ترأست دولة قطر، اليوم، الاجتماع الوزاري الثاني لأجهزة إنفاذ قوانين مكافحة الفساد في الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي، الذي استضافته هيئة الرقابة الإدارية والشفافية، ووقعت على اتفاقية مكة المكرمة المختصة في مجال إنفاذ قوانين مكافحة الفساد في الدول الأعضاء بالمنظمة.
وفي كلمته الافتتاحية، أكد سعادة السيد حمد بن ناصر المسند رئيس هيئة الرقابة الإدارية والشفافية، مواصلة العمل على تعزيز التعاون والتكامل بين دول منظمة التعاون الإسلامي في مجال مكافحة الفساد، والذي يعتبر آفة كبيرة ويمثل تحديا حقيقيا للأمن والسلام العالميين، مما يحتاج إلى تكثيف الجهود لوضع استراتيجيات فعالة وبرامج وخطط تنفيذية للقضاء على الفساد بكافة أشكاله وتحقيق التنمية المستدامة.
ونبه سعادته إلى أهمية إدراك أن مكافحة الفساد ليست مجرد شعارات أو نصوص دينية، بل هي منظومة متكاملة تقوم على قيم العدالة، والأمانة، والنزاهة والشفافية، كما أنها ليست واجبا فقط، بل هي مسؤولية اجتماعية وجماعية تتطلب من الجميع، حكومات ومؤسسات وأفراد، التكاتف والعمل بجدية وإخلاص لتحقيق مجتمع يمتاز بالنزاهة والشفافية مما يبرز ويفعل ويمكن دور المجتمع المدني في هذا المجال.
ولفت سعادته إلى تحقيق دول منظمة التعاون الإسلامي العديد من الإنجازات في مجال مكافحة الفساد، سواء من خلال سن التشريعات اللازمة وتعزيز الأطر القانونية، أو عبر تأسيس هيئات رقابية قوية وفعالة، إلا أن التحديات ما زالت قائمة وعلى الجميع مواصلة العمل على تعزيز منظومات النزاهة والشفافية وتطوير آليات الرقابة والمحاسبة، مؤكدا حرص دولة قطر على إعطاء أهمية كبيرة للتعاون الدولي والمنهج التشاركي في مكافحة الفساد، والتزامها بتعزيز الشراكات الدولية من خلال إبرام العديد من مذكرات التفاهم مع المؤسسات الإقليمية والدولية والجهات المعنية بمكافحة الفساد في العالم.
وأشار سعادته إلى أن اتباع هذا النهج التشاركي في الوقاية من الفساد ومكافحته يمكن من الإلمام بكافة جوانب تلك الظاهرة المدمرة، والوقوف على أسبابها الحقيقية، وتشجيع جميع الأطراف المعنية على المشاركة بفاعلية في مكافحتها، موضحا أن هذه المبادرات تعكس التزام دولة قطر الراسخ بتعزيز الالتزام الدولي وتبادل الرؤى والأفكار، ووضع خطط عمل مشتركة تسهم بدورها في تحقيق نموذج ملموس للتنسيق الدولي والتعاون في سبيل القضاء على الفساد بكافة صوره وأشكاله.
ونوه سعادة رئيس هيئة الرقابة الإدارية والشفافية إلى ظهور دولة قطر كشريك موثوق به في تحقيق أعلى مستويات النزاهة وتعزيز الحوكمة الفعالة، كما أن اتباع هذا النهج التشاركي في العديد من دول العالم يأتي بفضل القيادة الحكيمة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، والتي خطت الطريق في تعزيز الجهود الوطنية للنزاهة والشفافية، واتخاذ جهود واضحة ومبنية على أسس راسخة وتشريعات صارمة تساهم بدورها في تحقيق رؤية قطر الوطنية 2030 والتي تهدف إلى بناء مجتمع نزيه يعزز من فرص التنمية المستدامة.
وأبرز سعادته إصدار دولة قطر العديد من الأدوات التشريعية التي تستهدف إبراز وإشراك فئات المجتمع كافة في الجهود الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته، ومنها على سبيل المثال لا الحصر إجراء التعديلات على كل من قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية، وإصدار قانون حماية المجني عليهم والشهود ومن في حكمهم، وميثاق سلوك ونزاهة الموظفين العموميين، وإصدار قانون تنظيم الحق في الحصول على المعلومات، كأدوات تشريعية تم إعدادها وفقا لأحدث المعايير وأفضل التجارب الدولية.
وبين سعادة السيد حمد بن ناصر المسند أن هذا الاجتماع يعد فرصة ثمينة لتعزيز التعاون الإقليمي والدولي في مجال مكافحة الفساد، معبرا عن اعتقاده بأن ما سيتم التواصل إليه من توصيات ومقترحات سيسهم بشكل فعال في محاربة الفساد وبناء نظام إداري ومؤسسي يكون أساسه العدل والإنصاف والمساواة.
وأعرب سعادته عن أمله أن يكون هذا الاجتماع وما يتبعه من اجتماعات ومناقشات وأعمال مشتركة مناسبة لتبادل الخبرات والأفكار والتصورات، موضحا أن دولة قطر ماضية في جهودها الوطنية ودعمها للجهود الدولية لمكافحة الفساد، وترحب دوما بمشاركة خبراتها مع الدول الشقيقة والصديقة.
وفي ختام كلمته، دعا سعادة السيد حمد بن ناصر المسند رئيس هيئة الرقابة الإدارية والشفافية المشاركين في الاجتماع للمشاركة في الدورة الحادية عشرة لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد الذي سيعقد في الدوحة من 15 إلى 19 ديسمبر 2025، والذي سيجمع ممثلين من جميع أنحاء العالم، ويعد فرصة فريدة، ليس لقطر وحدها، بل للدول جميعا، للقيام بدور أكثر فاعلية في الحوار الدولي حول مكافحة الفساد وتبادل الخبرات والممارسات الفضلى في هذا المجال.
بدوره، أوضح سعادة السيد حسين إبراهيم طه الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، أن اعتماد اتفاقية مكة المكرمة في هذا الاجتماع (الاجتماع الوزاري الثاني لأجهزة إنفاذ قوانين مكافحة الفساد في الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي) تم الاسترشاد فيه بالمبادئ والأهداف الواردة في ميثاق منظمة التعاون الإسلامي، لا سيما المادة التي تنص على التعاون في مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره، والجريمة المنظمة، والاتجار غير المشروع بالمخدرات، والفساد، وغسل الأموال، والاتجار بالبشر، مشددا على الحاجة إلى إطار قانوني لتسهيل التعاون بين سلطات إنفاذ قانون مكافحة الفساد في الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي أكثر من أي وقت مضى، وقد تم صياغة هذه الاتفاقية لمعالجة هذه الضرورة الملحة.
وبين سعادته أن اتفاقية مكة المكرمة ليست مجرد وثيقة قانونية بل هي دليل على مدى الالتزام الجماعي بتعزيز التعاون حيث تركز على دعم التعاون بين سلطات إنفاذ قانون مكافحة الفساد، مع التركيز بشكل خاص على تعزيز آليات الاتصال وتبادل المعلومات وتسريع التحقيقات وجمع الأدلة، مع ضمان المعالجة السريعة والفعالة لطلبات تبادل المعلومات والتحقيقات بين الدول الأعضاء لدعم العدالة الجنائية وضمان مساءلة مرتكبي الفساد.
وقال سعادته "إننا نعيش في عالم لم تعد فيه تدابير مكافحة الفساد التقليدية كافية، وقد زودت الوتيرة السريعة للتقدم التكنولوجي الجناة بأدوات جديدة لحركة المرور وإخفاء عائدات الفساد والإفلات من العقاب، وقد أدى هذا التطور التكنولوجي إلى تفاقم طبيعة الفساد التي لا حدود لها، مع تسهيل وصوله بشكل متزايد من خلال العالم الافتراضي الذي أتاحته التكنولوجيا، ما أثار المخاوف في منتديات دولية مختلفة مثل المنتدى الاقتصادي العالمي والمفوضية الأوروبية والأمم المتحدة، والتي أدركت أن مكافحة الفساد على المستوى الوطني وحده أصبحت تشكل تحديًا متزايدًا".
وأضاف "لذلك توجب على منظمة التعاون الإسلامي تعزيز التعاون والتنسيق، ولا سيما بين سلطات إنفاذ قانون مكافحة الفساد في الدول الأعضاء لمواجهة هذا التحدي العالمي"، معتبرا أن اتفاقية مكة المكرمة هي الإطار الأنسب الذي يمكن من خلاله تحقيق هذا التعاون المتزايد، وتشكيل منصة لسلطات إنفاذ قانون مكافحة الفساد في الدول الأعضاء للعمل سويا وبفاعلية أكبر، والتصدي للفساد بجبهة موحدة، "ومن خلال تعزيز الشراكات، فإننا لا نضمن فقط معالجة الفساد بشكل أكثر كفاءة، بل نعزز أيضًا قيم النزاهة والشفافية داخل مؤسساتنا".
وأثنى سعادة السيد حسين إبراهيم طه، على الجهود المبذولة والاهتمام الملحوظ بتعزيز روابط أوثق بين سلطات إنفاذ القانون في الدول الأعضاء في المنظمة، مذكرا بالمبادرة المشتركة بين المملكة العربية السعودية وجمهورية المالديف لعقد ملتقى دولي حول "تعزيز النزاهة في قطاع السياحة"، والمقرر عقده العام المقبل في جمهورية المالديف، حيث تهدف هذه المبادرة إلى معالجة الأساليب الحديثة والثغرات التي يستخدمها مرتكبو الفساد في صناعة السياحة، وستوفر فرصة حيوية لسلطات مكافحة الفساد وللهيئات الأخرى ذات الصلة لتبادل الخبرات والتجارب، وهذا مثال واضح على الفوائد التي يمكن أن تنشأ عن تعزيز التعاون.
ونبه سعادته إلى أن هذا الاجتماع الوزاري فرصة حاسمة لتعزيز الالتزام بمكافحة الفساد وذلك من خلال تعزيز التعاون بين سلطات إنفاذ القانون المعنية بمكافحة الفساد، والتأكيد على أن مكافحة الفساد لا تزال تشكل أولوية قصوى على جدول أعمال المنظمة، مشيرا إلى أنه من خلال العمل الجماعي، يمكننا كبح آفة الفساد التي تقوض الحكم الرشيد وتعوق جهود التنمية المستدامة وتهدد مستقبل المجتمعات.
وحث سعادة أمين عام منظمة التعاون الإسلامي، جميع الدول الأعضاء على إظهار التزامها بمكافحة الفساد من خلال توقيع اتفاقية مكة المكرمة والتصديق عليها، مبينا أنها ليست فقط مجرد اتفاق رسمي، ولكنها وسيلة لخلق التآزر وتعزيز الشراكات وتكثيف الجهود المتضافرة للحد من الفساد، حيث قال في هذا السياق "سوف يكون للعمل المشترك بين سلطات إنفاذ قانون مكافحة الفساد آثار بعيدة المدى على الأداء المؤسسي للدول الأعضاء وتوطيد الحكم الرشيد وحماية القيم التي تقوم عليها مجتمعاتنا وضمان مستقبل أفضل للجميع".
من جهته، ثمن سعادة السيد مازن بن إبراهيم المهموس رئيس هيئة الرقابة ومكافحة الفساد في المملكة العربية السعودية، جهود دولة قطر ومبادرتها لاستضافة الاجتماع الوزاري الثاني لأجهزة إنفاذ القانون المختصة بمكافحة الفساد في الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، لافتا إلى أن هذا الاجتماع يأتي في خضم أحداث مأساوية مستمرة، في ظل ما يتعرض له الأشقاء في كل من فلسطين ولبنان من اعتداءات غير مسبوقة، وانتهاكات إسرائيلية راح ضحيتها آلاف الشهداء والجرحى والمفقودين، غالبيتهم من النساء والأطفال.
وأكد سعادته التزام بلاده بالعمل الإسلامي المشترك، حيث استضافت مبادرة التحالف الدولي لحل الدولتين، إلى جانب عدد من الاجتماعات الوزارية الأخرى ، في وقت لا تزال اللجنة الوزارية برئاسة المملكة تجوب العالم حاليا، دعما لحقوق الشعب الفلسطيني العادلة، حيث قال "إنه انطلاقا من حرص المملكة العربية السعودية الدؤوب نحو نقل التجارب وتبادل الخبرات، فقد بادرت المملكة خلال يومي 20 و21 ديسمبر 2022 باستضافة الاجتماع الوزاري الأول لأجهزة إنفاذ القانون المختصة بمكافحة الفساد في الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، والذي أسفر عنه إقرار اتفاقية مكة المكرمة للدول الأعضاء بالمنظمة في مجال إنفاذ قوانين مكافحة الفساد، والذي يجسد اهتمام الدول الأعضاء بتعزيز التعاون في تبادل المعلومات والتحريات بين سلطات إنفاذ القانون على نحو يتسم بالكفاءة والسرعة، وبما يسهم في استرداد الموجودات وإعادتها".
وأشار سعادته إلى إدراك المملكة تداعيات جريمة الفساد العابرة للحدود، وأثرها على المجتمعات الإسلامية ونهضتها، مبينا أنه لذلك يمثل تضافر الجهود على الصعيدين المحلي والدولي لمكافحة تلك الآفة، ركيزة أساسية لتحقيق رؤيتها 2030 بما يحقق الرخاء والازدهار في دولنا الإسلامية ويدعم أهداف التنمية المستدامة فيها.
وفي ذات الإطار، أبرز سعادة السيد مازن بن إبراهيم المهموس، أن اتفاقية مكة المكرمة للدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، تعد الإطار الأمثل لتعزيز جهود مكافحة الفساد وتعزيز التعاون الدولي في هذا المجال، منوها بالقرار الصادر عن الدورة الخمسين لمجلس وزراء الخارجية المنعقد في جمهورية الكاميرون بتاريخ 29-30 أغسطس 2024 الذي تضمن حث الدول الأعضاء على الإسراع بالتوقيع على اتفاقية مكة المكرمة للدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي في مجال إنفاذ قوانين مكافحة الفساد خلال هذا الاجتماع واتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة للمصادقة عليها.
وأشار سعادته إلى أن قرار وزراء الخارجية تضمن الترحيب بالمبادرة المشتركة بين المملكة العربية السعودية وجمهورية المالديف لعقد ملتقى دولي تحت شعار "النزاهة في مجال السياحة" والذي سيعقد في العام 2025 في جمهورية المالديف بالتعاون مع الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي.
وفي السياق ذاته، أضاف أن قرار وزراء الخارجية دعا الدول الأعضاء للمشاركة الفاعلة في هذا الملتقى لتكثيف التعاون المشترك فيما بين الدول الأعضاء، لافتا إلى أن عملية قياس الفساد مهمة معقدة ومتعددة الأبعاد، حيث لا يوجد حاليا مؤشرات مرجعية وموضوعية تقيس جهود دولنا في مكافحة الفساد تلبي طموح دولنا وتطلعاتها، وتقدم توصيات عملية بهذا الجانب، مبينا أن المملكة العربية السعودية عملت بالشراكة مع المنظمات الدولية المختصة على وضع منهجيات ومؤشرات لقياس الفساد.
وأعرب سعادة رئيس هيئة الرقابة ومكافحة الفساد في المملكة العربية السعودية، في ختام كلمته، عن تطلعه لاعتماد مخرجات هذا الاجتماع، بما يعزز تحقيق المصالح المشتركة للدول الاسلامية لمواجهة هذه الآفة والحد من الملاذات الآمنة لمرتكبي جرائم الفساد.
وكان في بداية الاجتماع، قد تم تشكيل هيئة المكتب المعنية بمتابعة تنفيذ القرارات الصادرة عن اجتماعات أجهزة إنفاذ قوانين مكافحة الفساد في الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي، لتتولى دولة قطر رئاستها، وجمهورية أذربيجان نائبا للرئيس عن المجموعة الآسيوية، وجمهورية السنغال نائبا للرئيس عن المجموعة الإفريقية، ودولة فلسطين نائبا للرئيس، والمملكة العربية السعودية مقررا.
جدير بالذكر أن هيئة الرقابة الإدارية والشفافية، نظمت أمس معرضا مصاحبا للاجتماع الثاني لأجهزة إنفاذ قوانين مكافحة الفساد في الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي.
وتضمن المعرض عددا من الأجنحة، من بينها جناح لوزارة الثقافة، وجناح لوزارة الرياضة والشباب، وجناح لشبكة العمليات العالمية لسلطات إنفاذ القانون المعنية بمكافحة الفساد (GLOBE Network)، إضافة إلى جناح مخصص للرقابة الإدارية والشفافية.