تسبّبت عودة السلطة إلى يدي دونالد ترامب الّذي يجاهر بتشكيكه في صحّة المخاوف المناخيّة، بدخول حياة العالم توم دي ليبرتو (40 عامًا) ومجال أبحاثه المتمحور خصوصًا على ظاهرتي "ال نينو" و"لا نينا"، في المجهول، على غرار باحثين كثر صرفوا من عملهم، أو أنهيت دراسات لهم عملوا عليها لسنوات عدّة.

فبريد الكترونيّ واحد بأسلوب بارد كان كافيًا لإنهاء عمل بحثيّ استمرّ نحو عشر سنوات لصالح الوكالة الأميركيّة لمراقبة المحيطات والغلاف الجوّيّ.

ويقول توم دي ليبرتو، وهو عالم متخصّص بالأرصاد الجوّيّة يعمل منذ العام 2010 كموظّف متعاقد ثمّ موظّف حكوميّ في الوكالة المرموقة المسؤولة عن التنبّؤات الجوّيّة وتحليل المناخ والحفاظ على المحيطات "من المرعب التفكير في ما تعنيه هكذا قرارات بالنسبة إلى العلم في الولايات المتّحدة".

وكحاله، صرف نحو 700 موظّف ومن المتوقّع إنهاء عمل أعداد أخرى، بما أنّ الوكالة تواجه هجومًا من الإدارة الأميركيّة الجديدة.

وقد اتّخذت السلطات قرارات بصرف جماعيّ لموظّفين في عدد كبير من الوزارات والوكالات الفيدراليّة مثل الوكالة الوطنيّة لمراقبة المحيطات والغلاف الجوّيّ (NOAA)، وحدّت من تواصل العلماء الأميركيّين مع نظرائهم الأجانب، وحذفت موارد وبيانات مناخيّة من المواقع الرسميّة وحتّى إلغاء مشاركة خبراء أميركيّين في المناخ في اجتماع للهيئة الحكوميّة الدوليّة المعنيّة بالتغيّر المناخيّ.

ويقول توم دي ليبرتو لوكالة فرانس برس "هناك خوف كبير في الحكومة"، معتبرًا أنّ الرسالة الموجّهة إلى الموظّفين واضحة "لا ينبغي التحدّث عن التغيّر المناخيّ".

قد تكون هذه القرارات مجرّد بداية. فالمحافظون الّذين يقفون وراء "مشروع 2025"، وهي خريطة طريق نأى دونالد ترامب بنفسه عنها خلال حملته الانتخابيّة ولكن يبدو أنّ إدارته تتبعها حاليًّا حرفيًّا، دعوا في الواقع إلى تفكيك الإدارة الوطنيّة للمحيطات والغلاف الجوّيّ (NOAA). ويرون أنّ الوكالة تشكّل إحدى "الجهات الرئيسيّة" لـ "التهويل المناخيّ".

وبعد عام قياسيّ في 2024 لناحية درجات الحرارة والكوارث المناخيّة، تحديدًا في الولايات المتّحدة، يثير هذا التهديد قلق الأوساط العلميّة بشكل كبير.

ويقول عالم المناخ في جامعة بنسلفانيا، مايكل مان، في حديث إلى وكالة فرانس برس "من دون الوكالة الوطنيّة لمراقبة المحيطات والغلاف الجوّيّ، سنتحرّك بشكل أعمى نحو هاوية مناخيّة".

ويوضّح أنّ الوكالة الفيدراليّة تؤدّي "دورًا أساسيًّا في مراقبة حالة غلافنا الجوّيّ، ومحيطاتنا، وغلافنا الجليديّ (كلّ الجليد الموجود في العالم) ومحيطنا الحيويّ (كلّ النظم البيئيّة)".

يقول ليونارد بورشيرت، وهو باحث مساعد في إحصاءات المناخ في جامعة هامبورغ في ألمانيا إنّ "الوكالة الوطنيّة للمحيطات والغلاف الجوّيّ توفّر بيانات ونماذج قيّمة لعلماء المناخ في العالم".

يحذّر المراقبون من أنّ إعاقة العمل تعرّض الأبحاث المناخيّة للخطر، مع تداعيات طويلة المدى إلى حدّ ما.

وحذّرت جمعيّة "أميركان ميتيورولوجيكل سوسايتي" من أنّ صرف الموظّفين، وهو قرار تمّ الطعن به أمام المحكمة، "يهدّد بالتسبّب في أضرار دائمة وله عواقب وخيمة على السلامة العامّة والرفاهية الاقتصاديّة والدور الرائد الّذي تؤدّيه الولايات المتّحدة في العالم".

فحتّى لو كانت جهات أخرى في الولايات المتّحدة أو على المستوى العالميّ توفّر بيانات ونماذج مناخيّة، تؤدّي "الوكالة الأميركيّة لمراقبة المحيطات والغلاف الجوّيّ دورًا مميّزًا" على ما تقول سارة كولي، الّتي كانت منسّقة لبرنامج عن تحمّض المحيطات قبل صرفها بشكل غير رسميّ.

وتشير إلى أنّ الجامعات والولايات والجمعيّات الّتي قد تتولّى المهمّة، لا تمتلك مثلًا الوسائل اللازمة لتنفيذ المهامّ نفسها المتعلّقة بالمحيطات الّتي تقوم بها الوكالة، وهي الجهة المحدّدة للكمّيّات المسموح بصيدها.

لا تمتلك أيضًا "طائرات صائدة للأعاصير"، في إشارة إلى المهمّات الجوّيّة الّتي يقوم بها العلماء في قلب العواصف لتحسين التنبّؤ بمساراتها.

ومع محدوديّة الموارد وتضاؤل الأدوات البشريّة، يمكن أن تصبح العواقب مأسويّة بسرعة، على ما يحذّر عدد كبير من الموظّفين الحاليّين أو السابقين للوكالة الوطنيّة للمحيطات والغلاف الجوّيّ (NOAA).

وتقول مهندسة طلبت عدم ذكر هويّتها خوفًا من خسارة وظيفتها، إنّ آثار عمليّات الصرف الأخيرة للموظّفين أصبحت محسوسة أصلًا. وقد خفض إلى النصف عدد أعضاء فريقها، المسؤول عن أقمار اصطناعيّة كثيرة تستخدم لوضع التنبّؤات الجوّيّة.

وتتابع "لن يتمّ إجلاء الناس في الوقت المناسب في حال وقوع كارثة طبيعيّة"، مضيفة "ثمّة مخاطرة بخسارة ممتلكاتهم وحتّى حياتهم".