اعتبرت المحامية نريمان شحادة - زعبي، من "عدالة" - المركز القانوني لحقوق الأقليّة العربيّة في إسرائيل، الذي يمثل خمس عائلات تقوم السلطات الإسرائيلية باحتجاز جثامين أبنائها منذ شهور، بادعاء قيامهم بـ"تنفيذ عمليات إرهابية ضد مواطنين إسرائيليين"، أن "ما يحدث في المحاكم الإسرائيلية، اليوم، هو تدني جديد وخطير في سياسات المحكمة، ويعطي الضوء الأخضر للكثير من الممارسات غير القانونية التي تمس حقوق وكرامة الإنسان الحي والميت، خاصة أنه لا يوجد ما يثبت أن هذه القضية لها وزن أو قيمة في مسار التفاوض لعقد صفقات تبادل، أو أنها تساهم في تحرير أي من المختطفين الإسرائيليين المتواجدين بأيدي حركة حماس في غزة".

تابعوا تطبيق "عرب ٤٨"... سرعة الخبر | دقة المعلومات | عمق التحليلات

وكانت المحكمة العليا قد رفضت، أول من أمس الأحد، ستة التماسات قدمتها عائلات شهداء من المجتمع العربي، طالبت بتحرير جثامينهم التي تحتجزها السلطات، بعدما استشهدوا في السجون الإسرائيلية أو بنيران قوات الأمن.

وحول قيام أجهزة الأمن الإسرائيلية باحتجاز جثامين شهداء، قالت المحامية نريمان شحادة - زعبي، لـ"عرب 48" إن" قضية احتجاز الجثامين كانت حاضرة في المحاكم الإسرائيلية منذ العام 2017 مرات عديدة، وفي عدة مراحل، كان أولها القرار المتعلق باحتجاز جثمان أحمد عليان، من سكان مدينة القدس، الذي أطلق عليه الجيش الإسرائيلي النار بزعم محاولته تنفيذ عملية طعن عند أحد الحواجز، وحينها قررت المحكمة، بهيئة ثلاثة قضاة، أنه لا يحق للدولة أن تحتجز الجثامين لغرض التفاوض، لكن هذا القرار سقط وانقلب رأسا على عقب في جلسة لاحقة بطلب من الدولة، ووافقت المحكمة التي انعقدت بهيئة تسعة قضاة بالأغلبية، وأقرت بوجود صلاحية للدولة باحتجاز جثامين لغرض التفاوض، لكن القرار في حينه كان يتطرق لجثامين أشخاص ينتمون لحركة حماس ممن نفذوا عمليات إرهابية خطيرة".

نريمان شحادة - زعبي

وأضافت أنه "في العام 2020 كان هناك قرار آخر للمجلس الوزاري الإسرائيلي للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت) يقضي باحتجاز جثامين بغض النظر عن انتمائهم إلى منظمات معادية، وكان ذلك في ملف الشهيد أحمد عريقات، وهو من سكان الضفة الغربية، ولا ينتمي لحركة حماس، وقد صادقت المحكمة على قرار الكابينيت بتوسيع دائرة احتجاز الجثامين، كما أقرت المحكمة في حينه أنه ليس من الضروري أن تكون العملية التي ارتكبها خطيرة جدا حتى يُحْتَجَز جثمانه، وإنما تكفي محاولة تنفيذ عملية لتكون مبررا لاحتجاز الجثمان!".

وأشارت المحامية شحادة - زعبي إلى أنه "بذلك وُسِّعَت حلقة احتجاز الجثامين، لا بل إن المحكمة رفضت طلب عدالة بعقد جلسة إضافية حول هذا الموضوع".

محطة أخرى توقفت عندها المحاكم الإسرائيلية بشأن احتجاز جثامين شهداء، وهي اندلاع الحرب على غزة واستشهاد الأسير وليد دقة من باقة الغربية في أراضي الـ48، وهو اسم مطروح منذ أعوام في صفقات تبادل محتملة لرمزيته وبصفته أقدم الأسرى في السجون الإسرائيلية، وفي التاسع من حزيران/ يونيو 2023 عقد "الكابينيت" اجتماعا، وأقر احتجاز جثمان وليد دقة، وأقر المجلس في حينه أنه بالمسألة الأوسع لن تكون هناك قيود على احتجاز الجثامين كلها مؤقتا إلى حين البت في السؤال العرضي المتعلق باحتجاز جثامين المواطنين. وقالت المحامية شحادة - زعبي، إنه "تم تمديد هذا القرار في أيلول/ سبتمبر الماضي لمدة ثلاثة أشهر، وفي كانون الأول/ ديسمبر المنصرم مُدِّد لثلاثة أشهر إضافية".

وتابعت أنه "حتى اللحظة، الحكومة الإسرائيلية لم تتخذ قرارا نهائيا بشأن احتجاز جثامين المواطنين، ولكن في المستوى الفعلي هي تواصل احتجاز جثامين المواطنين، حتى تصل إلى مكان لا عودة منه بأثر عكسي".

وشددت الحقوقية شحادة - زعبي على أن "ادعاءاتنا أمام المحكمة كانت أنه لا توجد صلاحية للدولة باحتجاز جثامين المواطنين، دون أن يكون هنالك قرار عيني يتعلق بانتماء الشخص وخطورة فعلته وقيمة الجثمان على طاولة صفقات التبادل؟ نحن ندعي أن هنالك خرقا لسيادة وسلطة القانون وحتى لأسس القوانين الإدارية والحق في الكرامة - كرامة المواطن وكرامة الميت على حد سواء، وهنالك اعتراف من قبل الدولة بأن هنالك مسا بالحق بكرامة الإنسان، ولكن الدولة ترى بأن الأوضاع الأمنية الحالية تجيز هذا المس بالكرامة، وبررت القرار بالقول إنه في أثناء كتابة هذه السطور 'لا يزال 100 مخطوف محتجزين في الأسر'. وأنه 'ينبغي أن نتذكر أن الحديث لا يدور عن احتجاز جثث مواطنين أبرياء لم يرتكبوا إثما، وإنما الحديث عن مخربين' - على حد زعم قاضي المحكمة".

واعتبرت قرار المحكمة بأنه "تدني إضافي لمواطنة الفلسطينيين، لو أخذنا بالحسبان أنه لا توجد خلفية قومية للجرائم التي ارتكبها الشبان المحتجزة جثامينهم، وإنما بعضها جاءت على خلفية حالة نفسية غير متزنة وربما جنائية، ولكن العائلات تدعي أن الخلفية ليست قومية إطلاقا، وهذه ضمن الادعاءات التي طرحناها في المحكمة، وعلى الرغم من الإشكالية حول عدم وجود أي قرار عيني بشأن الخلفية القومية، ولكن كل هذا لا يعفيهم من احتجاز جثامينهم، ويجعل قرار الحكومة هو الصائب وله ما يبرره!".

وردا على سؤال حول سلوكيات جهاز القضاء تجاه الفلسطينيين في الداخل في فترة الحرب، هذا الجهاز الذي يتهمه اليمين المتطرف بأنه يخدم أجندة "اليسار المعتدل"، قالت شحادة - زعبي إن "هناك مجموعة من اليمين المتطرف تمارس ضغوطا هائلة على جهاز القضاء، وشهدنا ذلك خلال جلسة المحكمة التي قام ناشطو اليمين بعرقلة سيرها مرات عديدة، ومطالبتهم بالانضمام إلى المحكمة كطرف في القضية وبوجود أعضاء كنيست يمينيين هم أيضا عرقلوا سير الجلسة والمحكمة أجازت لهم الوُجود في القاعة، على الرغم من تهجمهم على طاقم الدفاع. فالادعاء بأن المحكمة تتبنى أجندة 'معتدلة' هو عار من الصحة، فالمحكمة تسير بخط متواز مع الحكومة اليمينية المتطرفة، على الرغم من كل الخروقات والتجاوزات والدوس على الحقوق الأساسية للمواطنين الفلسطينيين، لا بل إنها تعطي الضوء الأخضر للممارسات غير القانونية، واحتجاز جثامين المواطنين واحدة من هذه التجاوزات".

اقرأ/ي أيضًا | المحكمة العليا ترفض التماسات طالبت بتحرير جثامين شهداء