فاجأت حركة حماس المراقبين في اليوم الأوّل من وقف إطلاق النار بظهور مسلّحين يتجوّلون بمركبات دفع رباعيّ في مدينتي خانيونس ودير البلح. تبع ذلك وبعد عدّة ساعات مشهد من ساحة السرايا وسط مدينة غزّة، ظهر فيه مسلّحون بزيّ عسكريّ يحملون سلاحًا خفيفًا، لباسهم بدا نظيفًا، وكذلك العربات الّتي لم يتجاوز عددها العشر في ذلك اليوم، في منطقة لا يوجد فيها شارع لم يتعرّض للدمار أو القصف.

لم تتوقّف التصريحات الإسرائيليّة العسكريّة والسياسيّة طيلة فترة الحرب بشأن توجيه ضربة قاسية للحركة، والإعلان في عديد من المرّات عن قتل العشرات من قادتها الميدانيّين والمئات من العناصر الّذين شاركوا في عمليّات التصدّي للقوّات الإسرائيليّة، الّتي كانت تتوغّل في مناطق القطاع من شماله إلى جنوبه.

ومع صمود وقف إطلاق النار حتّى اليوم، بدا سلوك حماس الميدانيّ على الأرض أكثر تركيزًا على الصورة الأسبوعيّة وقت تسليم الأسرى.

تختار حماس المكان، وتحرص على وجود رسائل من قبيل رمزيّة مفترقي السرايا وميدان فلسطين، أو منطقة العلمي في جباليا وميناء غزّة، أو منزل يحيى السنوار في خانيونس، وأخيرًا دير البلح وسط القطاع.

بالاقتراب أكثر من المشهد، ندرك أنّ الحركة أولت اهتمامًا متزايدًا في سنواتها الأخيرة لملفّ الإعلام. للحركة مكتب إعلاميّ مركزيّ يضمّ أقاليمها الثلاثة يرأسه عضو المكتب السياسيّ عزّت الرشق، وفي إقليم غزّة يرأس دائرتها الإعلاميّة القياديّ علي العامودي، الأسير المحرّر الّذي كان مقرّبًا جدًّا من قائد الحركة في غزّة يحيى السنوار، ويدير العمل الإعلاميّ التابع للحركة، ومنه شبكة الأقصى الّتي تندرج تحتها العديد من المؤسّسات، ومعها مؤسّسات أخرى تشمل صحفًا ومواقع إلكترونيّة ووكالات أنباء، وأضاف عليها مؤخّرًا العديد من المنصّات الإعلاميّة الرقميّة، وحاول تعزيز هذه المنصّات بالصحافيّين الّذين كانوا يعملون في إطار الشبكة، اعتقادًا منه بأهمّيّة الإعلام الرقميّ في الدعم والتحشيد لرؤية الحركة. كما كان للحركة في غزّة العديد من مجموعات الواتساب والتلغرام الّتي كانت تضمّ "جيش الحركة الإلكترونيّ".

الأسير المحرّر العامودي عمل قبل تولّيه رئاسة الدائرة الإعلاميّة لحماس في غزّة، في فضاء الإعلام العسكريّ، وظهر في أحد الوثائقيّات ذات العلاقة بالقسّام الّتي أنتجت من غزّة لصالح إحدى القنوات العربيّة.

تمتلك حركة حماس مكتبًا إعلاميًّا يتبع المكتب السياسيّ، وإعلامًا عسكريًّا يتبع قيادة كتائب القسّام، وجهاز عمل جماهيريّ، وحركة نسائيّة. يقدّر عدد العاملين في هذه التشكيلات والدوائر بالمئات إن لم يكن بالآلاف على مستوى مناطق قطاع غزّة.

جهاز استخبارات القسّام ووحدة الظلّ لهم دور بارز في اختيار الأماكن الّتي تحدّد لتسليم الأسرى، مع دور للقيادة السياسيّة في تحميل المشهد رسائل سياسيّة ما أمكن، ضمن إطار الحالة الأمنيّة المحيطة بعمليّة تسليم الأسرى الإسرائيليّين.

للحركة في غزّة عناصر جرى تدريبهم طيلة السنوات الماضية ليس فقط على حمل السلاح، بل حتّى على مهارات التصوير والمونتاج. وليس سرًّا بعد كلّ هذا الوقت من الحرب القول إن للقسّام ما كان يشبه شركة إنتاج إعلاميّ، معنيّة بالتصوير مع القيادات البارزة ومهتمّة بالضرورة بحالتهم الأمنيّة، وشكل ظهورهم، وكلّ ما يتبع ذلك من تفاصيل متعلّقة بتعديل الألوان والتعديل على الصوت وغيرها. كما للحركة مكاتب إعلاميّة فرعيّة معزّزة بأدوات وتقنيّات جيّدة جدًّا، إعلام الشمال، إعلام غزّة، والوسط والجنوب.

صحيح أنّ مقرّ قناة الأقصى الفضائيّة قصف في بداية الحرب، وهي القناة الّتي تعرّضت لأزمة ماليّة حادّة كادت توقفها في إحدى المرّات عن البثّ، لولا تدخّل رئيس المكتب السياسيّ للحركة في حينه، إسماعيل هنّيّة؛ لكنّ القناة حاولت الاستمرار بالبثّ من خارج القطاع بطرق مختلفة، وإن لم تكن بذات القدرات.

كما استفادت الحركة بالعموم من كوادرها الّذين كانوا يعملون في مؤسّساتها الإعلاميّة على اختلاف أشكالها، من خلال الفرص الّتي أتيحت لهم في وسائل إعلام عربيّة ودوليّة، وكانوا معروفين بأيديولوجيّاتهم الّتي حملوها معهم لتلك المنصّات ووسائل الإعلام الجديدة، الّتي تعاملت مع هؤلاء الصحافيّين بعدما منعت إسرائيل الصحافيّين الأجانب من الدخول لتغطية مجريات الحرب في غزّة، خصوصًا مناطق مدينتي غزّة والشمال.

ليس غريبًا على حركة حماس محاولة استخدام الصورة مرّة أخرى كأداة أساسيّة في الحرب، مستثمرة كلّ ما تمتلكه من أدوات تقنيّة وعناصر بشريّة.

في السنوات الأخيرة، دعمت الحركة إعلامها بالتدريبات، دعمتهم بالمعدّات أو ما توفّر منها، ورأينا كيف ظهرت الصور في الساعة الأولى من اقتحام المستوطنات في السابع من أكتوبر، ثمّ الصور من الأنفاق للأسرى، وعمليّات المقاتلين على الأرض في وضع خطير للغاية، ثمّ تصريحات المتحدّث باسم القسّام، أبو عبيدة.

نستطع معرفة من كلّ ما سبق ما تمتلكه الحركة من ماكينة إعلاميّة وعناصر بشريّة منظّمة أو موالية من كتّاب ومحلّلين وصحافيّين، وأنّ كلّ هذا كفيل بصناعة الصورة وتقييمها بين يوم وآخر، واستخلاص العبر وفق المعايير والأهداف الداخليّة الحزبيّة.

يسأل كثيرون عن جدوى هذه الصور في خدمة سكّان قطاع غزّة خصوصًا بعد الحرب، ويستطرد آخرون في شرح انعكاس ذلك على اليوم التالي، ويبحث آخرون في نوعيّة السلاح وقدرات الحركة المتبقّية بعد كلّ هذا القصف خاصّة السلاح الإستراتيجيّ، مثل الأنفاق أو الصواريخ الّتي كانت تبحث حماس عن قواعد اشتباك معيّنة بامتلاكها له، وكيفيّة إيصال الدعم الماليّ والعسكريّ للحركة من إيران بعد الظروف الجيوسياسيّة الّتي فرضتها الحرب على القطاع، وقدرة حماس على التسليح في ظلّ قدرتها على التجنيد. كلّ هذه القضايا فيها وجهات نظر، وكلّها في الحقيقة قضايا جادّة وغاية في الحساسيّة داخليًّا لضحايا الحرب، أو خارجيًّا.


*باسل خلف: صحافيّ في التلفزيون العربيّ