مع حلول شهر رمضان المبارك، تمتزج الأزقة الضيقة في قلب العاصمة الأردنية عمان، بأصوات التكبير والتسبيح، ويلتف الناس حول موائدهم مع غروب شمس أول أيام الشهر الفضيل، وتنبض الأجواء الرمضانية بروحانية عميقة، وتعانق رائحة التمر والزعتر الهواء، بينما تتناثر أضواء الفوانيس على الجدران القديمة وتبث في النفوس أملا وطمأنينة.
وتغمر شوارع عمان روائح الأطعمة الشهية، فتنتقل من منزل إلى آخر، ومن حي إلى آخر، تتناغم معها أصوات التكبير والدعاء، مشحونة بالأمل والتفاؤل.
وعلى موائد الإفطار، يجتمع الأحبة، للالتقاء بعد يوم طويل من الصيام في لحظات مفعمة بالحب والإخاء، وذلك في أجواء لم تعد طقوسا، بل أصبحت جزءا من هوية الشعب الأردني الذي يعيش شهر رمضان بكل تفاصيله، لتصبح عمان في هذا الشهر أشبه بلوحة رمضانية ملونة، تروي قصة الأمل والوحدة في كل زاوية.
وعلى أرض الضيافة، تلتقي عراقة التاريخ وأصالة الثقافة في مزيج غني من العادات والتقاليد، ليستقبل الأردن شهر رمضان المبارك بأجواء مميزة، وممارسات فريدة، إذ تضاء الشوارع بالأهلة والمصابيح، وتتزين أسطح المنازل بالفوانيس، وتفوح رائحة الحلوى من الأكشاك، بينما تنتشر الخيام وموائد الرحمن ما بين هذا وذاك، تشكل معه سماء الأردن غلافا رمضانيا يحتضن الجميع.
وتتنوع العادات والتقاليد في الأردن بتنوع فئات وطوائف الشعب، مما نتج عنه عادات اجتماعية وتقاليد غذائية وأخرى في اللباس والمسكن، بجانب عادات أخرى أثرت التراث الثقافي والاجتماعي.
وللعصائر بالأردن طقوس لم تتغير رغم الحداثة، فمنذ ستينيات القرن الماضي كان الأردنيون في وسط عمان وفي الأسواق القديمة بالمحافظات، يتزاحمون على ابتياع العصائر التي تعد إحدى المكونات الرئيسية بالموائد.
وكان للحكواتي أيضا مكانة أخرى مرموقة بين الأهالي ورواد المقاهي، ليحكي القصص والحكايات بأسلوبه الخاص، حتى أصبح من الذكريات، إذ كان يسرد قصصا وأحداثا تاريخية وشعبية، بهدف تعزيز الروابط الاجتماعية بين الناس، ومع مرور الوقت وتغير العادات والتقاليد انحسر دوره في المجتمع الأردني خلال شهر رمضان، وباتت الأنشطة الترفيهية الحديثة مثل مشاهدة التلفزيون والخيم الرمضانية والاستماع للموسيقى أكثر انتشارا وجذبا للاهتمام.
ومن الطقوس الرمضانية الأخرى، التي كانت تسود البلاد في الماضي، الألعاب الشعبية، والتي كانت تؤدى في رمضان، ومن أبرزها لعبة الطواحين التي تعتبر من أشهر الألعاب الشعبية ، ولعبة الساعة، ولعبة البحث عن الكنز، والتي ظلت إلى عهد قريب تحافظ على شعبيتها، بجانب الفقيعة والخريطة ، غير أن كل هذه الألعاب لم تعد قائمة في العصر الحالي.
وعلى صلة بالموضوع ، أكد الدكتور حسين الخزاعي، أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية، في تصريح خاص لوكالة الأنباء القطرية/قنا/ أن التنوع الثقافي شكل أرضا خصبة لتعدد الأعراف والتقاليد الرمضانية في المجتمع الأردني اليوم ، حيث هاجرت عائلات كثيرة من ثقافات مختلفة إلى الأردن ما شكل فسيفساء من العادات والتقاليد المتنوعة.
وأوضح الدكتور حسين الخزاعي ، في معرض تصريحه لـ/قنا/ أن من التقاليد المتوارثة التي غابت عن منازل الأردنيين في رمضان، "صحن الخير" الذي أضحى عادة تقتصر على فئة محدودة من الناس، وهو صحن طعام متنقل يطرق أبواب الأردنيين ، ويتم تبادله بين الأهل والجيران، بهدف زيادة الألفة والمحبة والتكافل بينهم ، فضلا عن تنويع الأطباق والخيرات الرمضانية.
وأشار إلى أنه في سياق التقاليد الرمضانية، التي يشهدها الأردن، فإن مدفع الإفطار لايزال يمثل عادة رمضانية شعبية، تتوارثها الأجيال الأردنية، وتحافظ عليها، فطيلة الشهر الفضيل، يتم إطلاق مدفع الإفطار من وسط العاصمة عمان ، في انعكاس لإرث من التقاليد والعادات العثمانية القديمة إبان الحكم العثماني للأردن وبلاد الشام، موضحا أنه مع توفر وسائل تكنولوجية حديثة من منبهات وأجهزة خلوية، أصبحت تغني الأجيال عن انتظار سماع مدفع رمضان، مما دفع السلطات الأردنية إلى وقف إطلاق المدفع لسنوات.
وفي هذا السياق، أكد الخزاعي، أن انتظار مدفع الإفطار في اللحظات الأخيرة من الصيام يشكل بالنسبة للأردنيين، ذاكرة لا تنمحي، وأنه مع هذه اللحظات المقترنة بالعد التنازلي للمدفع تتداعى حكايات وذكريات الطفولة والأسرة قبل عشرات السنين، وسط سباق اللحظات الأخيرة مع "الصحن الدوار" بين الجيران في الحي الواحد.
ومن جانبه، أشار عاكف العلي، مواطن، في تصريح مماثل لـ/قنا/، إلى أن أهم ما يلاحظه هو الاختلاف الواضح بين رمضان الأمس ورمضان اليوم، وانعكاس هذا التباين على نمط الحياة، بعدما أصبح التطور يشمل كل جوانبها، فقبل 50 عاما، كانت أغلب القرى الأردنية ، باستثناء المدن الرئيسية والمناطق ذات الأهمية، بلا كهرباء أو شبكة مياه، أو خدمات النقل الأخرى، فكان نتيجة ذلك، أن الحياة كانت بسيطة للغاية، على عكس اليوم، حيث ساهم التطور الذي يعيشه العصر، في تغير نمط الحياة.
وقال العلي إنه وقبل ما يزيد عن عشرين عاماً، كانت تجمعنا بيوت الأصدقاء في السهرات الرمضانية، أما اليوم، فالاجتماع أصبح مقتصرا على الخيم الرمضانية والمقاهي، والسهر حتى موعد السحور، كما كان الناس في السابق، يتبادلون الزيارات للتهنئة بحلول الشهر الفضيل، غير أنه في ظل التطور التكنولوجي، باتوا يكتفون بالرسائل القصيرة عبر المنصات الرقمية.
وبدوره، أوضح فاروق طه، موظف في القطاع العام، أنه اعتاد وأسرته تزيين منزل العائلة قبيل قدوم الشهر الفضيل، والذي أصبح فرحة موسمية وبخاصة عند الأطفال، حيث تشكل لهم المناسبة حافزا للصيام واستحضارا للمعاني الجليلة لهذا الشهر، لافتا إلى أن أطفاله يبتهجون بهذه المناسبة، حيث يحرص على تلبية رغباتهم بشراء الفوانيس والأهلة وحبال الزينة، وتتزين كذلك شوارع الحي وبعض المباني المجاورة ، وتتم بأشكال تجذب بجمالها من يشاهدها، وبخاصة خلال الليل، وبعد فترة الإفطار.
ونوه بانتشار الخيم الرمضانية التي يقصدها الناس للتسلية والترفيه وقضاء وقت بعد صلاة التراويح، حيث تشهد تقديم التمور والقهوة العربية والعصائر الرمضانية مثل التمر الهندي والعرقسوس وقمر الدين، إضافة إلى بعض الحلويات الرمضانية مثل القطايف والعوامة.