فيما يواصل كيان الاحتلال جنونه وغطرسته، يواصل الفلسطينيون إحصاء شهدائهم ووداعهم، بعد أن انفجر فيهم كل هذا الغضب على غطرسة القوة وفلسفتها، ليفرض على جنرالات القتل، حسبة مختلفة، فتدخل إرادة المقاومة على خط المقاتلات الحربية والدبابات وسائر عائلة القتل.
في فلسطين، عين الضفة الغربية على ما أصاب غزة، وقلب غزة على الضفة الغربية التي بدت في مرمى النار، وثمة حملة عسكرية شرسة ومجنونة تستهدف بلدة طمون قرب طوباس شمالي الضفة الغربية، دمّرت خلالها المنازل، وخلفت أحد عشر كوكباً. كل شيء تغير فجأة، ودون سابق إنذار، أسئلة كبيرة على الوجوه في بلدة طمون التي ودّعت للتو 11 شهيداً، وعشرات الجرحى، ما زالوا يدفعون ضريبة العدوان الغاشم، وطيران الاحتلال يدفن أحلام الشبان والأطفال.
لقد استوطن القتل في بلدة طمون، ولم ينقطع خيط الدم، واكتست حجارتها باللون الأحمر القاني، في الوقت الذي لا تتحدث فيه الأرقام الباردة سوى عن أحد عشر شهيداً، انضموا إلى من سبقوهم في العدوان المستمر، منذ الحرب العدوانية على قطاع غزة، ولكل واحد منهم حكايته، فيما أبناؤهم وأمهاتهم وإخوتهم وأصدقاؤهم، وهم الذين يعدّون بالمئات، قضوا أيضاً في العدوان ذاته، رغم أن قطرة من دمائهم لم تسل، ولا يزالون على قيد الألم.

كان يوماً مشهوداً، ولم يكن عاديّاً في حياة أهل طمون، إذ شهد منذ ظهيرته وحتى ساعات المساء، حالة من التأهب والحذر الشديدين، وعلى الرغم من محدودية الفترة الزمنية التي استغرقتها مقاتلات الاحتلال في مهمتها الرامية إلى بث الذعر، وإشاعة أجواء الحرب، بداية من تحليقها على ارتفاع منخفض في سماء طمون، وصولاً لإطلاق صواريخها وسماع أصوات انفجاراتها المدوّية، وانتهاءً بمشاهدة آثار الدمار التي خلفتها، إلا أن تلك الفترة كانت حافلة وغنية بالمواقف والمشاهدات.
وعندما يقتحم جيش الكيان بلدة طمون، بآلياته المصفحة والثقيلة، فكل شيء يصبح مستباحاً، وبمثل هذه الأجواء تستقبل البلدة طلائع اجتياح «الجدار الحديدي» وهو يعيد إلى الأذهان «السور الواقي» قبل 23 عاماً.

الجنود يتسللون ليلاً، ويواصلون عمليات المداهمة والاعتقال والتفتيش حتى الفجر، يخنقون المواطنين بالغاز وغبار القذائف ورائحة البارود، وإذا لم يهدموا البيت، يسرقون الطريق إليه.
ولم تعد عمليات جيش الاحتلال في الضفة الغربية تمر على شكل اقتحامات سريعة، أو توغلات محدودة، بل بدأت تأخذ شكل الحرب، ويدلل على ذلك الاستخدام المفرط للقوة ضد المدنيين العزل، وحرق المنازل، وتدمير البنية التحتية. واستشهد في بلدة طمون نحو 30 مواطناً في خضم الأحداث التي اشتعل أوارها منذ العدوان الهمجي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر، وهي اليوم تخوض معركة «حياة أو موت» مع كيان الاحتلال.