه الجهات لم تعد موجودة.

وحسب التقرير، فإن أمام إسرائيل ثلاثة بدائل مركزية: الأول، استمرار السيطرة على الأراضي السورية التي احتلتها الشهر الماضي والتأثير فعليا على نزعها من السلاح؛ البديل الثاني، هو استمرار احتلال الأراضي السورية في المنطقة العازلة وجبل الشيخ كله، وإنشاء منطقة منزوعة السلاح وإنفاذ ذلك بنيران إسرائيلية؛ والبديل الثالث، سحب إسرائيل قواتها شريطة التوصل إلى تفاهمات مستقرة مقابل النظام الجديد وبرعاية أميركية وتعاون تركي.

وأشار التقرير إلى أن إسرائيل اختارت حتى الآن البديل الثاني، لكن "تحليل التداعيات يشير إلى أن البديل الثالث هو الأفضل إلى جانب الغايات الأمنية والإستراتيجية الإسرائيلية للمدى البعيد".

واعتبر التقرير أن سيناريو إيجابي في سورية بالنسبة لإسرائيل يشمل غياب تأثير ووجود إيراني وقوى من محورها، ونظام جديد مستقر ليس معاديا لإسرائيل، وأن يكون مستعدا أيضا لإجراء اتصالات سياسية معها، وكذلك وجود جيش سوري ناشط وناجع ضد تهديدات من جانب جهات متطرفة مثل "داعش".

وحسب التقرير، فإن "الواقع في عصر ما بعد الأسد في المدى البعيد، وتبلور حكم مركزي مستقر ومعتدل في سورية، من شأنه إنشاء فرص لاستئناف الاتصالات السياسية بينه وبين إسرائيل. وحتى ذلك الحين، توجد لدى إسرائيل فرصة من أجل تحسين مكانتها وأهميتها بواسطة حيز التأثير الحاصل في المنطقة، والذي يستند إلى عدة أمور بينها علاقاتها مع الولايات المتحدة والأردن ودول ’اتفاقيات أبراهام’".

وتابع التقرير أن "ثمة سيناريو سلبي بالنسبة لإسرائيل، يتمثل بتطور نظام إسلامي – جهادي معاد لإسرائيل، إلى جانب تشكل معسكر إسلامي أوسع في المنطقة، وانعدام استقرار وفوضى وعنف، وأن يمتد ذلك إلى منطقة الحدود مع إسرائيل (في هضبة الجولان المحتلة) ويشكل أرضا مريحة لاستئناف تموضع إيران و’المحور’ في الحيز السوري".

ووصف التقرير توغل الجيش الإسرائيلي في الأراضي السورية بعد سقوط الأسد واحتلال منطقة واسعة بأنها "خطوة استباقية"، لكنه أشار إلى الانتقادات الدولية لإسرائيل، وأنها تنتهك السيادة السورية. "وبإمكان إسرائيل أن تتوقع أنه خلال فترة قصيرة ستبدأ تركيا وجهات أخرى في تحريك إجراءات دولية، ومن الجائز عسكرية أيضا، لطرد قوات الجيش الإسرائيلي من الأراضي التي توغلت فيها".

ولم يستبعد التقرير أن تعزز تركيا وجودها العسكري في سورية لفترة طويلة، "الأمر الذي سيقيد حيز المناورة الإسرائيلية في سورية وحتى أنه سيقود إلى احتكاكات مع قوات الجيش الإسرائيلي. وأي احتلال (إسرائيلي) يؤدي إلى احتكاك مع سكان سوريين هو ضار للغاية وحتى أن من شأنه أن يعيد مجددا إلى طاولة المداولات مطلب استعادة هضبة الجولان إلى السيادة السورية".

واعتبر التقرير أن على إسرائيل أن تسرع وترسخ علاقات "مع جهات إيجابية" في سورية، والبحث في نقل مساعدات إنسانية مركزة ولكن رمزية، بالتنسيق مع النظام المركزي وعلمه، إذا أمكن، "كخطوة لبناء الثقة وكي لا يعتبر ذلك محاولة لإضعافه".

ودعا التقرير إسرائيل إلى عدم وضع تركيا كعدوة لها، وإنما "بلورة مجموعة تفاهمات مقابل تركيا"، وإلى توثيق الحوار مع الأردن ودول الخليج "من أجل توجيه تبلور سورية نحو اتجاهات إيجابية ومنع جهات معادية – مثل إيران وروسيا – من استئناف تأثيرها".

كذلك دعا التقرير إلى تكثيف تدخل إسرائيل السياسي في سورية وترسيخ حالة طائفية، من خلال دفع "مبادرة دولية" بقيادة الولايات المتحدة من أجل تشكيل لجنة رباعية، تضم تركيا وروسيا وإسرائيل، "بهدف استقرار الحكم الجديد ومنع استهداف الأقليات – الولايات المتحدة تهتم بالأكراد، إسرائيل تهتم بالدروز، روسيا تهتم بالعلويين، وتركيا تهتم بالجهات السُنية التي تخضع لتأثيرها".