ترافق تفسير جهات إسرائيلية ليبرالية فلتان عنف المستوطنين في أراضي الضفة الغربية أخيراً لازمة فحواها أن المجتمع الإسرائيلي عموماً يمرّ بمرحلة انتقالية يعمل فيها اليمين الحاكم على تحويل إسرائيل من "دولة يهودية ديمقراطية" إلى "دولة يهودية مسيانية". وتوقّفنا مرّات كثيرة أمام استحالة أن تكون دولة يهودية ديمقراطية في الآن ذاته، وسنستعيد شهادات لجنود إسرائيليين من كتاب صدر في إسرائيل عام 2011 بعنوان "احتلال 1967: شهادات جنود 2000 - 2010"، بمناسبة مرور عقد على اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وضم بين دفّتيه شهاداتٍ أدلى بها مئات جنود وجنديات من الجيش الإسرائيلي لمندوبي منظمّة "فلنكسر الصمت" التي تولت إعداده ونشره.
وتشرح شهادات أحد الفصول كيف أن الجيش الإسرائيلي يخدم مصالح المستوطنين على حساب السكان الفلسطينيين. وفيها معلومات موثّقة عن مهاجمة المستوطنين الفلسطينيين من دون أي تدخّل أو ملاحقة من الجيش، وفي بعض الأحيان، عن تلقّي بعض الجنود أوامر من المستوطنين بشأن السياسات المتّبعة مع الفلسطينيين. وهناك تشديد خاص على نظام الكيْل بمكيالين السائد في أراضي 1967، فبينما تتم السيطرة على السكان الفلسطينيين بواسطة أوامر عسكرية، فإن المستوطنين الإسرائيليين في هذه الأراضي يخضعون للقانون الإسرائيلي المدني. كما أن هؤلاء يخضعون للشرطة، في حين أن الفلسطينيين يخضعون لسلطة الجيش. بكلماتٍ أخرى، فإن الفلسطينيين يخضعون لسلطة قانون لا يمثلهم ولا يعبّر عن مصالحهم، ويجري فرضُه تحت وطأة التهديد والتفوق العسكري لإسرائيل.
كما تشير الشهادات إلى المساهمة الكبيرة للمستوطنين في فرض السيطرة العسكرية على السكان الفلسطينيين من خلال مشاركة مندوبين عنهم يتولون وظائف رسمية (مثل المسؤولين عن الأمن في المستوطنات الذين يعتبرون موظفين في وزارة الدفاع) في المداولات الخاصة التي تُتخذ فيها القرارات الحاسمة المتعلقة بسياسة إسرائيل في الأراضي المحتلة.
وبناء على ذلك، الخلاصة المطلوبة أن عنف المستوطنين إزاء الفلسطينيين أداة أخرى من أدوات السيطرة الإسرائيلية على الأراضي المحتلة. وفي معظم الحالات، تخدم القوات العسكرية الإسرائيلية مصالح المستوطنين.
وتوضح بعض الشهادات بصورة لا لبس فيها أن "عجز" الشرطة الإسرائيلية حتى عن فرض القانون الإسرائيلي على المستوطنين لا يعتبر أبرز أسباب عدم فرضه، وأن السبب الرئيسي لذلك يعود إلى اعتبار المستوطنين جزءاً من منظومة السيطرة الإسرائيلية على الفلسطينيين. والهدف المشترك الأكبر لكل من الجيش الإسرائيلي والمستوطنين هو ضم مزيدٍ من الأراضي المحتلة إلى إسرائيل. ... وفي ما يلي ترجمة لإحدى الشهادات بعنوان "حماية فلتان المستوطنين"، وأدلى بها جندي من وحدة المدرعات كان شريكاً في مهمة محدّدة بمحافظة نابلس عام 2000:
الجندي: ما بقي محفوراً في ذاكرتي هو ما جرى في أثناء إحدى العمليات في حوارة، وهي قرية فلسطينية غير هادئة، لكنها ليست مثل جنين.
سؤال: ماذا حدث هناك؟
- قرّر اليهود (المقصود المستوطنين) أن يقوموا بأعمال شغب في منطقة تبواح، التي تقع فيها بضع مستوطنات... وصدرت إلينا أوامر بالتوجه إلى حوارة لحماية "فوضى" تحدُث هناك. لم نفهم المقصود بـ"فوضى"، ولكن عندما وصلنا فهمنا أن المستوطنين قرروا مهاجمة سكان القرية، وأنه يُفترض بنا أن نحميهم لئلا يصيبهم مكروه.
هل كان المستوطنون داخل حوارة؟
- لقد أتوا للتظاهر، وبدأوا برشق الحجارة داخل القرية، وفي الشارع الرئيسي. وكانت ترافقهم مجموعة من الخارج تؤيد الاستيطان اليهودي.
وماذا فعل الفلسطينيون؟
- لم يفعلوا شيئًا، كانوا خائفين.
هل كان المستوطنون مسلحين؟
- نعم، وكان معهم أولاد قاموا برشق الحجارة على الناس البالغين. ورابطنا هناك، إلى أن بدأت المجموعة التي من الخارج تضايق جنود الجيش الإسرائيلي.
ما الذي ذهبتم لفعله هناك؟ هل كان الهدف منع رشق الحجارة، أم حراسة المستوطنين؟
- حراسة المستوطنين، والاهتمام بألا يصيبهم مكروه عندما يقومون برشق الحجارة، أي عندما يقومون بفلتانهم.
ها كان ذلك هو مضمون الأوامر الرسمية؟
- ما العمل؟ كان علينا حراسة المستوطنين فقط!