لم يكن الرئيس الفلسطيني محمود عباس مسروراً البتة من اتصالات حركة حماس الأخيرة مع الإدارة الأمريكية، في سابقة تاريخية وتحولاً لافتاً، خصوصاً أن واشنطن تدرج الحركة على قوائم الإرهاب وتتجنب الاتصال معها منذ عقود، لكن ما بين عودة الحرب وتثبيت الهدنة، لم يكن بد من رمال متحركة.
انتقدت القيادة الفلسطينية حركة حماس، ووصفت ما جرى بأنه «تخابر» مع جهات أجنبية، وبدت حركة فتح «الحزب الحاكم» وكأنها الخاسر الأكبر في المعركة الحالية، فما حدث في قطاع غزة أبعدها عن دوائر صنع القرار، أكان في مفاوضات التهدئة أو صفقة تبادل الأسرى، بينما ترفض الحركة أن يكون دورها «تحصيلا حاصلا» في مسرح الأحداث.
«ما حدث لن يمر ببساطة على المعادلات الداخلية الفلسطينية» هكذا يقول القادة الفتحاويون، لا سيما وقد أجرت رئاسة الحركة تغيراً ملحوظاً في أوضاعها الداخلية، إذ بدأت مؤشرات التغيير في الظهور داخل المعسكر الفتحاوي بقرار من الرئيس عباس (زعيم الحركة) العفو عن المفصولين، والذي تزامن مع تعيينات جديدة في السلطة الفلسطينية، وإعفاء آخرين من مهامهم، وعليه فلا يوجد يقين حول ما يمكن أن تؤول إليه أمور الحركة في المرحلة المقبلة، بينما الرئيس ترامب ما زال يقول: «لا يوجد شريك فلسطيني».
تصارعت الحركتان (فتح وحماس) بعد فترة وجيزة من وقف الحرب في قطاع غزة، ربما لأن تفاعلات الساحة السياسية الفلسطينية ترتبط أساساً بسلوك القطبين الرئيسيين فيها، بينما غالبية الفصائل الأخرى بدت بعيدة عن الصورة، ولم تكن طرفاً رئيسياً في السنوات الأخيرة، لكي تدخل في معمعة التداعيات والتحولات.
في قراءات المراقبين والمحللين، هناك قاعدة تقرر بأن الصراعات الخارجية لابد أن تتبعها توترات داخلية، وأثارت اتصالات حركة حماس الأخيرة مع واشنطن أسئلة كثيرة على نحو: هل تصمد الحركة أمام الضغوط العاتية عليها كي تأخذ مسار حركة فتح والسلطة الفلسطينية في النهج التفاوضي؟ وهل تشكّل هذه الاتصالات اعترافاً أمريكياً ضمنياً بأن حركة حماس أصبحت طرفاً رئيسياً في المعادلة السياسية؟.
وفق الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري، لا يعني التفاوض مع حركة حماس التغيير في الأهداف الأمريكية، كما لا يعني أن سيناريو تجدد الحرب على قطاع غزة قد أزيح عن الطاولة، وإنما هي محاولة لتحقيق مكاسب بوسائل جديدة، بعيداً عن لغة التهديد والوعيد، والاتصالات هذه إحدى الثمار المرة للانقسام الفلسطيني، وفق تعبيره.
بينما يرى الباحث السياسي رائد عبدالله أن الاتصالات المباشرة بين حماس والإدارة الأمريكية مردها رغبة واشنطن في الإفراج عن مواطنيها المحتجزين لدى الحركة، والبحث عن بدائل لمماطلة نتنياهو في الانتقال لمفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، وإن عنى هذا الاعتراف بحماس كسلطة أمر واقع.
وربما أثارت مناورات نتنياهو ومحاولاته إطالة أمد التفاوض استياء واشنطن، فراحت تبحث عن البدائل، ولم يكن أمامها غير التفاوض مع حركة حماس لإطلاق سراح المحتجزين من حملة الجنسية الأمريكية، لكن ما يهم الشارع الفلسطيني والغزّي على وجه الخصوص، هل يمكن بناء تفاهمات بين حماس وواشنطن تفضي إلى تثبيت الهدنة، وتمضي قدماً نحو المرحلة الثانية؟.
ثمة من المراقبين من رأى أن عوامل الطرد تفوق تلك المتعلقة بالجذب في المسار التفاوضي، فالأوضاع المأساوية التي يعيشها سكان قطاع غزة، ستظل تقض مضاجع كل من ولج هذه المفاوضات.