أثارت التحقيقات العسكرية الإسرائيلية في أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 موجة واسعة من الانتقادات، إذ خلصت التحقيقات الصادرة عن الجيش إلى استنتاجات وُصفت بـ"الجوفاء"، دون تقديم إجابات حاسمة حول أسباب الإخفاقات الكبرى التي أدت إلى انهيار المنظومة الأمنية والاستخباراتية خلال هجوم كتائب القسام.

تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"

ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة "هآرتس"، عُرض التحقيق على سكان كيبوتس "كفار عزة"، مساء الأربعاء، لكنهم رأوا أنه لم يُجب على السؤال الأساسي: أين كان الجيش؟ وأكدوا أن التحقيق لم يقدّم أي معلومات جديدة، متسائلين عن جدواه."

ووفقًا للتقرير، فقد اقتحم 250 عنصرًا من فصائل المقاومة الكيبوتس، بينما لم يدخل أي جندي إسرائيلي إليه قبل الساعة 08:30 صباحًا، في وقت كان فيه أفراد وحدة الحراسة المحلية يقاتلون بمفردهم، ما أسفر عن مقتل 7 من أصل 14 عنصرًا.

نتنياهو يرافق إيلون ماسك في زيارة ميدانية إلى "كفار غزة" (Getty Images)

وأشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إلى فشل المنظومة الاستخباراتية الإسرائيلية في توفير إنذار مسبق للتحذير من الهجوم. وأوضحت أن الجيش الإسرائيلي كان على دراية بوجود ثغرات استخباراتية خطيرة، لكن لم يتم اتخاذ أي خطوات حاسمة لمعالجتها.

وأشار الصحيفة إلى المنظومة الضخمة التي حققت في الإخفاق تحاول الإقناع بأن الجيش الإسرائيلي أجرى "عملية مطوّلة وعميقة"؛ إلا أن هذه العملية شابتها عيوب، حيث تفتقر التحقيقات إلى الكثير و"ما يغيب عنها أكثر مما يظهر فيها".

ما سبق الهجوم وغاب عن التحقيق

وأشارت "يديعوت أحرونوت" إلى وجود حدثين استخباريين بارزين سبقا هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ولم يتطرق إليهما الجيش الإسرائيلي في التحقيقات الرسمية، على الرغم من أهميتهما البالغة وما كان يمكن أن يترتب عليهما.

الحدث الأول الذي تحدثت عنه الصحيفة وقع في 17 آب/ أغسطس 2023، خلال اجتماع ترأسه مسؤول استخباراتي رفيع المستوى في شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، يتولى قيادة لواء تفعيل وحدات الشعبة، حيث تم استعراض التقييم الاستخباراتي حول مستوى "السيطرة الاستخباراتية" على قطاع غزة في النصف الأول من عام 2023.

وخلال الاجتماع، تم التحذير من أن الوسيلة الاستخباراتية الرئيسية التي تعتمد عليها إسرائيل لجمع المعلومات عن حركة حماس، المعروفة بـ"الأداة السرية"، تعاني من خلل كبير وتعمل بشكل محدود.

قوات الاحتلال في "كفار غزة" غداة هجوم القسام (Getty Images)

وصف المسؤول الاستخباراتي قدرة جمع المعلومات في غزة بأنه "متوسط على أفضل تقدير"، وقال إن "تحسنًا كبيرًا في الاستجابة للمهام المختلفة في قطاع غزة لن يحدث قبل نهاية الربع الأول من عام 2024"، وقال "من الضروري توضيح ذلك للقادة الكبار العسكريين العاملين في المنطقة، حتى يُؤخذ الأمر في الاعتبار عند اتخاذ القرارات التي تؤثر على القرارات العملياتية" المتعلقة بقطاع غزة.

وأشار التقرير ذاته إلى اجتماع آخر عُقد في 3 أيلول/ سبتمبر 2023، بحضور قائد القيادة الجنوبية اللواء يارون فينكلمان، وعدد من كبار الضباط في الجيش والشاباك وسلاح الجو، حيث تمت مناقشة "تحسين مستوى الجاهزية للمعركة".

وخلال الاجتماع، حذّر قائد "الشاباك" في المنطقة الجنوبية من أن "حماس" قد تبادر إلى تنفيذ ضربة مفاجئة عندما ترى أن الظروف مواتية لها"، داعيًا إلى عدم الاعتماد الكلي على الأنظمة الاستخبارية التقليدية.

وبالرغم من هذه التحذيرات الصريحة، لم يقم الجيش الإسرائيلي باتخاذ أي خطوات لتعزيز قواته في المنطقة، ولم يغيّر إستراتيجياته الأمنية. وبحسب التقرير، فإن المعلومات كانت متاحة، والجيش كان على علم بوجود مخاطر حقيقية، لكن القيادات لم تتعامل مع هذه التحذيرات بجدية، بل واصلت العمل وفق تصورات قديمة غير متماشية مع الواقع.

تدخل عسكري غير منظم

أما فيما يخص التدخل العسكري، فقد أشارت التحقيقات إلى أن القوات التي أُرسلت لاحقًا إلى "كفار عزة" لم تكن تحت قيادة موحدة، ولم يكن هناك تنسيق بين الوحدات المختلفة. ومع أن مئات الجنود وصلوا إلى المنطقة في وقت لاحق، إلا أن العمليات تركزت فقط في جنوب الكيبوتس، بينما بقيت مناطق أخرى دون أي تدخل حتى اليوم التالي.

(Getty Images)

وفي ما يتعلق بسلاح الجو، أوضح التقرير أن الطائرات الحربية "رصدت المسلحين وهم ينفذون الهجوم، لكن لم تصدر لهم أوامر بتنفيذ ضربات جوية مباشرة داخل الكيبوتس خوفًا من وقوع إصابات بين المدنيين"، الأمر الذي أدى إلى استمرار الهجوم لساعات طويلة دون تدخل فعال.

محاولات لاحتواء حجم الإخفاق

على الرغم من الانتقادات المتزايدة، أصرّ الجيش الإسرائيلي على أن التحقيقات كانت "عميقة وشفافة". إلا أن صحيفة "يديعوت أحرونوت" كشفت عن ضغوط سياسية وعسكرية لتقييد نطاق التحقيقات، وحصر المسؤولية في مستويات متوسطة داخل الجيش دون تحميل القيادات العليا أي مسؤولية مباشرة.

وفي هذا السياق، تحدث قائد وحدة 8200 في جهاز الاستخبارات العسكرية، يوسي شارئيل، خلال مؤتمر مغلق لكبار الضباط، مهاجمًا بشدة التحقيقات، معتبرًا أنها "محاولة لإلقاء اللوم فقط على الاستخبارات، في حين أن هناك إخفاقًا أوسع داخل القيادة العسكرية والسياسية".

وتشير النتائج النهائية للتحقيقات إلى أن الإخفاقات الأمنية التي سبقت 7 تشرين الأول/أكتوبر لم تكن مجرد ثغرات عابرة، بل كانت نتيجة لإهمال متواصل وتقديرات استخباراتية مغلوطة. ومع ذلك، فإن التحقيقات لم تتطرق إلى محاسبة أي من المسؤولين الكبار، كما لم تحدد أي تغييرات جذرية قد تمنع تكرار مثل هذا الإخفاق مستقبلاً.