تتسم العلاقات الثقافية بين دولة قطر وشقيقتها سلطنة عمان بخصوصية جعلتها نموذجا فريدا في العلاقات بين الدول والشعوب، انطلاقا من مشتركات ثقافية وتراثية راسخة تمتد إلى جذور تاريخية.
وتجسد هذه العلاقات الثقافية بين دولة قطر وسلطنة عمان توجّه القيادة الحكيمة في كلا البلدين نحو تطوير دائم لآفاق هذه العلاقات، لتعزيز التعاون في مختلف المجالات الثقافية، بكل ما تشهده الثقافة من ثراء وتنوع، يخلف تعاونا خلاقا في هذا الشأن.
ويلبي هذا التعاون طموح المبدعين إلى آفاق أرحب، ليكون انعكاسا لعمل ثقافي ينطلق من تاريخ مشترك، ويساهم في تعزيز استراتيجية التعاون الثقافي بين البلدين، التي تستند إلى الاتفاقيات الثنائية، حيث وقعت دولة قطر مذكرتي تفاهم مع سلطنة عمان لتعزيز تعاون البلدين في المجالين الثقافي والرياضي، وذلك خلال اجتماعات الدورة الثانية والعشرين للجنة القطرية العمانية المشتركة، التي عقدت في العاصمة العمانية مسقط، في نوفمبر 2023م، بالإضافة إلى الاتفاقيات الموقعة ضمن إطار مجلس التعاون لدول الخليجية العربية، حيث تشكل الاستراتيجية الثقافية لدول مجلس التعاون (2020 ـ 2030م) المرجعية الرئيسية المنظمة للعمل الثقافي بين دول الخليج العربية، ومن بينها سلطنة عمان ودولة قطر، وهناك لجنة ثقافية مشتركة مكلفة بوضع الخطط السنوية للفعاليات والأنشطة الثقافية المشتركة.
ولا يقتصر التعاون الثقافي بين دولة قطر وسلطنة عمان على الاتفاقيات الموقعة فقط، بل له جذور تاريخية تشمل مجالات عديدة، حسب الباحث في التراث العماني محمد بن عامر العيسري، الذي يؤكد أن التعاون الثقافي بين دولة قطر وسلطنة عمان قديم، وقد شمل العديد من المجالات أهمها المخطوطات والمطبوعات والنشر والتعليم ومصادر البحث التاريخي، على نحو اعتناء مؤسسات قطر، ممثلة في دار الكتب القطرية ومكتبة قطر الوطنية في صون تراث المخطوطات العمانية وطباعة آثارها الثقافية والأدبية.
وتجسد هذا الاعتناء فيما تزخر به دار الكتب القطرية من نفائس وكنوز عمانية، تمثل قيمة حضارية كبيرة، وذلك في مثال حي على التعاون الثقافي الرائد بين البلدين، ومن بين المخطوطات العمانية في دار الكتب القطرية ديوان /الستالي/ للشاعر أبو بكر أحمد بن سعيد الستالي، وديوان /الحبسي/ للشاعر راشد بن خميس بن أحمد الحبسي، إضافة إلى نماذج من المطبوعات العمانية الأخرى في دولة قطر، ومنها /إسعاف الأعيان في أنساب أهل عمان/ للعلامة سالم بن حمود السيابي، الذي طبع على نفقة الشيخ أحمد بن علي آل ثاني (رحمه الله) ، الذي اطلع على المخطوط ووجه بمراجعته ووضع فهارسه وحواشيه.
ومن أبرز المخطوطات العمانية في دولة قطر أيضا /التقويم السنوي لسلطنة عمان/ لفضيلة الشيخ الراحل عبد الله بن إبراهيم الأنصاري، الذي تولى عملية الحساب الفلكي للتقويم العماني في عام 1975 - 1976، وقدم التقويم هدية للشعب العماني، بالإضافة إلى ديوان /جواهر السلوك في مدائح الملوك/ للشاعر هلال بن سعيد بن عرابة من شعراء القرن الثالث عشر الهجري.
وكان للتعليم حضور في إطار التعاون الثقافي بين البلدين، من خلال تطبيق ودراسة المناهج التعليمية القطرية في سلطنة عمان منذ عام 1971، وحتى عام 1981، وذلك فيما يتعلق بالمراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية.
وتأكيدا على وضع أطر واضحة لتفعيل التعاون الثقافي بين دولة قطر وسلطنة عمان، فقد وقع البلدان مذكرة تفاهم في عام 2024 بهدف تبادل الدعم في مجالات متعددة مثل صناعة الكتاب والنشر والتأليف والترجمة والرقمية، ومعارض الكتاب، والفنون المختلفة مثل الموسيقى والمسرح، بالإضافة إلى المكتبات والأرشفة، وحماية وتثمين الموروث الثقافي غير المادي والتعاون في هذا المجال، وتعزيز التعاون بين المؤسسات الثقافية، إلى جانب تبادل تنظيم الأحداث والخبرات والفعاليات الثقافية، وتنظيم دورات متخصصة مشتركة.
ومن أبرز محطات التعاون الثقافي حرص البلدين على المشاركة سنويا في معارض الكتب الخاصة بكل منهما، حيث تشارك قطر سنويا في معرض مسقط الدولي للكتاب، كما تشارك سلطنة عمان سنويا في معرض الدوحة الدولي للكتاب، والذي تعزز أكثر عندما حلت سلطنة عمان ضيف شرف نسخته الثالثة والثلاثين عام 2024م، وذلك في ترجمة واضحة لعمق العلاقات الثقافية بين البلدين الشقيقين، وهو ما تمت بلورته في صورة عملية واقعية، تحقق تطلعات المبدعين، وتقوي وشائج الإخاء والمودة، كأحد الأدوار الحيوية للثقافة والفنون، عبر برنامج ثقافي حافل سلط الضوء على عمق هذه الأواصر، اشتركت في تقديمه عدة جهات عمانية، قدمت خلاله منجزها الإبداعي والفكري للجمهور القطري، وحظي بحفاوة وتفاعل كبيرين من مرتادي معرض الكتاب.
ويحرص المبدعون في كل من دولة قطر وسلطنة عمان على المشاركة في مختلف الفعاليات الثقافية والفنية التي تقام في كلا البلدين من معارض للفن التشكيلي والتصوير الفوتوغرافي والمؤتمرات والندوات الأدبية، بالشكل الذي يعكس تبادل الخبرات والتجارب الإبداعية المختلفة، انطلاقا من ركائز ثقافية راسخة تجمع الشعبين.
ولا يمكن إغفال الحضور العماني الدائم في الفعاليات الثقافية والتراثية بقطر، فنجد حضورا عمانيا في مهرجان كتارا للمحامل التقليدية السنوي، بل إن هناك مشاركات دائمة للشباب العماني في بطولة القلايل للصيد التقليدي وفي مختلف المحافل الثقافية، ولديهم حضور بارز في أهم الجوائز القطرية، ومنهم المترجم أحمد المعيني الفائز بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي للعام 2015، وحصول الأديبة العمانية بدرية البدري على المركز الأول في جائزة /كتارا/ لشاعر الرسول -صلى الله عليه وسلم- عام 2021، وذلك في فئة الشعر الفصيح عن قصيدتها /قنديل من الغار/، إلى غير ذلك من مشاركات ثقافية وفنية متبادلة للمبدعين في كلا البلدين.
كما يبرز الحضور القطري سواء الرسمي أو على مستوى المثقفين والمبدعين في مختلف الأنشطة الأدبية والثقافية، ولعل آخرها مشاركة فريق المسرحية القطرية /بين قلبين/ في مهرجان المسرح العربي بمسقط في نسخته الخامسة عشرة.
ويشترك البلدان قطر وسلطنة عمان في وجود خطاب ثقافي يرتكز على الأصالة، والحفاظ على التراث، سواء في تراث البر والصحراء وأدبياته، أو الموروث البحري وفنونه في كلا البلدين، كما يقوم الخطاب على مبادئ الاعتدال والتسامح والتعدد والتعايش والهوية والخصوصية الوطنية، والانفتاح الممنهج المتزن على الثقافات، ونبذ الطائفية والكراهية والإقصاء، ما يجعل آفاق العلاقات الثقافية المستقبلية بين البلدين واعدة.
جدير بالذكر أن سلطنة عمان تزخر بمنجز ثقافي يعد ركيزة أساسية للاستراتيجية الثقافية في السلطنة، وبحراك ثقافي وإبداعي يتميز بخطا هادئة وراسخة وقوية، ويحتفي بشكل خاص بالتراث والمتاحف، كما تنفتح على الثقافات العالمية في الفنون والآداب وكافة المعارف، متمسكة في الوقت ذاته بتقاليدها وموروثها الثقافي.
وتنطلق سلطنة عمان في ذلك من خطوات ثقافية ثابتة نحو التجديد والتطوير على مختلف أصعدة الإبداع الثقافي، بما يتوافق مع تطلعات وآمال المبدعين العمانيين في مجالات الفكر والشعر والفن التشكيلي والتصوير الضوئي وغيرها.
وتولي وزارة الثقافة والرياضة والشباب عناية خاصة لصناعة النشر ودعمها، كما تدعم حضور الكاتب والمفكر والأديب العماني للمشاركة في الفعاليات والمهرجانات المختلفة على مستوى العالم، وذلك من أجل التعريف بأدباء السلطنة وإيصال صوتهم.
وتزخر السلطنة بالعديد من المعالم الأثرية التي تروي قصة حضارات ضربت بجذورها في عمق النشأة الأولى للإنسان، حيث تشير المكتشفات الأثرية التي تعود الى الألف الخامس قبل الميلاد والموجودة في مناطق متعددة بسلطنة عمان وغيرها من المواقع التي تم التنقيب فيها على فترات مختلفة، وتشير كلها إلى العصور والحقب الزمنية المختلفة التي مرت بها عمان على مدى التاريخ، وإبداع الإنسان العماني وإسهاماته وتواصله مع الحضارات الإنسانية آنذاك.
ومن أبرز هذه المواقع العمانية التي أدرجت في قائمة التراث العالمي بـ/اليونسكو/ هي: قلعة بهلا عام 1987، ومواقع بات والخطم والعين عام 1988، ومواقع أرض اللبان في 2000، ونظام الري بالأفلاج في 2006، ومدينة قلهات الأثرية في 2018.
كما تمكنت من إدراج مفردات التراث الثقافي غير المادي ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي بـ/اليونسكو/، وهي فنون: البرعة، والعازي، والتغرود، والعيالة، والرزفة والقهوة العربية، وعرضة الخيل والإبل، وسباقات الهجن، والخط العربي، وحداء الإبل، والخنجر العماني.