أشارت دراسة موسعة صادرة عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، بعنوان "الأمن القومي لدولة إسرائيل – مفاهيم أساسية وسياسات للعامين 2025 – 2026"، أن على إسرائيل تحديث مفهوم الأمن القومي، بهدف "ضمان وجود إسرائيل كدولة آمنة ومزدهرة، ذات طابع يهودي وديمقراطي، مع أغلبية يهودية صلبة وحدود معترف بها بالإمكان الدفاع عنها".

تابعوا تطبيق "عرب ٤٨"... سرعة الخبر | دقة المعلومات | عمق التحليلات

واعتبرت الدراسة أن "الحرب غيرت وجه الشرق الأوسط، وحدث هذا التغيير على خلفية التغيير العالمي الذي يضع تحديات أمام الدول القومية الديمقراطية – الليبرالية"، وأن "العالم في صراع بين أولئك الذين يسعون إلى تقويض النظام القائم والقوانين التي تنظم عالمنا الاجتماعي – السياسي، وبين الذين يسعون إلى الحفاظ على العالم الذي ’يستند إلى قوانين’".

وأضافت أنه "في إطار هذا الصراع العالمي تتعالى وتجري في الشرق الأوسط منافسة على الهيمنة بين ثلاث مجموعات"، هي إيران ومحور المقامة؛ تركيا وقطر؛ ودول الخليج ومصر والأردن ومعها إسرائيل، ووصفها بأنها "الدول المعتدلة التي تتطلع إلى مستقبل أفضل ومشترك أيضا".

وتابعت الدراسة أن "تفكك محور المقاومة وضعف إيران النسبي من جهة، مقابل ضعف حماس وتقوض المؤسسة الفلسطينية من جهة أخرى، تنشئ مخاطر على إسرائيل، وكذلك فرص متنوعة في الوقت نفسه، التي تسمح، ربما لأول مرة، دفع رؤية سياسية – أمنية طموحة، تتمثل بتسوية الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني من موقع قوة واضح، ومن خلال إنشاء شبكة علاقات بين إسرائيل ودول الخليج البراغماتية، وتسهل عليها الحفاظ على ضعف إيران وعزلها. وبإمكان ذلك أن يكون أساسا لتأسيس كتلة إقليمية شرق أوسطية تمنح امتيازات في الحلبة الدولية لجميع الدول الأعضاء فيها".

وشملت الدراسة توصيات لإسرائيل. وجاء في التوصية المتعلقة بالحلبة الدولية، أن "على إسرائيل أن توثق علاقاتها مع الولايات المتحدة لتصل إلى درجة حلف دفاعي، وتعزيز دعمها من جانب الحزبين الأميركيين واليهود في الولايات المتحدة. وتقليص مخاطر عزل إسرائيل في الحلبة الدولية بواسطة إبراز القيم المشتركة بين إسرائيل وكتلة الدول الغربية الديمقراطية – الليبرالية. ومن شأن عملية سياسية في الحلبة الفلسطينية أن تساعد في هذا المجهود".

الدمار الذي ألحقته إسرائيل في بلدة كفر كلا في جنوب لبنان (Getty Images)

وفي إطار التوصيات المتعلقة بالحلبة الإقليمية، دعت الدراسة إلى أن "تستعد إسرائيل لثلاثة سيناريوهات مقابل إيران: سعي أميركي إلى اتفاق نووي جديد، وفي هذا السياق يتعين على إسرائيل الامتناع عن المعارضة ومحاولة التأثير على الاتفاق، بحيث يضمن ألا تحصل إيران أبدا على سلاح نووي؛ تقدم إيراني نحو القنبلة، الذي يستوجب هجوما فوريا من أجل إحباط البرنامج النووي، ويفضل بالتنسيق مع الولايات المتحدة؛ واقع متواصل من دون اتفاق ومن تقدم نحو القنبلة، ويتطلب سيناريو كهذا تصعيد سياسة الضغط الاقتصادي من أجل تطبيق الاتفاق، وإلى جانب ذلك مواصلة عمليات سرية هدفها إضعاف النظام في طهران".

وأوصت الدراسة بأن تستعد إسرائيل لثلاثة سيناريوهات مقابل سورية أيضا: "دولة إسلامية متطرفة بروح الإخوان المسلمين والسلفية الجهادية؛ استقرار الدولة، وبضمن ذلك تشكل نظام معتدل يسعى إلى استئناف علاقات سورية الدولية؛ أو كونفدرالية طائفية منقسمة وتحافظ على انعدام الاستقرار. ولذلك، على إسرائيل اتباع إستراتيجية مزدوجة في أي من هذه السيناريوهات، تشمل إنشاء علاقة سرية مع الحكم الجديد من أجل إدراك وتقدير اتجاهات التطور، وفي الوقت ذاته تعزيز الدفاع في هضبة الجولان، ومنع تهديد محتمل من جانب مجموعات إرهابية على طول الحدود والحفاظ على علاقات سرية مع مجموعات معتدلة".

وأضافت الدراسة أنه "يجب التعامل مع تركيا على أنها تهديد محتمل يستوجب متابعة وجهوزية أساسية، لكن ليس في إطار التهديد الذي يوجه بناء القوة العسكرية"، وذلك "على إثر التوتر المتصاعد مؤخرا بين تركيا وإسرائيل والدور الذي تؤديه أنقرة في منظومة الإسلام السياسي الإقليمية. وكذلك تنمية العلاقات الدبلوماسية والعمل من أجل إزالة المقاطعة التجارية التركية ضد إسرائيل".

ودعت الدراسة إسرائيل إلى مواصلة سياستها ضد حزب الله، من خلال "إحباط أي محاولة لتعزيز قوته باستخدام القوة لضمان نزع سلاح جنوب لبنان بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، في تشرين الثاني/نوفمبر العام 2024، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701. وينبغي السعي إلى تسوية الخلافات الحدودية بين إسرائيل ولبنان وحتى إلى اتفاق سلام بين الدولتين".

قوات إسرائيلية ودبابة في جنين (Getty Images)

وفي إطار التوصية بشأن الحلبة الفلسطينية، جاء أن "على إسرائيل السعي من أجل إعادة المخطوفين، حتى بثمن اتفاق وقف إطلاق وانسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة. وعلى إسرائيل أن تضمن، ليس من خلال اتفاق وقف إطلاق نار حصرا، الاحتفاظ بالمسؤولية الأمنية على قطاع غزة، على غرار نموذج مناطق B في الضفة الغربية، وبشرعية إحباط أي محاولة لإعادة بناء وتعزيز قوة حماس".

وأضافت الدراسة أنه "يجب نقل السيطرة المدنية في القطاع إلى لجنة فلسطينية لا تتماهى مع أي حزب، بدون ضلوع حماس أو فتح فيها، وأن تحظى اللجنة بدعم إقليمي ودولي وتركز على إعادة إعمار القطاع، في موازاة نزع سلاحه".

وتابعت الدراسة أن "على إسرائيل طرح خطة سياسية للانفصال بين إسرائيل وكيان فلسطيني مستقل. والنموذج المرغوب به لحل الانفصال يصاغ مجددا بسبب إخفاقات الماضي في دفع تسوية والوضع الجديد في هذه الحلبة، وأن يشمل مطلب إصلاح شامل في السلطة الفلسطينية. وفي موازاة بدء عملية تطبيع علاقات بين السعودية وإسرائيل، تُنفذ أيضا خطوات لبناء الثقة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية بعد إجراء إصلاحات فيها، تشمل تطبيق فعلي للانفصال الإقليمي والسلطوي والاقتصادي".

وشددت الدراسة على أنه "يجب عدم ضم منطقة إلى إسرائيل ليس في إطار تسوية سياسية إقليمية شاملة، إذا أن ضما ليس ضمن اتفاق لن يحسن أمن إسرائيل، قياسا بالوضع الراهن، بل سيعمق مخاطر عزلة دولية لإسرائيل وانتقالها إلى دولة ثنائية القومية ذات أغلبية عربية".

وجاء في توصيات الدراسة المتعلقة بالحلبة الإسرائيلية الداخلية، أن "إعادة المخطوفين ستساعد في ترميم المجتمع الإسرائيلي من الأزمة الخطير التي يواجهها، بينما التخلي عنهم في أسر حماس سيفاقم الأزمة".

مظاهرة حاشدة في تل أبيب ضد إضعاف القضاء (Getty Images)

وأضافت أنه "يجب تقليص انعدام المساواة في إسرائيل من خلال تشريعات، وخاصة قضيتي تحمل العبء الأمني (تجنيد الحريديين للجيش) والمكانة المدنية. وخلال ذلك يجب الامتناع عن تغيير التوازن بين السلطات في إسرائيل (خطة إضعاف القضاء) بدون توافق واسع، وبشكل يفاقم الشرخ الداخلي".

وحسب الدراسة، فإنه "يجب زيادة ميزانية الأمن بشكل تناسبي وفقط في إطار مفهوم أمني متفق حوله وسياسة أمن قومي حديثة، وليس كرد فعل على صدمة من الحرب السابقة. والواقع الأمني المحسن يسمح بتجمل المخاطرة في المجال الأمني بشكل يسمح برصد موارد متزايدة لمجالات التعليم والبنية التحتية والصحة والاقتصاد".