أن تكون جنين محاصرة بين فكي كماشة عملية "حماية الوطن" للسلطة الفلسطينية من جهة، و"الجدار الحديدي" للجيش الإسرائيلي من الجهة الأخرى، يعني أن سلطة أوسلو تعاني حولا سياسيا خطيرا، أدى إلى انحرافها عن هدفها المزعوم "حماية الوطن"، وجعلها وكيل تنفيذ لخطة اليمين الإسرائيلي الرامية إلى حسم الصراع على هذا الوطن وإقامة الدولة اليهودية كما رسم حدودها زئيف جابوتنسكي، صاحب إستراتيجية "الجدار الحديدي". وهذا الاسم أطلقته إسرائيل بعناية تامة على حربها في جنين والضفة الغربية كرسالة لمشروع الحسم والضم كما يخططه اليمين الإسرائيلي.
نعم تحت أنظار السلطة الفلسطينية، تنفذ إسرائيل، في إطار توجهها لحسم الصراع، إستراتيجية القضم والسيطرة الاستيطانية. فقد شهدت الضفة الغربية منذ تشكيل الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو، بالشراكة مع بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، سلسلة من التحولات الواسعة، التي بدأت ترسم مشهدا جديدا على الأرض تطبقه هذه الحكومة بواسطة حشر الفلسطينيين في "كانتونات" تحيط بها البؤر الاستيطانية وما يسمى بالمزارع الرعوية، والتي وصل عددها في العام 2024 إلى ما يقارب 90 مزرعة، مستوحين هذا النموذج من سياسة تهويد النقب. وعليه تسارعت وتيرة البناء الاستيطاني، ليصل في العامين الماضيين إلى 30 ألف وحدة سكنية، حسب تقرير نشرته صحيفة "إسرائيل هيوم" مؤخرًا.
كما كانت القدس على موعد مع مخططات استيطانية ضخمة تشمل 9 آلاف وحدة استيطانية في مطار قلنديا، ومدرسة توراتية في الشيخ جراح، و1100 وحدة في بيت صفافا. وضمن مخطط تهويد حي بطن الهوى ببلدة سلوان، جنوب المسجد الأقصى، قررت إسرائيل القيام بتهجير قسري لـ26 عائلة مقدسية.
مع كل هذا، وفي مشهد مشبوه ومعر لما تبقى من ديماغوغية شعار "حماية الوطن"، انسحبت قوات السلطة من جنين بعد حصارها وقصفها لأسابيع، لتستبدلها القوات الإسرائيلية بحصار واجتياح شامل للمخيم، شمل طرد وترحيل أكثر من ثمانية آلاف مواطن بالقوة حتى الآن، وقتل أكثر من ثلاثة عشر شهيدا وجرح العشرات. وعمدت السلطة الفلسطينية بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي إلى طرد الصحافيين ومنعهم من تغطية الجرائم التي يشهدها مخيم جنين وغيره من المناطق المستهدفة في الضفة الغربية.
وأخطر من ذلك، تحت عيون السلطة، يهاجم المستوطنون ويحرقون القرى والممتلكات العامة، ويرهبون الناس ويقتلونهم، "وعينك ما شافت ولا أذنك سمعت يا سلطة"، ولم ترفع شعار عملية "حماية الوطن".
هل سمعتم في السلطة عن تقطيع أوصال الضفة الغربية وتحويل حياة الناس فيها إلى جحيم، من خلال إقامة 900 بوابة وحاجز عسكري تحاصر الضفة جغرافيا وديمغرافيا، منها 146 بوابة أقيمت بعد السابع من أكتوبر 2023، و17 أقيمت منذ بداية هذا العام، والمهمة لم تنتهِ بعد؟
هل سمعتم في السلطة عما يتحدث عنه الإعلام الإسرائيلي حول إقامة دولة سموتريتش في الضفة الغربية، خصوصا بعد اتفاق وقف إطلاق النار على جبهة غزة؟ وقبله ألغي شرط موافقة وزير الأمن في كل مرحلة من مراحل المضي قدما في خطط الاستيطان، وتُجُووِز اجتماع ما يسمى المجلس الأعلى للتخطيط أربع مرات فقط في السنة، بعقد اجتماعاته أسبوعيا للموافقة على الترويج لمئات من الوحدات السكنية في كل اجتماع، لبسط السيطرة الكاملة على المنطقة (ج) والتمدد نحو منطقة (ب)، بهدف سحب البساط النهائي من تحت أقدام السلطة والقضاء عليها.
خلاصة القول: إذا كانت السلطة الفلسطينية تبني على استلام الحكم في غزة بعد إبادة البشر والحجر فيها، فاليمين الإسرائيلي يخطط "يطلعها من الموسم بلا حمص". لا سلطة في الضفة ولا في غزة، وحينها ينطبق عليها المثل الشعبي: "جنت على أهلها ونفسها براقش".
اقرأ/ي أيضًا | وقف الحرب في عيون إسرائيلية وأميركية