كانت الساعة تؤشر إلى الثانية عشرة منتصف الليل، عندما بدأ عوض أبو سمرة بثه المباشر عبر هاتفه النقال، منبهاً شبان بلدته ترمسعيا شمال رام الله، إلى وجود تجمع في المنطقة الشرقية لعشرات المستوطنين، الذين يستعدون لاقتحام البلدة، والقيام بأعمالهم التخريبية المعتادة، كحرق السيارات وتحطيم نوافذ المنازل وكتابة الشعارات العنصرية على الجدران.
«ديروا بالكم يا شباب.. اعملوا جولة حول البلد» قال أبو سمرة، مشدداً على أهمية التحلي بالسهر هذه الأيام، التي تشهد فيها عموم القرى والبلدات الفلسطينية اعتداءات وحشية لعصابات المستوطنين، وألحقت خسائر فادحة في الممتلكات.
يوضح أبو سمرة، وهو أحد نشطاء الانتفاضة الأولى، واعتقل خلالها مرات عدة، أن اعتداءات المستوطنين عادة ما تتم تحت جنح الظلام، فهم كالخفافيش، واعتداءاتهم تحمل العديد من الرسائل، وأهمها التضييق على المواطنين، لإجبارهم على ترك منازلهم وأراضيهم، ليتسنى لهم مصادرتها وإقامة المستوطنات عليها.
واستطرد في حديث مع «الشرق» بقوله: «بعد اعتداءات المستوطنين الأخيرة، ونظراً لأن بلدة ترمسعيا تحيط بها سبع مستوطنات، وعادة ما تشهد اعتداءات تخريبية من قبل المستوطنين، وبناء على خبرة ودراية سابقة في التعامل معهم، قمنا بتشكيل لجان للحراسة، كما جرت العادة خلال الانتفاضة الأولى، وشكلنا «غرفة طوارئ» لتسهيل عملية التواصل بين الشبان، كل في موقعه، وهدفنا حماية بلدتنا وأهلها».
يضيف أبو سمرة: «تجاربنا مع المستوطنين، إبان الانتفاضة الأولى ما زالت حاضرة، وهذه الأيام تفرض حضورها بقوة، نحن نقوم بواجب السهر والحراسة، ولا يقتصر عملنا على صد اعتداءات المستوطنين، فهناك برنامج طارئ، نزور من خلاله الأهالي الذين يتم الاعتداء عليهم، لرفع معنوياتهم، وجمع التبرعات لتعويضهم، ومساعدتهم في تجاوز الظروف والصدمات النفسية».
ويواصل: بدأ الأهالي يتفاعلون مع «غرفة الطوارئ» فيسهرون في منازلهم، وبدأنا نتلقى الاتصالات منهم بوجود حركة مريبة هنا، أو محاولة اقتحام هناك، وبناء على المستجدات على الأرض، وانسجاماً مع ما أفرزته من صعوبات، وجدنا أنه من الضروري التدخل، لوضع أهالي البلدة في صورة الموقف أولاً بأول، مشدداً: «لو كان في كل قرية فلسطينية لجان حراسة، لما تمكن المستوطنون من التسلل إليها وتدمير ممتلكات سكانها، ولا بد من إعادة الاعتبار لعمل هذه اللجان وتعميمها».
ودفعت اعتداءات المستوطنين، الشبان الفلسطينيين لتشكيل لجان الحراسة، التي جرى العمل بها خلال سنوات الانتفاضة الأولى، وكانت تعرف بمجموعات «العيون الساهرة» وكان هدفها رصد تحركات جيش الاحتلال وعصابات المستوطنين، والإعلان عنها عبر مكبرات الصوت، إذا لم يكن في حينه أي ظهور لمنصات التواصل الاجتماعي، كما هو الحال اليوم.
وأثبتت لجان الحراسة الليلية، نجاعتها في صد اعتداءات المستوطنين، ويعتبرها النشطاء الفلسطينيون الأداة الجماهيرية الأكثر فاعلية، لإفشال مخططات الاحتلال وأدواته وأجهزته العدوانية، وباتت تجربة عوض أبو سمرة ورفاقه في ترمسعيا، تنتشر وتتعزز في قرى وبلدات أخرى، خصوصاً تلك المحاذية للمستوطنات، لحماية الأهالي الآمنين، من اعتداءات رعاع المستوطنين.