شهدت الجلسة الثالثة من جلسات "الخيمة الخضراء" - التابع لبرنامج لكل ربيع زهرة عضو مؤسسة قطر- مناقشة معمقة حول القراءة التاريخية للنقوش الأثرية في الجزيرة العربية، حيث تناول المشاركون مجموعة من المحاور الهامة التي تعكس ثراء الإرث الثقافي والتاريخي للمنطقة.
وتناولت الجلسة عدة محاور رئيسية شملت النقوش الصخرية التي حفظت أحداثًا وشواهد من العصور القديمة، بالإضافة إلى المسكوكات النقدية التي تعكس التطور الاقتصادي والسياسي في الفترات المختلفة، كما ناقش المشاركون النقوش والزخارف التزينية على الأسلحة والفخار والحلي، والتي تعد شاهداً فنياً وحضارياً يوثق تفاصيل الحياة اليومية في تلك الحقبة.
أدار الندوة الدكتور سيف بن علي الحجري، رئيس برنامج الخيمة الخضراء وشارك في الجلسة نخبة من الخبراء والباحثين المتخصصين في علم الآثار والتاريخ، وهم: د. يوسف الكاظم وعلي الشحرى، ود. الشرقي دهمالى، ود. منتصر فايز الحمد، ود. سهيل صبابانا، والمؤرخ شملان عطاوى، والسيد إبراهيم الجابر، ود. علي عفيفي.
وأكد المشاركون في الجلسة على أهمية دراسة النقوش الأثرية بوصفها سجلاً حياً للتاريخ العربي القديم، حيث توفر معلومات قيّمة حول اللغات القديمة والأنماط الاجتماعية والسياسية التي سادت في جزيرة العرب عبر العصور.
وقالوا خلال حديثهم إن النقوش الأثرية في جزيرة العرب تعد واحدة من أهم المصادر لدراسة التاريخ القديم للمنطقة، إذ توفر معلومات مباشرة عن اللغات، والثقافة، والسياسة، والتجارة، والعادات والتقاليد وغيرها، مؤكدين أن الكتابة تطورت في الجزيرة العربية منذ الألفية الأولى قبل الميلاد، وظهرت أنظمة كتابية متعددة تعكس التنوع الحضاري لشعوب المنطقة.
وأجمع الخبراء والباحثون على ضرورة تعزيز الوعي بأهمية هذه النقوش باعتبارها جزءًا من الهوية التاريخية والحضارية للمنطقة، وأوصوا بمزيد من الجهود لحمايتها ودراستها.
المسكوكات الإسلامية
وتحدث عدد من الخبراء عن النقوش التي كانت موجودة على المسكوكات في العصور القديمة حيث أكدوا أن النقوش والزخارف على المسكوكات الإسلامية شاهد حي على تطور الحضارة الإسلامية، حيث لم تكن مجرد وسائل للتبادل التجاري، بل كانت أدوات سياسية، دينية، وفنية تعكس مراحل ازدهار الدول الإسلامية عبر التاريخ. ومن خلال تحليل هذه الزخارف، يمكننا فهم أعمق لروح العصر الذي صُكت فيه هذه العملات، مما يجعلها مصدرًا لا غنى عنه في دراسة التاريخ الإسلامي.
كما أشار الباحثون إلى أن الزخارف التزينية على الأسلحة والفخار والحلي ليست مجرد عناصر جمالية، بل تحمل دلالات رمزية وتاريخية تعكس معتقدات وثقافة المجتمعات التي استخدمتها.
وأشاروا إلى أن الزخارف التي وُجدت توفر لمحة عن العادات والتقاليد التي سادت في المجتمعات القديمة، موضحين أن بعض الفخاريات المكتشفة تحتوي على نقوش هندسية معقدة، ومشاهد من الحياة اليومية، مثل التجارة والزراعة.
وأضافوا أن هناك تشابهًا بين بعض الزخارف الفخارية المكتشفة في الجزيرة العربية وتلك الموجودة في مناطق أخرى مثل بلاد المغرب، مما يعزز فرضية وجود تفاعل ثقافي وحضاري بين هذه المجتمعات.
وفي الختام نوه الباحثون إلى أن النقوش الأثرية في جزيرة العرب تمثل مصدرًا تاريخيًا فريدًا يمكن أن يعيد تشكيل فهمنا لماضي المنطقة، وأن دراستها تحتاج إلى جهود متكاملة بين الباحثين، ودعم من المؤسسات الثقافية والأكاديمية لحمايتها وتحليلها بطرق علمية حديثة.