أطباق من الرفيسة والعصيدة والبركوكش، وليال إيمانية في القيروان داخل المسجد الكبير.. إنه رمضان في تونس الذي يحول أيامها ولياليها إلى لوحة ملونة فائقة الجمال والروعة تميز الشارع التونسي عن غيره من يوم رؤية الهلال وحتى ليلة وداع شهر الصوم.
وفي هذا الإطار، قال حاتم الرياحي الباحث في التاريخ والتراث اللامادي لوكالة الأنباء القطرية /قنا/ إن تونس تتميز بعادات تختلف في عدة خصوصيات عن بقية الدول العربية، كما تختلف تلك العادات من محافظة إلى أخرى، ففي الليلة التي تسبق أول أيام رمضان والتي تسمى "ليلة القرش"، يتميز التونسيون بعادات خاصة تختلف من جهة إلى أخرى، فبعض العائلات تحضّر أنواعا مختلفة من الحلويات لا سيما "الرفيسة" وهي طبق من الأرز الأبيض والزبيب والتمر وبعض المكسرات، يقدم للضيوف ممن يتبادلون التهاني بقدوم الشهر الكريم، فيما تعد بعض العائلات في مناطق الشمال الغربي"العصيدة" أو "المدموجة" بالسمن والعسل، وهي أطباق حلوة المذاق تقدم للضيوف أو توزع على الفقراء في تلك الليلة، فيما تشتهر العائلات في مناطق الجنوب بتحضير طبق "البركوكش" ليلة القرش، وهو طبق من البرغل والخضروات.
وأشار الرياحي إلى أن شهر رمضان يتميز بعادة تبادل الطعام خاصة بين الجيران، ولا سيما في القرى والأحياء الشعبية، تعبيرا عن المحبة والمودة، كما يقوم البعض بتوزيع المساعدات والمؤونة على العائلات المحتاجة طيلة شهر رمضان.
وفي مدينة القيروان وفي جامع عقبة أو "الجامع الكبير"، يستقبل سكان المنطقة شهر الصيام بصلاة تسمى"صلاة المحاريب" (جمع محراب) كما تسمى ليلة القراء، التي تأتي بنية الاستعداد لشهر رمضان، وتؤدى تلك الصلاة وراء 30 إماما بحسب أجزاء القرآن.
ومن جهته، قال زين العابدين بالحارث رئيس جمعية تراثنا لوكالة الأنباء القطرية /قنا/ إن التونسيين يحرصون قبل حلول الشهر الكريم ببضعة أيام على طلاء الجدران الخارجية والأبواب، وتجديد بعض الأثاث. فيما تهتم النساء بتجديد الأواني والكؤوس وكل مستلزمات الطهي الخاصة بهذا الشهر. مضيفا أن المساجد والجوامع تشهد هي الأخرى حركية كبيرة خصوصا خلال الأيام التي تسبق هذ الشهر. إذ يعمد المتطوعون إلى تنظيف المساجد والسجاد وتزيين المآذن والجدران الخارجية لها بالأضواء. كما يجهز المصلون لباس صلاة التراويح خاصة وأن البعض يفضل ارتياد المساجد باللبس التقليدي التونسي، أي (الجبة والبلغة والشاشية).
وبدورها، قالت فاطمة بن محمد الباحثة في شؤون التراث لوكالة الأنباء القطرية/قنا/ إن العائلات تحرص على توفير المأكولات التقليدية على غرار التمر بالزبدة وحساء الشعير أو الشوربة وبعض أنواع السلطة والبريك، إضافة إلى الطواجن التي تطبخ بطرق مختلفة، مضيفة أن شهر رمضان يمتاز بإحياء العديد من العادات والتقاليد، فترى ربات البيوت يغيرن زينة وديكور المنزل وشراء حلويات تقليدية على غرار (المقروض والغريبة والمخارق والزلابية) لاستقبال هذ الشهر الذي يتميز بكثرة الزيارات بين الجيران والأقارب والأصدقاء.

ومن جهة أخرى، أشار المعهد الوطني التونسي للاستهلاك إلى أن العادات الغذائية لدى التونسيين تتغير في شهر رمضان، ويزداد استهلاك المواد الغذائية بشكل كبير، ويشمل هذا غالبية المنتجات الاستهلاكية على غرار الحليب، الذي يزداد استهلاكه من 0.9 لتر للشخص الواحد طوال السنة إلى لترين خلال الشهر الفضيل، أيضا، يستهلك الفرد 1.4 كيلوغرام من الخبز في شهر رمضان، في مقابل 0.6 كيلوغرام خلال الأيام العادية، و1.1 كيلوغرام من لحم الضأن شهريا في مقابل 0.75 كيلوغرام خلال الأيام العادية.
وخلال الأيام التي تسبق شهر رمضان تنشط أغلب محلات بيع الحلويات لا سيما في الأحياء العتيقة على غرار بائعي "المخارق" والزلابيا" و"الصمصة" و"المقروض" و"القطايف" - وهي الحلويات التي تشتهر بها أغلب المدن التونسية ويقبل عليها التونسيون بشكل كبير خلال شهر رمضان - وتتحول محلات بيع الوجبات الخفيفة في الأيام العادية إلى محلات لصنع وبيع الحلويات الخاصة بشهر رمضان.
وبعد الإفطار، يفضل البعض السهر في البيت وسط أجواء عائلية. فيما يختار البعض السهر في المقاهي للقاء الأهل والأصدقاء. ويقصد العديد من التونسيين خصوصا المقاهي القديمة في المدن العتيقة على غرار مقهى "الشواشين" و"المرابط" وغيرها من المقاهي التي يعود تاريخها إلى أكثر من 100 سنة ، تعم فيها رائحة القهوة العربية المعطرة بماء الزهر، وجميع أنواع الشاي والاستماع للأغاني القديمة.
ويختار آخرون ارتياد المساجد في جميع مدن البلاد لأداء صلاة التراويح، وسماع الدروس الدينية وحضور مجالس الذكر وتلاوة القرآن.
ويحتفل التونسيون في بعض ليالي شهر رمضان بطرق خاصة ومختلفة عن بقية الدول العربية. ففي ليلة النصف من شهر الصيام تتفق العائلات التونسية على إعداد طبق الكسكسي بلحم الضأن، احتفالا بمرور منتصف الشهر. وتذبح في تلك الليلة الخرافان لتوزيع لحمها على المحتاجين والفقراء، وإعداد موائد الإفطار في الشوارع. وتتبادل العائلات الزيارات في تلك الليلة.
ونفس الأمر يقوم به التونسيون خلال ليلة السابع والعشرين من شهر الصيام أي ليلة القدر. إذ تتميز تلك الليلة بعدة عادات وتقاليد قديمة، إذ يطبخ الكسكسي أيضا بلحم الضأن كونه أشهر أكلة تونسية، وتوزع الأطباق على المحتاجين والفقراء. فيما تعج المساجد طيلة تلك الليلة بالمصلين احتفاء بليلة القدر، وتتواصل الصلاة والأدعية إلى صلاة الفجر.
ومن العادات التي لا تزال حاضرة في تونس خلال شهر رمضان، عادة "المسحراتي" أو الملقب في تونس بـ "بوطبيلة" الذي يجوب الشوارع لإيقاظ الناس للسحور عن طريق النقر على طبله. ويتجول خصوصا في الأحياء والمناطق الشعبية. وكان قديما يشتغل تلك المهنة شيوخ أو كبار السن لكن اليوم تستقطب تلك المهنة حتى الشباب ممن يرتدون الزي التقليدي التونسي على غرار"الشاشية" و"البرنس" والجبة التونسية.
ويمثل شهر رمضان في تونس مناسبة أيضا للتكافل الاجتماعي، لتنتشر موائد لإفطار المساكين والمحتاجين وتسمى بـ"موائد الرحمن" التي توجد في مختلف أنحاء البلاد.