في أولى الخطوات من جانب إدارة الرئيس دونالد ترامب الجديدة لإصلاح السياسات والقوانين الناظمة للعملات الرقميّة، قالت الإدارة الجديدة لهيئة الأوراق الماليّة والبورصات الأميركيّة إنّها شكّلت فريق عمل لتطوير إطار تنظيميّ لتلك العملات.

يأتي ذلك بعد تعهّدات قام بها ترامب، الّذي خاض حملته الانتخابيّة على وعود بأن يكون "رئيس للعملات المشفّرة"، بعكس الحملة الصارمة على الصناعة في ظلّ لجنة الأوراق الماليّة والبورصات التابعة لإدارة الرئيس السابق جو بايدن، والّتي رفعت دعاوى قضائيّة ضدّ شركات تشفير متعدّدة، بما في ذلك "كوين بيس" و"كراكين"، بناء على مزاعم أنّه تلك الشركات انتهكت القواعد الماليّة المعمول بها في الولايات المتّحدة.

بدورها، نفت الشركات هذه المزاعم، بحجّة أنّ قواعد لجنة الأوراق الماليّة والبورصات غير مناسبة للعملات المشفّرة، وأنّه من غير الواضح متى قد تكون العملة المشفّرة مؤهّلة كأوراق ماليّة؛ وبالتّالي تكون خاضعة لإشراف لجنة الأوراق الماليّة والبورصات. وكانت صناعة العملات الرقميّة قد دعت لجنة الأوراق الماليّة والبورصات لسنوات إلى وضع قواعد واضحة للعملات المشفّرة.

وتمثّل الخطوة الّتي اتّخذها المفوّض الجمهوريّ مارك أويدا، الّذي عيّنه ترامب رئيسًا مؤقّتًا للجنة الأوراق الماليّة والبورصات يوم الاثنين، والمفوّضة الجمهوريّة هيستر بيرس، أوّل فوز سياسيّ لصناعة العملات الرقميّة في ظلّ الإدارة الجديدة.

وقال مكتب أويدا "ستركّز فرقة العمل على مساعدة اللجنة في رسم خطوط تنظيميّة واضحة، وتوفير مسارات واقعيّة، وصياغة أطر إفصاح معقولة، واستخدام موارد الهيئة بطريقة حكيمة". وذكرت وكالة الأنباء رويترز، أن أويدا وبيرس على استعداد لبدء إصلاح سياسة التشفير لترامب من خلال بدء عمليّة وضع القواعد الّتي تنظّم السوق. ومن المتوقّع أيضًا أن يصدر ترامب قريبًا أوامر تنفيذيّة من شأنها أن تقلّل من التدقيق التنظيميّ لصناعة التشفير، وتساعد في تعزيز تبنّي الأصول الرقميّة.

من جهتها أشادت كوين بيس في تلك الخطوة، وقال بول جريوال، مسؤول الشؤون القانونيّة في الشركة في مقابلة "إنه يوم جديد، كنّا ندعو منذ سنوات لمساعدتنا من خلال صياغة قواعد للعملات المشفّرة. وعلى مدار السنوات الأربع الماضية، كانت الإجابة لا".

وقال جوناثان جاشيم، أحد كبار المسؤولين في شركة كراكين في بيان "هذه الخطوة الأولى نحو حلول سياسيّة حقيقيّة تشعرنا يالتشجيع" مضيفًا "نحن نتطلّع إلى مشاركتنا في وضع السياسات لترسيخ الوضوح في التنظيمات"

وأضافت هيئة الأوراق الماليّة والبورصات أنّ فريق العمل سيساعد المشرّعين أثناء صياغة التشريعات المتعلّقة بالعملات المشفّرة من خلال التنسيق مع الهيئات الفيدراليّة الأخرى، مثل لجنة تداول العقود الآجلة للسلع، بالإضافة إلى الوكالات الحكوميّة والأجنبيّة.

ردّ الفعل الأوّل: الحذر واجب مع ارتفاع بيتكوين

على إثر التطوّرات الأخيرة وتنصيب ترامب الرئيس الـ 47 للولايات المتّحدة والتغييرات الجذريّة في هيئة الأوراق الماليّة، اقتربت عملة البيتكوين، أكبر عملة مشفّرة في العالم، من أعلى مستوى قياسيّ لها في جلسة يوم الثلاثاء خلال تداولات متقلّبة.

وبلغت عملة البيتكوين أعلى مستوى قياسيّ لها عند 109071 دولارًا أميركيًّا يوم الاثنين عندما أدّى ترامب، رئيس العملات المشفّرة، اليمين الدستوريّة، وارتفعت أسعار البيتكوين بنسبة 3.8٪ بينما ارتفعت "إيثريوم" Ethereum، ثاني أكبر عملة مشفّرة، 1.4٪.

لم يتطرّق ترامب إلى سوق العملات الرقميّة في خطاب التنصيب، ويبدو أنّ هذا الأمر قد أضعف سوق العملات المشفّرة، ولو قليلًا. وحذّر بعض المحلّلين من التقلّبات في السوق، حتّى تبدأ إدارة ترامب بالفعل في الإعلان عن سياسات ملموسة طال انتظارها من قبل مجتمع صناعة العملات الرقميّة.

وقال جيفري كندريك، رئيس أبحاث الأصول الرقميّة في بنك "ستاندرد تشارترد"، "إنّ سوق الأصول الرقميّة يشعر بخيبة أمل لعدم ذكرها في خطاب التنصيب أو الأوامر التنفيذيّة في اليوم الأوّل". مضيفًا "أعتقد أنّ سعر البيتكوين سوف ينخفض ​​ما لم نتلقّ أيّ أخبار من ترامب بشأن الأصول الرقميّة. ويبدو أنّ الانخفاض إلى ما دون 100 ألف دولار أمر لا مفرّ منه".

بدوره، حذّر كينيث لامونت، الإداريّ في شركة "مورنينج ستار"، المستثمرين من القفز إلى تداول العملات المشفّرة دون أن يكونوا على علم بالمخاطر المترتّبة على ذلك. وقال لامونت يوم الثلاثاء "إذا أوفى دونالد ترامب بوعوده الانتخابيّة، فقد نرى أسواق العملات المشفّرة مستمرّة في الارتفاع. ومع ذلك، من الأفضل للمستثمرين مقاومة الخوف من ضياع الفرص والانتظار".

وتأتي تحذيرات المحلّلين بناء على التقلّبات الكبيرة في سوق العملات الرقميّة، فقد ارتفعت أو انخفضت عملة البيتكوين في السابق بآلاف الدولارات في يوم واحد. وتلك التقلّبات لا تستثني العملات الرقميّة البديلة مثل إيثريوم و "إكس آر بي".

ومن المتوقّع أن يصدر ترامب أوامر تنفيذيّة في الأيّام المقبلة من شأنها تعزيز الأطر القانونيّة للعملات الرقميّة. وفي حديثه إلى منتدى رويترز للأسواق العالميّة في بداية الاجتماع السنويّ للمنتدى الاقتصاديّ العالميّ في دافوس، قال جيريمي أليير، الرئيس التنفيذيّ لشركة العملات المستقرّة سيركل، إنّه يتوقّع أوامر تنفيذيّة وشيكة قد تسمح للبنوك بتداول العملات المشفّرة، وتقديم استثمارات مشفّرة للعملاء الأثرياء والاحتفاظ بها في محافظ.

التشريعات المهمّة المرتقبة

يشير الخبراء إلى أنّه في حين أنّ الإدارة الأميركيّة المنتخبة حديثًا قد تميل لصالح العملات المشفّرة، فإنّ معالجة القضايا المتعلّقة بالعملات المشفّرة ستتطلّب التعاون بين الكونغرس والهيئات التنظيميّة وأصحاب المصالح في الصناعة.

ولا يزال المشهد التنظيميّ للعملات المشفّرة مجزّأ وغير واضح. مثلًا، هل يعتبر البيتكوين والإيثريوم سلع تشرف عليها لجنة تداول السلع الآجلة أم أوراق ماليّة تخضع لهيئة الأوراق الماليّة والبورصات؟ هنا يكمن التعقيد والعمل الكبير من الإدارة الحاليّة ما يفتح المجال أمام الكثير من التكهّنات، ويجعل الأمر أكثر غموضًا، ممّا يترك شركات العملات المشفّرة محاصرة في "حقل ألغام" من عدم اليقين القانونيّ.

بالنسبة للشركات الناشئة، فإنّ المخاطر وجوديّة بشكل كبير. العملة الرقميّة المصنّفة كأوراق ماليّة تؤدّي إلى متطلّبات تسجيل وإعداد تقارير صارمة، في حين تواجه السلع الأساسيّة عقبات أقلّ. هنا، يمكن أن يؤدّي هذا التناقض إلى فوضى كبيرة فيما يخصّ القوانين وأوضاع الشركات القانونيّة.

وعلى الرغم من إلحاح هيئة الأوراق الماليّة والبورصات ولجنة تداول العقود الآجلة للسلع صراحة السيطرة على أسواق العملات المشفّرة، فمن المرجّح أن يأتي تشريع العملات المستقرّة أوّلًا نظرًا لارتفاعها. ومن الممكن النظر إلى المثال الأوروبّيّ بعد أن كانت أوروبا أوّل اقتصاد رئيسيّ يقرّ إطار عمل لترخيص العملات المشفّرة، وهو إطار عمل أسواق الأصول المشفّرة MiCA، الّذي تعامل أيضًا بشكل صريح مع العملات المستقرّة.

التشريع الثاني المهمّ لمجتمع العملات الرقميّة يأتي إجابة لسؤال: هل من الممكن أن يكون البيتكوين مخزونًا استراتيجيًّا للولايات المتّحدة؟ حسب مستشاري ترامب، فإنّ الاقتراح سوف يتضمّن الاحتفاظ بكلّ عملات البيتكوين الّتي تحتفظ بها الحكومة حاليًّا وتجميع المزيد منها لتعزيز أصول العملة المشفّرة في البلاد. وهذا من شأنه أن يضع الولايات المتّحدة في مكانة من أكبر "حامليّ" عملة البيتكوين، ممّا يزيد من الثقة العالميّة في قيادتها لسوق العملات المشفّرة.

ولكن، حتّى لو اكتسبت الفكرة زخمًا محلّيًّا ودوليًّا، فإنّ تنفيذها سوف يتطلّب تعاونًا غير مسبوق بين الكونغرس والاحتياطيّ الفيدراليّ ووزارة الخزانة. ومن المرجّح أن يكون هذا التعاون بعيدًا ومستبعدًا.

وكتب الرئيس التنفيذيّ لشركة "ريبل" براد جارلينجهاوس هذا الأسبوع في منشور على منصّة X الاجتماعيّة. "قل ما تريد، لكنّ تأثير ترامب يجعل العملات المشفّرة عظيمة مرّة أخرى من خلال حملته، وفي أولويّات اليوم الأوّل للإدارة". ويبدو أنّ الشركة تراهن بالفعل على الإجراءات الّتي من المتوقّع أن يعلنها ترامب.

ويشير المحلّلون إلى أنّ جذر المشكلة يكمن في أنّ العملات المشفّرة لا تتناسب بشكل كبير مع الأطر والتنظيمات الحاليّة. وقد يجذب موقف ترامب رأس المال والمواهب إلى الولايات المتّحدة، ولكن بدون إشراف كاف، إذ إنّ نفس السياسات الّتي تعدّ بالنموّ قد تعرّض السوق للمخاطر أيضًا.

ميلانيا ترامب تلتحق بالركب الرقميّ

والأحد الماضي، أطلقت السيّدة الأولى في البيت الأبيض، ميلانيا ترامب، عملة "ميم" مشفّرة عشيّة تنصيب زوجها رئيسًا للولايات المتّحدة. ويأتي هذا الإعلان بعد أن أطلق الرئيس المنتخب دونالد ترامب العملة المشفّرة $Trump الأسبوع الماضي ممّا أحدث ضجّة كبيرة في سوق الأصول المشفّرة.

ونشرت زوجة ترامب على منصّة التواصل الاجتماعيّ X يوم الأحد "تمّ إطلاق ميم ميلانيا الرسميّ! يمكنك شراء $Melania الآن"، وكما حدث مع عملة زوجها الأسبوع الفائت، تنصّ إخلاءات المسؤوليّة على مواقع الويب الخاصّة بكلّ من عملتي $Trump و$Melania على أنّها "ليست مخصّصة لتكون فرصة استثماريّة"

وفقًا لموقع "كوين ماركت كاب"، تبلغ القيمة السوقيّة الإجماليّة لعملة $Trump حوالي 12 مليار دولار، بينما تبلغ قيمة $Melania حوالي 1.7 مليار دولار.