أعرب عدد من الأكاديميين والمحللين السياسيين عن توقعهم بأن تسفر القمة العربية غير العادية التي ستعقد اليوم في العاصمة المصرية القاهرة، عن بيان عربي يشدد على وجوب تحرك دولي، يهدف إلى مناصرة القضية الفلسطينية والضغط على إسرائيل، والتنديد بالانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وتقديم مقترح عربي يناهض مخطط تهجير أهالي قطاع غزة.
وشددوا على أهمية تبني القمة المرتقبة موقفًا تجاه قضايا جوهرية، يتمثل بضرورة وقف الحرب على غزة واستمرار الهدنة، ورفض مشروع التهجير لأبناء قطاع غزة، وإقرار خطة إعادة إعمار غزة، ورفض العدوان والانتهاكات الإسرائيلية للأراضي السورية.
وقالت الدكتورة نافجة صباح البوعفرة أستاذ العلوم السياسية المساعد في جامعة قطر: إن هذه القمة غير العادية تأتي في ظل عدد من التحديات التي تواجه الدول العربية، ولعل أبرزها دعم حقوق الشعب الفلسطيني الشقيق، وإعادة إعمار قطاع غزة، فهناك رفض عربي موحد في الآونة الأخيرة لمقترحات تهجير الشعب الفلسطيني خارج حدود قطاع غزة، مؤكدة أن هذا التهجير يتنافى مع القوانين والقرارات الدولية.
واستعرضت البوعفرة ،في تصريح لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، أبرز الملفات التي من المتوقع مناقشتها على جدول أعمال هذه القمة، والتي تتضمن ملف إعادة إعمار غزة، التي تعرضت لتدمير وحشي وهمجي، أسفر عن سقوط أكثر من 48 ألف شهيد وأكثر من 110 آلاف جريح، كذلك ملف التهجير القسري، فهناك إجماع عربي على رفض فكرة تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، إلى جانب ردود فعل إقليمية ودولية نددت بهذه الفكرة.
وأضافت أن مسألة حل الدولتين ستكون حاضرة ضمن جدول الأعمال، مستذكرة المبادرة العربية التي خرجت في قمة بيروت عام 2002 التي شددت على أهمية تطبيق مقترح حل الدولتين، الذي يعد صمام استقرار الشرق الأوسط، في ظل تعنت ممنهج من قبل دولة الاحتلال على هذه المبادرة، فحل الدولتين يشترط دولة فلسطينية، عاصمتها القدس الشرقية، على حدودها عام 1967.
وأعربت عن توقعها بأن تخرج هذه القمة ببيان يدعو إلى وجوب تحرك دولي، لمناصرة القضية الفلسطينية والضغط على إسرائيل، والتنديد بالانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، مشيرة إلى أن الحرب في قطاع غزة توقفت مؤقتًا، لكنها خلفت دمارا قضى على أبسط مقومات الحياة في القطاع، ولا سيما أن التحركات والهجمات الإسرائيلية في الضفة الغربية ما زالت مستمرة.
وشددت على أهمية خروج القمة بمخرجات هادفة لإيجاد خطة لإعمار قطاع غزة، فقد أكدت التقارير أن كلفة إعادة إعمار غزة قد تتجاوز الـ30 وربما الـ40 مليار دولار، حتى يعود القطاع منطقة صالحة للعيش، متوقعة صدور بيان عربي موحد يؤكد على دعم حقوق الشعب الفلسطيني، ورفض أي محاولة لتهجير الفلسطينيين، وخصوصًا سكان قطاع غزة، فضلاً عن أهمية وحدة الصف الفلسطيني الفلسطيني.
وقالت إن البيانات الصادرة من القمم العربية لا تكفي إن لم تكن هناك خطوات جادة وملموسة لدعم القضية الفلسطينية، فلا بد من استفادة الدول العربية من مكانتها كقوة اقتصادية ودبلوماسية لمناصرة الأشقاء الفلسطينيين، منوهة بضرورة التحرك الدبلوماسي العربي المكثف في شتى المحافل الدولية، فإسرائيل خسرت الكثير في حربها الأخيرة، وأظهرت حقيقة ما تخطط له، في ضوء تفاعل المجتمع الدولي مع ما حصل في قطاع غزة، الأمر الذي يستدعي استثمار ذلك في صالح القضية الفلسطينية.
وفي سياق ذي صلة، قال الدكتور خالد آل شافي أستاذ الإعلام المساعد بجامعة قطر، رئيس تحرير صحيفة "البننسولا": إن القمة العربية الطارئة، ستبحث في آخر التطورات الأخيرة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، وما برز من مواقف دولية وإقليمية، وقد استدعت التطورات الأخيرة، وبشكل خاص مواقف الإدارة الأمريكية الأخيرة، الحاجة الماسة لاتخاذ موقف عربي رداً على الخطط التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية من خلال تهجير سكان قطاع غزة والضفة الغربية.
واعتبر آل شافي في تصريحات لـ/قنا/ أن الموقف العربي الموحد يعتبر ضرورة ملحة، في ضوء الدعم غير المشروط الذي تقدمه إدارة الرئيس دونالد ترامب للمشاريع التوسعية الإسرائيلية في الأراضي السورية واللبنانية، واستباحة أجواء هذه الدول بطيرانها الحربي وما تنفذه من عمليات عسكرية واغتيالات سياسية، مبينا أن إسرائيل هي التي تهدد الأمن القومي العربي برمته من خلال سياساتها التوسعية بفضل الغطاء السياسي والدبلوماسي الغربي الذي تحظى به ويشجعها على الدوس على القانون الدولي وسيادة الدول، حيث تتم كل هذه التجاوزات الإسرائيلية بحجة الدواعي الأمنية بينما هي التي تهدد أمن المنطقة.
وأشار إلى أهمية تكثيف الجهود الدبلوماسية لدعم الجهود القطرية والمصرية في هذا المجال، حيث يتطلب هذا عملا دبلوماسيا عربيا مشتركا، في المنابر الدولية، وعلى المستويين الإقليمي والدولي، فضلاً عن تقديم تصور لكيفية إعادة إعمار غزة، ومواجهة المشاكل الإنسانية والمعيشية التي يواجهها السكان.
وشدد على ضرورة إظهار التضامن العربي مع الأردن ومصر لما تواجهه الدولتان من ضغوط أمريكية وغربية للقبول باستقبال الفلسطينيين المهجرين من ديارهم، وإعادة التأكيد على المبادرة العربية لحل القضية الفلسطينية، والقائمة على مبدأ حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية في أراضي 1967، وعاصمتها القدس المحتلة.
كما تحدث عن أهمية تقديم الدعم للانتقال السياسي في سوريا، وما تحتاجه سوريا من إعادة بناء ما دمرته الحرب على مدى 14 عاما، فضلاً عن الالتزام باتفاقية عام 1973 بين سوريا وإسرائيل، وسحب إسرائيل لقواتها من الأراضي التي احتلها في غضون الشهور السابقة، إلى الجانب التأكيد على أهمية الدور الذي تضطلع به منظمة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين /الأونروا/، والدفع باتجاه أن تعيد إسرائيل النظر في سياستها اتجاهها.
وأعرب عن توقعه بأن تتخذ القمة موقفاً عربياً موحداً بشأن تهجير الفلسطينيين من ديارهم في غزة والضفة الغربية، وتقديم تصور يتمثل في مبادرة عربية لإعادة إعمار غزة، وحل المشكلات الإنسانية التي تواجههم، والتأكيد على أنه لا ضمانة أمنية لإسرائيل دون الإقرار بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة.
وبدوره، قال الدكتور طارق حمود، باحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات وأستاذ العلوم السياسية في جامعة لوسيل: إن المطلوب من القمة العربية غير العادية أن يكون هناك موقف واضح ضد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وأن تقدم خطوات عملية يتم اتخاذها إذا واصلت إسرائيل حربها، بما فيها إعادة النظر في طبيعة العلاقة التي تربط إسرائيل بالمنطقة، مبيناً أنه حتى هذه اللحظة لم يسهم الموقف العربي في بناء ردع سياسي لسلوك إسرائيل، والتمادي الإسرائيلي مستمر في هذا السياق.
وشدد حمود في تصريح مماثل لـ/قنا/ على ضرورة منح الأولوية لصياغة موقف واضح وحازم مشترك تجاه مخططات التهجير، خاصة مع تأثيرات هذا المشروع على أمن وسيادة دول عربية محددة.
وحول جدول الأعمال المقرر، أوضح أن القمة غير العادية ستقام لمناقشة تداعيات الأحداث الراهنة والمتعلقة بغزة، الأمر الذي يستدعي وجود جدول أعمال محصور بالقضية الفلسطينية والسلوك الإسرائيلي العدواني ضد الشعب الفلسطيني، مضيفاً أن التطرق للعدوان الإسرائيلي على سوريا وانتهاك سيادتها قد يكون من القضايا ذات الصلة، وكذلك مشروع التهجير الذي ينادي به ترامب.
ولفت إلى أن مسألة إعادة الإعمار ومحاولات التعامل مع تداعيات ما بعد الحرب، سواء على مستوى إدارة قطاع غزة ومعالجة الوضع الإنساني سيكون بدوره جزءًا جوهريًا من النقاش.
وتوقع أن تتبنى القمة المرتقبة موقفًا تجاه ثلاث قضايا جوهرية، وهي ضرورة وقف الحرب على غزة واستمرار الهدنة وإنهاء الملف، ورفض مشروع التهجير الأمريكي-الإسرائيلي لأبناء قطاع غزة، ورفض العدوان والانتهاكات الإسرائيلية للأراضي السورية، وأما على الأرض فقد تدعم القمة تفعيل الخطط الإنسانية لدعم قطاع غزة بشكل أكبر من الواقع الحالي .
ومن جهته، أوضح الدكتور أحمد قاسم حسين باحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومدير تحرير مجلة سياسات عربية أن القمة تهدف إلى تقديم رؤية عربية مشتركة لدعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، مع التركيز على إعادة إعمار قطاع غزة من خلال وضع خطة شاملة لإعادة بناء ما دمره الاحتلال الإسرائيلي مع التأكيد على بقاء أهل غزة في أماكنهم ورفض أي محاولات لتهجيرهم، ورفض مخططات التهجير عبر التصدي لأي خطط تهدف إلى تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، مثل المقترح الأمريكي الذي قدمه الرئيس دونالد ترمب الذي يدعو إلى تحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" بعد إخلائها من سكانها، ضارباً عرض الحائط بحقوق الشعب الفلسطيني ومتجاهلاً لحقائق القضية الفلسطينية بوصفها قضية إنسانية وسياسية واخلاقية عادلة.
وحول أبرز الملفات المتوقعة على جدول الأعمال، قال حسين ،في تصريح لـ/قنا/، إن خطة إعادة إعمار غزة من خلال مناقشة الخطة المصرية التي تتضمن ثلاث مراحل تمتد من ثلاث إلى خمس سنوات، تبدأ بمرحلة الإنعاش المبكر، ثم إعادة الإعمار، وأخيرًا إطلاق مسار سياسي لتنفيذ حل الدولتين على الرغم من صعوبة تحقيق حل الدولتين في ظل الظروف السياسية والاقتصادية والديموغرافية التي خلقتها إسرائيل وتنصلها من الاتفاقيات والقوانين الدولية إلا أن هذه الخطة تحتاج إلى تحرك ودعم عربي وإسلامي للشروع ببدء عمليات إعادة الإعمار.
وتابع: إنه من بين الملفات المتوقع مناقشتها على جدول الأعمال ملف تمويل إعادة الإعمار، من خلال بحث سبل توفير التمويل اللازم، حيث تشير التقديرات إلى حاجة تصل إلى 20 مليار دولار خلال السنوات الثلاث الأولى، داعياً الدول العربية والإسلامية، إلى الإسهام في عملية إعادة إعمار غزة بهدف دعم صمود الفلسطينيين والتصدي لمحاولات التهجير التي تخدم مصالح دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وبِشأن التوقعات المرجوة من القمة، استعرض مدير تحرير مجلة سياسات عربية، أبرز هذه التوقعات والتي تتمثل بإصدار بيان عربي موحد يؤكد على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ورفض أي محاولات لتهجيرهم أو تغيير ديموغرافية المنطقة، وإقرار خطة إعادة الإعمار من خلال تبني الخطة المصرية أو تعديلها بما يتناسب مع التوافق العربي، وتحديد آليات تنفيذها وتمويلها، وتعزيز الوحدة الفلسطينية عبر دعم جهود المصالحة بين الفصائل الفلسطينية لضمان إدارة موحدة وفعالة لقطاع غزة، وحشد الدعم الدولي من خلال التواصل مع المجتمع الدولي والمنظمات الأممية لحشد الدعم السياسي والمالي للقضية الفلسطينية ومشاريع إعادة الإعمار .