وصف محللون عسكريون إسرائيليون اليوم، الأربعاء، الجيش الإسرائيلي بأنه غارق في أزمة شديدة، كنتيجة مباشرة لأحداث 7 أكتوبر 2023، وأشاروا إلى أن اختيار رئيس جديد لأركان الجيش خلفا لهيرتسي هليفي، الذي أعلن استقالته أمس، سيخضع لتأثير 7 أكتوبر ولمدى ولائه لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو.
ووفقا للمحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، فإن هليفي "بكونه عسكري محترف، لم يدرك فقط أن الخلل حدث خلال ولايته، وإنما هو مسؤول عن جزء كبير منه"، لأنه أدار مع رئيس الشاباك، رونين بار، المشاورات ليلة 6 – 7 أكتوبر، حول مؤشرات استخباراتية أظهرت أن ناشطي حماس يستعدون لعمل ما عندما بدأوا بتشغيل بطاقات سيم إسرائيلية في هواتفهم الخليوية، وقرر ألا يحشد قوات وألا يصدر أوامر لشعبة الاستخبارات العسكرية ("أمان") باستيضاح خطوات حماس.
واعتبر هرئيل أنه كان بالإمكان أن تكون نتيجة هجوم حماس مختلفة، وأن سبب خطأ هليفي، حسب ضباط كبار، هو أنه ترعرع عسكريا في وحدة سرية هيئة الأركان العامة ووحدات العمليات الخاصة، الذي يسيطر فيها التوجه بتوفر أكثر ما يمكن من معلومات وأقل ما يمكن من كشف مصادرها.
وأضاف أن "عناصر العمليات الخاصة معتادون على الاستعداد لعمليات طوال أشهر، وسيطرة كبيرة على الصورة الاستخباراتية، قبل اتخاذ القرارات، وهم يخشون دائما من أن عملية مسبقة وغير محسوبة ستكشف أمام العدو عمق التغطية الاستخباراتية الإسرائيلية وتسبب ’حرق’ - أي فقدان – مصادر المعلومات".
وتابع هرئيل أن التحقيقات العسكرية لم تنجح بكشف الإخفاق كله، "والتوترات الداخلية في المستويات المختلفة بقيت شديدة. وتوجد أزمة شديدة في المستويات الوسطى في صفوف الضباط في الخدمة الدائمة، والكثير منهم غادروا صفوف الجيش من دون تعيين بديل لهم. والأعباء على قوات الاحتياط لا يحتمل، وإلى جانبه الغضب من خطوات الحكومة، التي تسعى إلى تخليد الظلم من خلال سن قانون التهرب من التجنيد لصالح الحريديين".
ورغم أن وزير الأمن، يسرائيل كاتس، أعلن أنه سيبدأ قريبا بإجراء مقابلات مع مرشحين لخلافة هليفي، إلا أن نتنياهو هو الذي سيقرر بشأن هوية رئيس أركان الجيش القادم، حسب هرئيل.
وأبرز الجنرالات المرشحين للمنصب هم: مدير عام وزارة الأمن، إيال زامير، الذي تولى في الماضي منصب نائب رئيس أركان الجيش ونافس هليفي على رئاسة أركان الجيش؛ نائب رئيس أركان الجيش الحالي، أمير برعام؛ وقائد القيادة الشمالية للجيش، أوري غوردين. وهناك مرشح رابع يطرحه سياسيون يمينيون، وهو سكرتير نتنياهو العسكري، رومان غوفمان، الذي يعتبر كمن لا يملك خبرة عسكرية كافية لتولي المنصب، وتمت ترقيته لرتبة جنرال قبل سنة واحدة.
يشار إلى أنه إلى جانب هليفي، استقال أمس قائد القيادة الجنوبية للجيش، يارون فينكلمان أيضا، لكن المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشواع، اعتبر أن استقالتهما كانت "الخطوة المطلوبة، بتأخير غير معقول وغير منطقي".
وأضاف أن "استقالتهما بعد قرابة 500 يوم من 7 أكتوبر ألحق ضررا هائلا بالجيش وخاصة بالثقة المطلوبة بالقيادة العليا، من داخل الجيش وكذلك من جانب الجمهور، الذي ما زال لا يدرك ماذا حدث في تلك الليلة واليوم الذي تلاها".
وتابع يهوشواع أن "الأيام ستمر والحقيقة العكرة ستظهر، وستوضح لماذا خاب أمل الكثيرين من الضباط بانهيار روح الجيش الإسرائيلي مثل برج من عيدان ثقاب. وقسم من خائبي الأمل تركوا الجيش، وفضل آخرون منصبا في الصفوف الخلفية أقل تأثيرا، فقد رأوا كيف جرى تلويث التحقيقات، وكيف استغلت طريقة التعيينات لصالح التستر على الإخفاقات".
ولفت يهوشواع، الذي ينقل جانبا من الأجواء السائدة في الجيش، إلى أن "هليفي كان على حق في خطابه، أمس، بأنه لم تكن هناك ’خيانة من الداخل’ (في 7 أكتوبر حسب اتهامات اليمين للجيش)، وإنما كان هناك فناء لم يتخيل مثله حتى أشد المنتقدين لهيئة الأركان العامة في أسوأ كوابيسهم. فقد تحطم مستوى هيئة الأركان العامة في تلك الليلة. وبدأ ذلك بهليفي ورئيس الشاباك، مرورا بقائد شعبة العمليات، عوديد بسيوك، وقائد القيادة الجنوبية فينكلمان، ورئيس المنطقة الجنوبية في الشاباك وضابط المخابرات في قيادة المنطقة الجنوبية. وسيضطر أي أحد لم يستقل بعد إلى القيام بذلك، والأفضل أن يتم ذلك في أقرب وقت".
وأشار يهوشواع إلى المؤشرات الاستخباراتية التي رُصدت ليلة 6 – 7 أكتوبر وموضوع بطاقات السيم، التي ذكرها هرئيل أيضا، وأضاف أن "الإخفاق جاء من القيادة، واستمر في يوم السبت الملعون (7 أكتوبر)، عندما فقد الجيش بالكامل الاتصال مع الميدان بعد انهزام فرقة غزة، التي وصلت متأخرة إلى البلدات في غلاف غزة، وسلاح الجو الذي يهاجم في إيران واليمن لم ينجح بتقليص حجم الكارثة".
وأضاف فيما يتعلق بالتحقيقات العسكرية، أنه لا يمكن أن يبقى رئيس شعبة العمليات، بسيوك، وقائد لواء العمليات في 7 أكتوبر، شلومي بيندر، في الجيش، لكنهما لم يستقيلا حتى الآن، لكن تمت ترقية بيندر إلى رتبة جنرال وعُين قائد شعبة العمليات، والتحقيق حول مسؤوليته لم يُنشر، "وتبين أن التحقيق بشأن بيندر نفذه العميد في الاحتياط، رالي مرغليت، وهو صديق مقرب من بسيوك، ما يجعل تحقيق مرغليت عديم القيمة".
وتابع يهوشواع أن "في الجيش اتبعوا طريقة ’صديق يحقق مع صديق’. وعموما، قضية التحقيقات هي وصمة بشعة على إرث هليفي. ويوجد في الجيش غضب شديد على هليفي، كما أن الاحتكاك مع مراقب الدولة أظهر الفجوة بين أقوال هليفي والناطق العسكري المتباهية حول تحقيقات هامة وبين الواقع".
وأشار يهوشواع إلى أن "الحرب نفسها تحمل ذنوبا على هليفي أن يتحمل مسؤوليتها. فالجيش الإسرائيلي حقق إنجازات في غزة، لكنه لم يحقق حسما عسكريا. وتوجد أسباب سياسية لذلك، لكن في إدارة المعارك والعمليات العسكرية وقعت أخطاء خطيرة. فقد أدار هليفي الحرب بهيئة مقلصة لم تشمل نائب رئيس أركان الجيش، أمير برعام، والأجواء السامة بينه وبين هليفي طفت في الجيش".
واعتبر أن "اتفاق وقف إطلاق النار في غزة هو بداية وحسب لتسديد الواجب الأخلاقي للمخطوفين وعائلاتهم، لكنه يرمز أيضا إلى خيبة أمل عسكرية، على إثر كمية الذخيرة والقوات التي أنزلت على غزة، في حدث لم يشهد التاريخ مثله قياسا بحجم قطاع غزة".