المقاومة هي الحل للبقاء واسترداد الأراضي الفلسطينية
الشعب الفلسطيني عنيد .. والانقسام الداخلي ليس مبررًا
اتفاق أوسلو كان خطأ فادحًا لأنه لم يشترط وقف الاستيطان
الحرب على غزة خلقت جيلًا كاملًا يؤمن بالقضية الفلسطينية
المقاطعة سلاح قوي في مواجهة العدوان المستمر منذ عام
ثمّن الدكتور مصطفى البرغوثي - أمين عام المبادرة الوطنية الفلسطينية- مواقف دولة قطر الصلبة والداعمة للقضية الفلسطينية، وجهود الوساطة القطرية للوصول إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار في غزة، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية لسكان القطاع، والذي يتعرّض للعدوان الغاشم والمستمر منذ السابع من أكتوبر 2023.
جاء ذلك خلال الندوة التي نظّمها المركز القطري للصحافة أمس الأول، بعنوان: "تحديات القضية الفلسطينية في عهد ترامب"، وأدارها الإعلامي محمد الأنصاري، بحضور كوكبة من الإعلاميين والمتخصصين.
وحول تعليق دولة قطر وساطتها بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، قال د. البرغوثي: "قطر دولة مخلصة للقضية الفلسطينية، وبيان وزارة الخارجية القطرية كان بيانًا دبلوماسيًا، يفهم من ورائه أنه احتجاج على الموقف الإسرائيلي المتلاعب في جولات الوساطة".
وأضاف د. البرغوثي: " إنَّه لا أحد كائنًا من كان يستطيع أن يشكك بالموقف القطري، فقد كان البيان القطري بمثابة جرس إنذار لتداعيات التعنت الإسرائيلي على قبول مقترحات وقف إطلاق النار، واستغلال الاحتلال الوساطة لاستمرار العدوان".
6 تحديات
وتناول د. البرغوثي في مستهل حديثه التحديات الستة التي تواجه القضية الفلسطينية في عهد دونالد ترامب الفائز برئاسة الولايات المتحدة للأربع سنوات المقبلة، والتي تتمثل في: أنَّ إسرائيل فاشية، وتمارس الفاشية التي لا تقتصر على الحكومة، بل يمتد الأمر إلى فاشية الأحزاب الصهيونية والذي بدا جليًا ما بعد السابع من أكتوبر 2023، فالفاشية التي تمارسها إسرائيل لم يسبقها أحد إليها سوى ألمانيا، لا سيما أنهم يتحدثون عن فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية بكاملها؛ أي ضمها وتهويدها، كما يمارسون أخطر عملية تطهير عرقي؛ لتصفية القضية الفلسطينية، فحتى اللحظة تجاوز عدد الشهداء والجرحى الـ160 ألفًا؛ أي أكثر من 7% من سكان غزة.
وبمقارنة سريعة مع التعداد السكاني للولايات المتحدة الأمريكية يكون قد سقط خلال نفس المدة 23 مليونًا بين قتيل وجريح، وفرنسا وعلى مدار 5 سنوات خسرت 5% من مواطنيها، كما ألقت إسرائيل 86 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة أي أكثر بأربع مرات من القوة التدميرية للقنبلة النووية.
وقال: أما التحدي الثاني، فيتعلق بالإدارة الأمريكية الجديدة وعناصرها، فجميعهم إنجيلكانيون متطرفون، والأشد تطرفًا تصريحات السفير الأمريكي المرشح في إسرائيل مايك هاكابي، الذي قال: "لا يوجد شيء اسمه فلسطين، الفلسطينيون كيان مخترع للاستيلاء على أرض إسرائيل". وقال: " لا وجود للضفة الغربية بل هي يهودا والسامرة، وإن المستعمرات غير الشرعية هي مدن وبلدات إسرائيلية، ولا وجود للقانون الدولي، ولا وجود للقانون الإنساني الدولي، ولا قيمة لقرارات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية".
كما أنّ هناك تصريحًا لدونالد ترامب، قال فيه: " إنه اكتشف أن إسرائيل صغيرة وبحاجة للتوسع."!!. أما التحدي الثالث، فهو إقامة بعض الدول العربية علاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، والتحدي الرابع يتعلق بعجز أوروبا المنقسمة عن صنع شيء؛ بسبب مواقف فرنسا وألمانيا، والتحدي الخامس الانقسام الفلسطيني الفلسطيني، والتحدي السادس يتعلق بالنفَس الطويل لمقاومة المحتل لحماية الشعب الفلسطيني من الفناء.
سياسة براجماتية
وفي سؤال حول دور سياسة ترامب الخارجية في إدارة الأزمات، وخاصة الحرب على غزة وإمكانية إيقافها، أكد د. البرغوثي أنَّ السؤال ليس بإيقاف الحرب، والسؤال هو كيف ستوقف إدارة ترامب الحرب على قطاع غزة، فهذا الأهم، فهل إنهاء الحرب بإبقاء يد الاحتلال على قطاع غزة؟، هل سينعم العالم بالسلام مع وجود محتل؟، مشددًا على أهمية توحيد الصف العربي ومن قبله الفلسطيني، فالقادم لا يدعو للتفاؤل، لا سيما أن سياسة ترامب سياسة براجماتية مبنية على المصالح، وليس المبادئ.
وأجاب د. البرغوثي عما إذا كان هناك اختلاف بين سياسة ترامب وغيره من رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، فيما يتعلق بحل الدولتين، مؤكدًا أنَّه على مر التاريخ لم يُنفَ حق الشعب الفلسطيني في قيام دولته، في حين ترامب لا يرى سوى قيام دولة إسرائيل وتوسيع جغرافيتها، لافتًا إلى أنَّ اتفاق أوسلو 1993 كان خطأ فادحًا؛ لأنه لم يتم طرح شرط يقضي بمنع أو بوقف الاستيطان إذ كان عدد المستوطنين 121 ألفًا، أما الآن فقد بلغ عددهم 750 ألف مستوطن، فالمماطلة بموضوع حل الدولتين كانت الخديعة التي تقوم بها إسرائيل؛ لاستكمال التوسع، محذرًا في هذا السياق الشعب الفلسطيني من التهجير الطوعي أو القسري حتى لا يعاد سيناريو عام 1948.
واستطرد د. البرغوثي في حديثه قائلًا: " إنَّ الشعب الفلسطيني هو من يخوض الحرب الوجودية وليس المحتل، فهذه الحرب تعد الأخطر بعد نكبة 1948 بل أجدها أكثر ضراوة وتهديدًا للوجود الفلسطيني، لما يفعله الاحتلال من تهجير قسري، وإبادة جماعية، وممارسة التجويع كعقاب جماعي، والتطهير العرقي في غزة، ويقوم المستوطنون باعتداءات مستمرة على الضفة الغربية، حيث قام بن غفير بتوزيع 120 ألف قطعة سلاح جديدة على المستوطنين؛ لإرهاب سكان الضفة الغربية".
وعلق د. البرغوثي على سؤال يتعلق بالانتخابات الأمريكية ونتائجها ومدى تأثيرها على مسار الأحداث، لا سيما على الجاليات العربية في أمريكا، قائلًا: " إنَّ من فوائد الحرب على غزة، أنها أسهمت في شحن جيل بأكمله بأهمية القضية الفلسطينية، مستبشرًا بالأجيال الصغيرة من أبناء الجاليات العربية والفلسطينية على وجه الخصوص الذين كانوا شرارة المظاهرات في الجامعات الأمريكية، واستطاعوا بهذا الدور تسليط الضوء على القضية الفلسطينية، فاتضح وعيهم وعلموا قدرتهم في صنع التغيير".
وفي رده على سؤال يتعلق بالتوصيات التي رشحت عن قمة الرياض المتعلقة بإلزام إسرائيل بوقف إطلاق النار، وحظر تصدير السلاح، أكّد د. البرغوثي أنها جيدة إلا أنها غير كافية، مستشهدًا بقمة الرياض الأولى، عندما طالب الزعماء بكسر الحصار، قائلًا وقتها: " إنه يجب إرسال قافلة إغاثة لقطاع غزة تحمل 56 علمًا يتقدمها ممثلون عن الدول المتجهة لكسر الحصار"، إلا أن قرار كسر الحصار لم ينفذ لأنه لم يتبعه فعل.
وأشار د. البرغوثي خلال إجابته عما إذا كان هناك أي تغيير بمواقف الدول المجاورة، إلى أنَّ إسرائيل تمارس العناد، فمنذ 45 يومًا تمنع إسرائيل دخول أي غذاء أو دواء لشمال غزة، هناك أسر بأكملها تمحى، لافتًا - نقلًا عن شهادة أحد زملائه في بيت لاهيا - إلى أن إحدى الأسر وبعد استهداف منزلها الذي هدم على رؤوسها استمرت لـ36 ساعة تحت الأنقاض دون أن يتم إسعافها، فهناك أكثر من 167 ألف مريض، و112 ألفًا أصيبوا بالتهاب الكبد الوبائي، و25 ألف جريح سيموتون بسبب انعدام العلاج، و4 آلاف شخص بترت إحدى أطرافهم، منهم 1200 طفل، حيث إن إسرائيل استفردت بالشعب الفلسطيني.
الطريق إلى السلام
وأكد د. البرغوثي في إجابته عن سؤال كيف يكون الطريق إلى السلام، أنه يكون بالاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، والفلسطينيون شعب له الحق في الحرية والعيش بسلام وتقرير المصير، فمأساة الشعب الفلسطيني منذ أواخر القرن التاسع عشر، وهي مأساة لا مثيل لها.
المقاومة الحل
وحول خيار المقاومة للرد على الإرهاب الإسرائيلي، أكد د. البرغوثي أن حركة المبادرة الوطنية تؤمن بالمقاومة وفق القانون الدولي، فالمقاومة الشعبية نمط فعال، وهي من أهم الطرق للبقاء واسترداد الأرض، فالانتفاضة الأولى خير مثال على المقاومة، مؤكدًا ضرورة الصمود، والمقاومة، وتوحيد الصف الوطني، ومقاطعة المحتل وفرض عقوبات، وإعادة بناء التكامل بين أبناء الشعب الفلسطيني، وخرق صفوف الخصم، كما جرى في المظاهرات في أمريكا، وكيف كان عدد من الشباب الإسرائيليين يقفون إلى جنب الحق الفلسطيني، وخرق مؤسساتهم حتى ينال الشعب الفلسطيني حريته، فالشعب الفلسطيني شعب عنيد لن يستسلم، مؤكدًا أن هذه هي الفرصة الذهبية لعزل إسرائيل عن العالم.
سحب الاستثمارات
وعلق د. البرغوثي على المقاطعة وتأثيرها الإيجابي، مؤكدًا ضرورة الاستمرارية ومواصلة مقاطعة الشركات الإسرائيلية والأمريكية الداعمة، مع سحب الاستثمارات.
القانون الدولي
وعرج د. البرغوثي في حديثه على ما إذا كان سيشهد العالم على مقاضاة إسرائيل، قائلًا: "سنشهد تصاعدًا في المواقف ضد السياسة الإسرائيلية بعد مواقفها الفاشية في غزة، وارتكابها جرائم حرب من تطهير عرقي وإبادة جماعية، في ظل تقاعس المجتمع الدولي عن دوره، والقانون الدولي بات في مهب الريح، وما حدث في غزة وضع القانون الدولي على المحك".
فاشية ضد الصحفيين
واستعرض د. البرغوثي موقف إسرائيل العدائي من الإعلام الحر، وهذا بات جليًا في الحرب الحالية في قطاع غزة، رغم أن فاشيتها على الصحفيين منذ زمن منذ اغتيال شيرين أبو عاقلة، وقبل حادثتها أيضًا، كما منعت إسرائيل المراسلين الأجانب من التغطية في غزة، وقتلت 188 صحفيًا فلسطينيًا لإسكات صوتهم، والتعتيم على مجريات الحرب، بيد أنه لولا وسائل الإعلام الحرة، والناشطون الفلسطينيون لقتلت غزة في ظلام التعتيم الإعلامي.
الانقسام الفلسطيني
وتخلل الندوة إتاحة الفرصة أمام الجمهور لطرح أسئلتهم على الدكتور مصطفى البرغوثي، وكان أول هذه الأسئلة من الاستاذ سعد محمد الرميحي -رئيس مجلس إدارة المركز القطري للصحافة-، الذي رحب بالضيف، معاتبًا الضيف على انقسام وحدة الصف الفلسطيني، مؤكدًا لا جدوى منه في ظل وجود عدوان محتل يسعى إلى استغلال هذه الثغرة بكل ما أوتي، ليؤيّد البرغوثي ما قاله الرميحي في هذا السياق، موضحًا أنَّه لا حل سوى القيادة الوطنية الموحدة، كما يجب التخلص من وهْمين؛ وهم أن الإسرائيليين دعاة سلام، ووهْم أن الولايات المتحدة الأمريكية تلعب دور الوسيط بين الشعب الفلسطيني، وإسرائيل، مؤكدًا أن الانقسام ليس موضوعيًا، لا سيما أن الخلاف كان على السلطة.. فأين هي السلطة الآن؟!
مقاضاة إسرائيل
وطرح الأستاذ عبدالله بن حيي السليطي - نائب رئيس مجلس إدارة المركز القطري للصحافة-، سؤالًا حول ما إذا كانت السلطة الفلسطينية قد شكلت فريقًا لرفع قضايا أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد جرائم إسرائيل؟، وفي هذا السياق أكد د. البرغوثي قائلًا: "لدينا فريق منذ 6 سنوات، وهذا الفريق يضم ممثلين عن السلطة والمجتمع المدني الفلسطيني، وقد قدم للمحكمة الجنائية الدولية وثائق بالآلاف لإدانة إسرائيل، إلا أن حرب غزة اشتعلت وأضيف أيضًا الآلاف من الوثائق لإثبات ما يحدث في قطاع غزة والوثائق من قطاعات مدنية وحقوقية، وليست فقط حكومية"، لافتًا إلى أن المحكمة الآن عليها الدور الأكبر، وعليها إثبات دورها الحقيقي في ظل الضغوط التي تمارس عليها من قبل اللوبيات الإسرائيلية في عدم إدانة ما تقوم به إسرائيل، فإصدار قرار بأن ما تقترفه إسرائيل جريمة حرب، هنا ستقلب الموازين حتمًا لصالح الشعب الفلسطيني.
وانتقد د. البرغوثي في ختام حديثه ضعف ردود أفعال الدول العربية والإسلامية حيال ما يحدث في قطاع غزة، وقال: بتنا نخشى أن تعتاد الشعوب على ما يحدث في قطاع غزة وأن ينسوا وييأسوا من مواصلة دعم غزة كل حسب استطاعته، فلابد ألا يسود شعور الإحباط بين الشعوب، وخاصة الشباب منها، وعليهم أن يستمدوا القوة من عند الشعب الفلسطيني، فالشعب الفلسطيني عنيد، فإسرائيل بترسانتها وقنابلها ومسيراتها لم تهزم الشعب الغزي على مدار أكثر من عام، في حين سقطت فرنسا آنذاك بأربعة أسابيع، وغيرها من الدول، لذا على الجميع ألا يتخاذل وألا يستسلم، فالتاريخ لن يرحم أحدًا.
واختتمت الندوة بتسليم د. البرغوثي درع المركز القطري الصحافة، مكررًا شكره للمركز والقائمين عليه، مؤكدًا أهمية هذه الندوات في الوقت الحساس الذي تمر به منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما الحرب على غزة، كما سجل كلمة على لوحة قد وضعها المركز لضيوفه ليسجلوا كلماتهم المناهضة لتجريم الصحفيين، والمناهضة للحرب على غزة، والمتضامنة مع الحق الفلسطيني.