دشنت وزارة البيئة والتغير المناخي مؤخرا استراتيجيتها القطاعية (2024 - 2030) تحت شعار "معا نحو بيئة مستدامة لمستقبل أفضل"، ضمن استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة، التي تشكل المرحلة الأخيرة من رؤية قطر الوطنية 2030 التي جعلت من التنمية البيئية واحدة من ركائزها الأربع.

تمثل هذه الاستراتيجية التي تشمل محاور البيئة والاستدامة والتكيف مع التغيرات المناخية، والبحوث والابتكار والتحول الرقمي، والحوكمة، والتطوير المؤسسي المستدام، خطوة محورية لتحقيق تطلعات الدولة، وفق نهج شاملة، فيما يتعلق بتأمين استدامة النمو الاقتصادي والاجتماعي.

وقد أكدت رؤية قطر الوطنية أنه لا يمكن تحقيق الاستدامة التي تتطلع إليها الدولة من دون رؤية بيئية شاملة، ولذلك تسعى الرؤية إلى "توجيه قطر نحو إقامة توازن بين الحاجات التنموية وبين حماية مواردها الطبيعية، برا وبحرا وهواء".

ويؤكد مختصون لوكالة الأنباء القطرية " قنا " أن دولة قطر تمضي في الطريق الصحيح لتحقيق التوازن المطلوب بين متطلبات التنمية والحفاظ على البيئة، بما يسهم في تأمين رفاه الأجيال الحالية والمستقبلية، إلى جانب دعم الجهود الدولية خاصة فيما يتصل بمواجهة تحديات تغير المناخ.

ويقول الدكتور حازم رحاحلة مدير وحدة الدراسات الاقتصادية بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، إن دولة قطر، ومع إطلاقها استراتيجيتها لحماية البيئة ومواجهة التحديات المناخية 2024-2030، تؤكد مجددا على التزامها واستجابتها للقضايا والتحديات العالمية المستجدة، كما أن هذه الاستراتيجية تندرج ضمن الدور التنموي والإنساني الذي تضطلع به قطر على المستوى الإقليمي والعالمي.

ويوضح الدكتور رحاحلة أن الحفاظ على البيئة ومواجهة التغيرات المناخية المتسارعة، هو مسؤولية عالمية مشتركة، ومبادرة الدول في التعامل معها، ما هي إلا تعبير صريح عن حس عال بالمسؤولية واهتمام بالقضايا الإنسانية.

ويؤكد أن الاستراتيجية بمحاورها الأربعة، التنفيذي، والبحثي، والتشريعي والسياساتي، بالإضافة الى المؤسسي، ستساعد بدون أدنى شك في ترسيخ ومأسسة الاعتبارات البيئية والمناخية في مختلف القطاعات ومجالات الحياة.. لافتا إلى أن اعتمادها لإطار زمني ينسجم مع رؤية قطر 2030؛ ما هو إلا تأكيد على تكاملية في الرؤية والأهداف.

ويشير إلى أن الاعتبارات البيئية والمناخية كانت حاضرة بقوة في العملية التنموية وفي النهضة العمرانية والخدماتية، خلال السنوات الأخيرة، مبينا أن التطور الكبير الذي شهده القطاع الزراعي على سبيل المثال هو دليل واضح على تقاطع الأهداف المناخية مع الأهداف القطاعية.

ويؤكد رئيس وحدة الدراسات الاقتصادية بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أن الاستراتيجية البيئية والمناخية لدولة قطر، تؤكد مضي الدولة قدما في هذا المسار المتوازن وإصرارها على جعله جزءا لا يتجزأ من المسيرة التنموية.

بدورها، تقول فرح القواسمي الباحثة المهتمة بمجالات الأمن الغذائي والتنمية الاجتماعية والاقتصادية بمركز دراسات الخليج بجامعة قطر، إن الاستراتيجية التي أطلقتها وزارة البيئة والتغير المناخي 2024-2030، تؤكد أن دولة قطر تتبنى نهجا شاملا في مواجهة تحديات تغير المناخ وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، مستندة إلى رؤية طموحة ومستدامة.

وتضيف أن هذه الاستراتيجية الجديدة تجسد تلك الرؤية والأهداف الطموحة للدولة؛ إذ إنها تهدف إلى تقليل البصمة الكربونية والحد من النفايات، مع التركيز على إعادة دمجها في الاقتصاد وتعزيز تجديدها داخل النظام البيئي القطري.

كما تشير فرح القواسمي إلى أن الاستراتيجية تسعى إلى تعزيز الاعتماد على الطاقة المتجددة، إلى جانب حماية الموارد الطبيعية والمحافظة على الحيوانات المحلية المهددة بالانقراض.

وتتضمن مستهدفات استراتيجية وزارة البيئة والتغير المناخي، خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 25 بالمئة بحلول عام 2030، واستعادة 30 بالمئة من مساحة الموارد الطبيعية المتأثرة بيئيا، وحماية 30 بالمئة من المناطق الجزرية والساحلية إلى جانب الحفاظ على 17 نوعا من الأنواع المتوطنة والمهددة بالانقراض.

وتؤكد القواسمي أن هذه المستهدفات تأتي لتضع قطر في صدارة الدول التي تسعى لتحقيق التوازن بين متطلبات التنمية وواجباتها تجاه التحديات البيئية على المستويين المحلي والعالمي.

وتضيف "من خلال إنشاء وتفعيل العديد من الهيئات المختصة، تعمل قطر على تبني منهجيات متقدمة تساهم في التحول نحو الاقتصاد الدائري، الذي يهدف إلى حماية المصالح البيئية الوطنية والدولية، وتطوير نماذج مستدامة، وتعزيز التحول في سلوكيات الاستهلاك المجتمعي".

من جانبه، يشير الدكتور عمار أبو لبدة أستاذ مشارك في الجغرافيا التطبيقية ونظم المعلومات الجغرافية بجامعة قطر، إلى أن دولة قطر بالرغم من أنها منتجة للنفط ومن أكبر منتجي الغاز في العالم، فإنها تسعى جاهدة إلى تنويع مصادر الطاقة والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة وفي هذا الإطار جاءت محطة الخرسعة التي ستغطي حوالي 10 بالمئة من الطلب على الكهرباء عبر الشبكة الوطنية، وهذا بدوره يؤدي إلى تقليل الانبعاث الكربوني.

كما يشير إلى نجاح قطر في زيادة المحميات الطبيعية، وزيادة المساحات الخضراء، وتعزيز خطط النقل المستدام من خلال المترو والحافلات والسيارات الكهربائية.. مضيفا "وبناء على هذه الجهود يمكن القول إن دولة قطر تسعى إلى أن تكون رائدة في مجال الحفاظ على البيئة والمساهمة في الجهود العالمية لمواجهة التغير المناخي".

وينبه الدكتور أبو لبدة إلى بعض التحديات البيئية التي تواجه دولة قطر، منها طبيعتها الصحراوية القاحلة وبعض الممارسات الفردية التي تتطلب توعية مجتمعية بأهمية الحفاظ على البيئة.. مؤكدا "قطر تمضي قدما في التغلب على هذه التحديات والحد من تبعاتها وأطلقت العديد من المبادرات الناجحة على هذا الصعيد".

إلى ذلك، تقول الدكتورة رنا الجوارنة أستاذ مشارك في نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد في برنامج الجغرافية التطبيقية بجامعة قطر، إن لدى دولة قطر العديد من الأهداف الطموحة على صعيد حماية البيئة والتكيف مع التحديات المناخية والتي تتجلى في الكثير من السياسات والخطط فضلا عن المشاريع الرائدة على الأرض.

وتضيف " شرعت قطر منذ سنوات في تحويل السياسات البيئية إلى مبادرات ومشاريع لا سيما على صعيد حماية البيئة الطبيعية والتنوع البيئي واستعادة المساحات الخضراء والحفاظ على المراعي الطبيعية".

وتوضح الدكتورة رنا الجوارنة " نحن كباحثين ومختصين نرى أن هناك جهودا جبارة ومشاريع رائدة تنفذها دولة قطر تطبيقا لسياساتها وخططها وتشريعاتها في مجالات حماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة ومواجهة التغير المناخي".

وتؤكد أن دولة قطر قادرة على تحقيق الأهداف الطموحة التي تتضمنها الاستراتيجية الجديدة لوزارة البيئة والتغير المناخي مثل خفض الانبعاثات الكربونية وحماية المناطق الجزرية والساحلية وغيرها من الأهداف، وتضيف" الخطوات رائدة والمؤشرات قوية للوصول إلى تنمية مستدامة في ضوء ما لمسناه كباحثين من جهود وسياسات تطبيقية ومشاريع رائدة مثل مشاريع الطاقة المتجددة".

وتشدد على أن من الأهمية بمكان في المرحلة الراهنة زيادة التوعية بأهمية الحفاظ على البيئة وتعزيز التكيف مع التغيرات المناخية، وأن تكون هناك حلول مستدامة حتى على المستوى الفردي والمؤسسي، إلى جانب تشجيع البحث العلمي والريادة والابتكار في مجال البيئة والتغير المناخي الذي تحقق قطر تقدما كبيرا فيه، ما يجعل هذه الجهود شاملة ومتكاملة وقائمة على رؤى مدروسة قابلة للتطبيق.