واضح أنَّ الخيار الذي يضعه نتنياهو وحكومته أمام المقاومة وأبناء الشّعب الفلسطيني في قطاع غزّة، هو إمّا جهنم أو جهنم. وفي الواقع هو خيار يضعه أمام العرب كلهم وليس أمام قطاع غزة فقط.
نتنياهو انقلب على الاتفاق الذي يفترض بموجبه بِدء المرحلة الثانية من المفاوضات التي يجب أن تتوّج بإعادة جميع الأسرى والرهائن وإعلان وقف الحرب وانسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزّة.
انقلاب نتنياهو لم يفاجئ أحدًا، فهو يخطّط لاستعادة الرهائن والأسرى من خلال تمديد المرحلة الأولى، وذلك للتحرّر من الضّغط الدّاخلي لأهالي الأسرى والأصوات الدّاعمة لهم، ومن ثمّ اتّخاذ أي ذريعة لاستئناف الحرب لتحقيق أهدافِه، بالقضاء على حُكم حركة حماس ونزع سلاحها، وتهجير مئات آلاف المواطنين من شمال قطاع غزة، كمقدّمة لخطّة تفريغ قطاع غزّة من أكثر سكانه، وفق رؤية ترامب الذي يحلم باستثمار شواطئ قطاع غزّة وجغرافيتها لإقامة ما يسميه الريفيرا.
إذا رضخت حماس للطلب الإسرائيلي وأتمّت صفقة التّبادل كامتداد للمرحلة الأولى، تكون بهذا قد ألغت الجولة الثانية، وحينها فهي لا تملك أيّ ورقة ضغط لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق نار دائم.
وإذا رفضت واحتفظت بالرّهائن والأسرى، فإنّ نتنياهو وحكومته يتّخذونها ذريعة لفتح نار جهنّم بحجّة الضغط العسكري لإطلاق سراح الرهائن والأسرى، وهو ما يلوّح به ترامب كذلك، وفتح له مخازن السّلاح.
بإغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات الإنسانية عن قطاع غزّة الذي أعلنه، يعيد نتنياهو الحرب إلى بداياتها، وينذر بعشرات آلاف أخرى من الشُّهداء والضّحايا، وبمزيدٍ من الدّمار، وتهجير الناس مرة أخرى إلى "مناطق آمنة" إلى أن يتم التهجير النهائي.
الرّد العربي والدولي على مشروع التهجير ليس حازماً بما يكفي للرّدع.
هنالك حديث عن خطّة مصرية - عربية بإدارة قطاع غزة مع نزع سلاح حركات المقاومة وإخراج قادتها من قطاع غزة.
المقاومة التي دفعت الأثمان الباهظة جدا من كوادرها ومن أهالي القطاع سوف تحارب حتى النهاية، وهذه النهاية لن تكون قريبة، وقد تتحوّل إلى حرب استنزاف طويلة.
الشعور لدى حكومة نتنياهو وأجزاء واسعة من الشّعب في إسرائيل أنّها فرصة تاريخية قد لا تتكرّر، للإجهاز على القضية الفلسطينية، وذلك أنّ رئيس أعظم دولة في العالم يسعى إلى عالم متحلّل من القوانين الدولية التي عُمل بها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى اليوم، والتي تحترم حقّ الشُّعوب في تقرير مصيرها.
وعمليا لم يبق سوى منطق القوّة الذي يحكم العلاقات الدولية بين الشعوب والدّول.
ترامب يهدد بالانسحاب من هيئة الأمم المتّحدة، ومن معاهدة حلف شمال الأطلسي، فهو ليس بحاجة لهؤلاء الحلفاء المُكلفين!
هذا يعني أن العالم أمام حقبة جديدة من تاريخ العلاقات الدولية التي كانت حتى ورغم افتقارها للعدالة، ولكن كان هناك حدٌّ أدنى من الالتزام بالأعراف الدّولية.
ترامب يرفع شعار مصلحة أمريكا فوق الجميع، بمعنى أنّ أي علاقة دولية أو قضية لا تعود بالرّبح على الخزينة الأمريكية، فهي مرفوضة، إنّه يسعى لتحقيق الإمبراطورية الأمريكية الأقوى في كلّ العصور.
هنالك شعوب ضعيفة ومستضعفة ستدفع ثمن قانون الغاب، الأقوياء يقرّرون كيف توزّع ثروات الكون والأرض، وكيف ترسم الحدود بين الدّول.
ما يشجع نتنياهو الآن هو ضعف الجبهة اللبنانية بل خروجها من المعادلة، بعد الضربات التي تلقاها حزب الله، كذلك فإن طموح نتنياهو في سورية لم يتوقف عند حدود الجولان المحتل، فهو يراهن على الخلافات الطائفية في سورية، ويحاول إذكاءها، ودمغ الجولاني بالدّاعشية، ويراهن على ضعف الأردن واعتماده على الدّعم الأمريكي.
نتنياهو ومن حوله، يشعرون أنّ الفرصة مواتية لتحقيق الحلم باستكمال المشروع الصهيوني بتهجير شعب فلسطين إلى مصر والأردن، وتوسيع رقعة دولة الاحتلال وقضم أراضي سورية ولبنانية.
حركة المقاومة في قطاع غزّة في مأزق كبير، فالعودة إلى الحرب تعني المزيد من الدّمار والضّحايا من غير وجود أي مدّد عربي أو غيره للمقاومة المحاصرة منذ سنين.
لهذا تتمسّك بالورقة الأخيرة، في محاولة لمنع استئناف الحرب وذلك بالإصرار على بدء المرحلة الثانية من المفاوضات التي يفترض أن تفضي إلى إتمام تبادل جميع الرهائن والأسرى، وإعلان اتّفاق وقف إطلاق نار دائم والبدء في بناء قطاع غزة.
مصر والأردن والدّول العربية أعلنت رفض التّهجير، ولكن هذا الإعلان لا يمنع التهجير.
على العالم العربي كلِّه أن يعي خطورة المرحلة المقبلة على الجميع وأن يتصرف بمسؤولية وشجاعة ليس تجاه فلسطين فقط، فالخطر الذي يجتاح فلسطين لم يحد عن لبنان وسورية، ولن يحيدَ عن مصر والأردن ولا الدّول الأبعد منها. على العرب أن يختاروا الآن، إما جهنّم أو جهنّم.