طغى وهج الأحداث المضطربة والمقلقة في قطاع غزة والضفة الغربية على المشهد السياسي، الذي بالكاد استعاد مفاوضات تبدو شاقة، فبعد أيام من الجمود الذي فرض نفسه على مفاوضات المرحلة الثانية لاتفاق وقف إطلاق النار، عادت عيون المراقبين إلى الدوحة، التي تشهد حراكاً دبلوماسياً لانقاذ الهدنة، التي يحاول كيان الاحتلال الإفلات من التزامه بها.
وثمة إشارات ايجابية قادمة من الدوحة، ومحاولة لتجاوز الخلافات، مع استعداد حركة حماس للانخراط في المرحلة الثانية من المفاوضات، وإرسال كيان الاحتلال وفداً تقنياً لاستطلاع الأجواء والتمهيد للمفاوضات، ويتزامن هذا مع تواجد المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف في المنطقة، ضمن المساعي الرامية للتوصل إلى اتفاق.
وفي الشارع الإسرائيلي، تسود حالة من الغليان، الرافض لسياسة نتنياهو، وإصراره على عودة المحتجزين الإسرائيليين في توابيت، وفق تعبير أحد المتظاهرين الغاضبين، الذي شدد على أنه كان بالإمكان استلام جميع المختطفين الإسرائيليين وهم على قيد الحياة، بدلاً من عودتهم جثثاً في توابيت، كما جرى في آخر دفعتين من تبادل الأسرى.
آخرون ذهبوا إلى ما هو أبعد من ذلك، بالقول: "نتنياهو هو من قتل أسراه، بقصف أماكن احتجازهم، وحكومته وحدها من تتحمل المسؤولية عن سلامة الباقين.. نريد أبناءنا أحياء" في دعوات صريحة لتخلي نتنياهو عن مصالح ائتلافه الحاكم وتغليب المصلحة العامة، وضغط واضح تمارسه عائلات المحتجزين.
وحافظت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة على حياة الأسرى الإسرائيليين ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وعاملتهم بمنتهى الإنسانية، غير أن حكومة الاحتلال رفضت مراراً وتكراراً التوصل إلى اتفاق يفضي إلى إطلاق سراحهم ومبادلتهم بأسرى فلسطينيين، بل إن موافقة الكيان على الاتفاق جاءت متأخرة، وبعد أن لفظ العديد من المحتجزين الإسرائيليين أنفاسهم تحت الغارات الوحشية التي عمّت أرجاء قطاع غزة.
يقول الباحث المختص في الشؤون الإسرائيلية عادل شديد، إن عودة بعض المحتجزين الإسرائيليين في توابيت، كانت بقرار إسرائيلي، وجراء سياسة نتنياهو وتعنته في مواقفه، بحيث كان يفتعل الأحداث كلما اقتربت الأمور من الحل ولاحت بوادر الاتفاق، مشدداً على أن سياسته كانت ترمي لاستجلاب رد الفعل، وعرقلة الصفقة.
واستناداً إلى الأوساط السياسية والكثير من المراقبين، فالأوضاع الراهنة تحتاج إلى البدء الفوري في مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق الهدنة، ومناقشة القضايا المحورية بين الأطراف كافة، من أجل توفير أفق أشمل لمستقبل غزة، التي لا زالت تعيش في محيط المواجهة مع كيان الاحتلال، وتغوص في واقع من الخوف والجوع، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات.