دشن معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، اليوم الاستراتيجية الأولى لدار الوثائق القطرية (2025 - 2030)، بحضور سعادة السيد حسن بن عبدالله الغانم رئيس مجلس الشورى، وسعادة السيد عبدالله بن خليفة العطية رئيس مجلس أمناء دار الوثائق القطرية، وأصحاب السعادة الوزراء وعدد من كبار المسؤولين والسفراء وممثلي الجهات الحكومية والمؤسسات الوطنية والخبراء والأكاديميين وأفراد المجتمع.
وتم خلال حفل التدشين تسليط الضوء على المسيرة المهنية لدار الوثائق القطرية وإسهاماتها البارزة في صون الوثيقة والتراث القطري، بالإضافة إلى استعراض المرجعيات التي قامت بها الدار لإعداد وثيقة الخطة الاستراتيجية لدار الوثائق القطرية والتي تم تدشينها تحت عنوان "ذاكرة المستقبل".
وقدم الحفل الإعلامي عبدالوهاب المطوع، أول مذيع على شاشة تلفزيون قطر عام 1970، والفنان القطري القدير صلاح الملا، حيث قادا الحضور في رحلة بين ماضي قطر وحاضرها، واستعرضا معا الرمزية العميقة التي يحملها شعار "ذاكرة المستقبل" كجسر يربط بين الأصالة والحداثة.
وتهدف الاستراتيجية إلى تحويل الوثائق التاريخية والمحفوظات الوطنية إلى ذاكرة حية ومتجددة تساهم في بناء المستقبل من خلال استراتيجيات متعددة تشمل الرقمنة، والتوعية المجتمعية، والشراكات المحلية والدولية، وتسعى الدار لتصبح مصدرا مركزيا للمعرفة الوطنية.
وفي هذا السياق قال الدكتور أحمد عبدالله البوعينين الأمين العام لدار الوثائق القطرية في تصريحات خاصة لوكالة الأنباء القطرية /قنا/: إن تدشين أول استراتيجية لدار الوثائق القطرية له قيمة كبيرة في مشروع الدار التأسيسي والذي يبنى على مدار6 سنوات، لافتا إلى أن الأهداف الموجودة ضمن الاستراتيجية طموحة، إذ أننا اليوم في دار الوثائق القطرية نحمل على عاتقنا مشروعا وطنيا، وبجهود وتكاتف الجميع سنصل إلى هدفنا المرجو في العام 2030.
وأضاف أن الخطة الاستراتيجية لدار الوثائق القطرية بنيت على أربع مرجعيات رئيسية، وأخذنا بعين الاعتبار دراسة الوضع الراهن بالتعاون مع أكثر من 80 جهة معنية بالدولة، وكذلك بيان الرؤية الوطنية المبنية على النتائج ونموذجها المبني على نتائج، إضافة إلى الأخذ بدراسات الدول الصديقة التي عملت مسبقا على المشاريع، مشيرا إلى أن دار الوثائق القطرية اليوم تبني من حيث ما انتهى الآخرون للوصول إلى القمة، حيث تم أخذ جميع المرجعيات بالاعتبار لبناء استراتيجية واضحة وهادفة تحافظ على تاريخ دولة قطر والوثائق الموجودة في الدولة.
وأكد الأمين العام لدار الوثائق القطرية، على أن الخطة الاستراتيجية بطابعها العام تحافظ على وثائق دولة قطر سواء كانت من المؤسسات أو من توثيق دولي لجميع الوثائق الخاصة بدولة قطر والمنطقة، من قبل جميع الدول التي لديها ارتباطات مع دولة قطر، حيث إننا في دار الوثائق القطرية نطمح ونسعى للوصول إلى هدف الحفاظ على جميع الوثائق.
واعتمدت الاستراتيجية على إعداد مرجعيات من بينها، بيان الرؤية الوطنية لدولة قطر 2030 التي تستند على أربع ركائز أساسية وهي: "التنمية البشرية، والتنمية الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية، والتنمية البيئية". وكذلك دراسة الوضع الراهن "التي تناولت أهداف الدار واختصاصاتها، إلى جانب تحليل معمق للبيئة الداخلية والخارجية، حيث أسهمت هذه الدراسة في تحديد نقاط القوة والتحديات، الأمر الذي وفر أساسا موضوعيا لصياغة التوجهات الاستراتيجية المستقبلية"، بالإضافة إلى تجارب وممارسات دول أخرى، في مجال "إدارة وتنظيم الوثائق والمحفوظات، حيث تم الاطلاع على التوجهات الاستراتيجية ومراحل التطور للجهات المسؤولة عن حفظ الوثائق والأرشفة في كل من دول مجلس التعاون الخليجي، والمملكة المتحدة، وأستراليا، والجمهورية التركية". وأخيرا نموذج التخطيط الاستراتيجي المبني على النتائج، وهو "المنهج المعتمد في دولة قطر لإعداد الخطط الاستراتيجية للجهات الحكومية"، ويهدف هذا النموذج إلى تحقيق مخرجات واضحة وقابلة للقياس، بما يضمن فعالية تنفيذ الأهداف الاستراتيجية ومتابعة أثرها.
وتعتمد منهجية إعداد الخطة الاستراتيجية لدار الوثائق القطرية على دراسة الوضع الراهن للدار، وإعداد المسودة الأولى للخطة الاستراتيجية للدار، وتطوير المسودة الثانية للخطة الاستراتيجية للدار، وتطوير النسخة النهائية لوثيقة الخطة واعتمادها.
من جانبها أوضحت السيدة صبا الفضالة الخبير الاستراتيجي بدار الوثائق القطرية، أن الاستراتيجية تستند إلى نهج شامل قائم على تحليل الاحتياجات الوطنية وتحديد أفضل الممارسات الدولية في مجال حفظ وإدارة الوثائق، مشيرة إلى أنها تتماشى مع رؤية قطر الوطنية 2030 وأهداف استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة خصوصا فيما يتعلق بالهوية الوطنية والإرث الوثائقي، كما تم تقديم الشكر والتقدير للمجلس الوطني للتخطيط على دعمهم المستمر في تطوير هذه الاستراتيجية وضمان مواءمتها مع الأهداف التنموية للدولة.
وقالت الفضالة: "منذ البداية، لم تكن مسؤولية بناء هذه المنظومة تقع على عاتق دار الوثائق وحدها، بل كانت مشروعا وطنيا تشاركيا يعكس التزام الدولة بحفظ تراثها وتوثيق مسيرتها. جاءت هذه الاستراتيجية نتاج حوار مستمر وتفاعل مباشر مع الجهات والمؤسسات الحكومية والأفراد، بما في ذلك أصحاب المكتبات الخاصة، حيث حرصنا على إجراء دراسات ميدانية، والاستفادة من آراء الباحثين والمؤرخين، لضمان أن تكون واقعية، قابلة للتطبيق، وتلبي احتياجات الدولة بفعالية".
وأضافت "كان لمجلس الأمناء دور محوري في توجيه الاستراتيجية، من خلال تحديد الأولويات، والإشراف على تطوير السياسات، وتعزيز التعاون بين الجهات المختلفة، بما يضمن تحقيق التكامل بين القطاعات المختلفة وتحقيق أعلى مستويات الكفاءة في إدارة الوثائق".

وفي استعراض تفصيلي قدم المهندس يوسف آل شريم مدير المكتب الفني بدار الوثائق القطرية، لمحة عن أربعة من أبرز المشاريع الاستراتيجية التي تمثل جزءا من مجموعة أوسع تضم أكثر من 24 مشروعا، جميعها تهدف إلى تعزيز قدرات دار الوثائق القطرية في حفظ وتوثيق تاريخ الوطن بمختلف أشكاله ومصادره.
وأوضح المهندس آل شريم أن مشروع التوثيق الدولي يهدف إلى جمع وحفظ جميع الوثائق المتعلقة بدولة قطر والمنطقة والعالمين العربي والإسلامي، من خلال الحصول على نسخ من الوثائق الموجودة في المؤسسات الدولية، لضمان تكامل السجل الوثائقي الوطني، وتوفير مصادر مرجعية دقيقة للباحثين والمؤسسات.
كما أشار إلى مشروع التوثيق المؤسسي، الذي يهدف إلى حفظ وتوثيق السجلات الرسمية للمؤسسات الوطنية، بما يشمل المستندات الرسمية، والهياكل التنظيمية، والتسلسل الوزاري، والقرارات الحكومية، لضمان وجود سجل واضح يعكس تطور المؤسسات عبر الزمن، ويعزز من قدرة الجهات المختلفة على إدارة وثائقها بفعالية.
وأضاف أن مشروع التوثيق المجتمعي يشكل محورا رئيسيا في إشراك المجتمع بالحفاظ على التراث الوثائقي، حيث يركز على حفظ الوثائق والمخطوطات والمقتنيات الشخصية التي تشكل جزءا من الهوية القطرية، مؤكدا أن دور الأفراد وأصحاب المكتبات الخاصة في حفظ الوثائق لا يقل أهمية عن دور المؤسسات، وهو ما تسعى دار الوثائق القطرية إلى تعزيزه عبر برامج توعوية وشراكات مع الجهات المعنية.
أما المشروع الرابع، فهو مشروع التوثيق الشفاهي، الذي يمثل خطوة غير مسبوقة في توثيق الذاكرة الوطنية، حيث يهدف إلى تسجيل شهادات وروايات شخصيات بارزة لعبت دورا محوريا في مسيرة قطر، وذلك باستخدام أحدث التقنيات لضمان الحفاظ على هذه الشهادات وإتاحتها للأجيال القادمة.
وأكد آل شريم أن هذه المشاريع تعكس التزام دار الوثائق القطرية بمواكبة التطورات العالمية في إدارة الوثائق، قائلا: "نحن لا نحافظ فقط على الوثائق، بل نعمل على تطوير آليات تتيح الاستفادة منها بأفضل الطرق. استراتيجيتنا ترتكز على تحويل الوثائق إلى مصدر معرفي يدعم صناع القرار، ويخدم الأجيال القادمة في فهم تاريخ قطر وتطورها عبر الزمن".
من جانبها، سلطت المهندسة دلال الشمري مدير إدارة تكنولوجيا المعلومات بدار الوثائق القطرية، الضوء على الجانب التقني في استراتيجية "ذاكرة المستقبل"، مشيرة إلى أن الشراكة البحثية بين دار الوثائق القطرية ومايكروسوفت تمثل تحولا استراتيجيا في طريقة حفظ الوثائق وإدارتها، حيث تهدف إلى تطوير حلول رقمية مبتكرة تضمن أعلى مستويات الأمان والجودة والاستدامة.
وأكدت الشمري أن هذه المشروعات تعكس رؤية دار الوثائق القطرية في تبني الحلول الرقمية المتطورة لحفظ التراث الوثائقي، وضمان وصوله إلى الأجيال القادمة بأعلى معايير الدقة والجودة، مع التركيز على الاستدامة وتقليل الأثر البيئي، قائلة: "نحن لا ننظر إلى التكنولوجيا كأداة مساندة فحسب، بل كعنصر أساسي في تطوير إدارة الوثائق، وضمان استدامتها وحمايتها للأجيال القادمة، مع مراعاة الحلول الصديقة للبيئة التي تدعم رؤية قطر للاستدامة".
وأضافت أن هذه الشراكة أسفرت عن إطلاق ثلاثة مشاريع تقنية رئيسية، تشمل مشروع التوثيق الصحافي، الذي يهدف إلى رقمنة المحتوى الصحافي القطري وتحويله إلى أرشيف رقمي ذكي مدعوم بتقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يتيح للباحثين والمؤرخين الوصول إلى المحتوى التاريخي بسهولة ودقة، مع تقليل الحاجة إلى الأرشفة الورقية، بما يسهم في تقليل استهلاك الموارد الطبيعية وتعزيز الاستدامة البيئية.
كما تناولت الحديث عن مشروع "سيليكا" لتخزين البيانات، الذي يعتمد على تقنية متطورة لتخزين الوثائق على ألواح زجاجية تدوم لآلاف السنين باستخدام الليزر فائق السرعة، مما يضمن حفظ البيانات بأعلى مستويات الحماية بعيدا عن مخاطر التلف أو الفقدان، مع تقليل استهلاك الطاقة والانبعاثات الكربونية مقارنة بالطرق التقليدية للتخزين.
أما المشروع الثالث، فهو تطوير المنصة الرقمية لدار الوثائق القطرية، التي تهدف إلى إتاحة الوثائق والخدمات المقدمة من الدار من خلال منصة إلكترونية متكاملة، تتضمن إطلاق 32 خدمة رقمية على مدار السنوات القادمة، تشمل تسجيل وإتلاف الوثائق، وطلبات البحث، والتواصل مع الخبراء، بالإضافة إلى خاصية البحث الذكي داخل الوثائق الرقمية، مما يقلل الحاجة إلى الطباعة والاستخدام الورقي، ويعزز الكفاءة التشغيلية.
وقالت السيدة نورة القبيسي مدير العلاقات العامة والاتصال بدار الوثائق القطرية" إن الاستراتيجية الجديدة تضع المجتمع في صميم رؤيتها، حيث تسعى إلى تعزيز مشاركة الأفراد في حفظ التراث الوثائقي، انطلاقا من إيمان دار الوثائق القطرية بأن مسؤولية الحفاظ على الوثائق ليست مقتصرة على المؤسسات فحسب، بل هي مسؤولية مجتمعية مشتركة.
وقالت القبيسي: "إن إشراك المجتمع بجميع فئاته في عملية التوثيق هو أحد الأهداف الأساسية للاستراتيجية. كل فرد يحمل جزءا من ذاكرة الوطن، سواء كان باحثا، طالبا، أو مالكا لوثائق ذات قيمة تاريخية"، مؤكدة السعي إلى تعزيز ثقافة توثيق مستدامة تعكس أهمية الوثائق في صون تاريخ قطر وبناء مستقبلها، والحرص على إشراك المجتمع في هذا الحدث ليكون جزءا من هذه المسيرة، حيث أتيحت لهم الفرصة للاطلاع على خارطة الطريق التفصيلية للاستراتيجية الجديدة، والتفاعل مع المبادرات والمشاريع التي سيتم تنفيذها حتى عام 2030.