من قلب عاصمة البيئة العربية لعامي 2024 و2025، تستعد الرياض لاستضافة مؤتمر الأطراف السادس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (COP16)، الذي سيقام في الفترة من 2 إلى 13 ديسمبر المقبل، ويجمع المؤتمر ممثلي 197 دولة ومنظمات دولية وخبراء بيئيين، ليكون أكبر ملتقى عالمي لمواجهة مشكلة التصحر وتدهور الأراضي والجفاف.
استضافة المملكة لهذا الحدث البيئي العالمي تعكس التزامها الراسخ بالتصدي للقضايا البيئية على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، انطلاقًا من رؤية القيادة الرشيدة وتوجهات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. تهدف المملكة، التي تعد أول دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تستضيف هذا المؤتمر، إلى تقديم حلول مبتكرة تسهم في تحقيق أهداف اتفاقية مكافحة التصحر، والتي أُطلقت منذ أكثر من ثلاثين عامًا ضمن اتفاقيات “ريو” الثلاثة.
التصحر يمثل تهديدًا عالميًا له انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على الأمن الغذائي والمائي. تشير الإحصاءات إلى أن ربع سكان العالم يعانون حاليًا من ندرة المياه، وهو رقم قد يتضاعف بحلول عام 2050 ليصل إلى ثلاثة من كل أربعة أشخاص، ما لم تُبذل جهود لاستصلاح الأراضي المتدهورة. كما تهدد موجات الجفاف المتكررة حياة مليارات الأشخاص حول العالم بسبب التغير المناخي وسوء إدارة الموارد الطبيعية.
انطلقت جهود السعودية لحل مشكلة التصحر من الداخل عبر مبادرات مثل “السعودية الخضراء” و”الشرق الأوسط الأخضر”، حيث تسعى المملكة إلى استعادة 1.5 مليار هكتار من الأراضي المتدهورة بحلول عام 2030. ومن المتوقع أن تؤثر هذه الجهود على حياة أكثر من 3 مليارات نسمة حول العالم، ما يجعل المملكة في موقع ريادي لمواجهة هذا التحدي.
يتميز المؤتمر هذا العام بمنطقة خضراء خصصت لاستعراض الابتكارات والحلول العملية، بمشاركة الشباب ورواد الأعمال والقطاعات الخاصة وغير الربحية. يمثل ذلك تحولًا نوعيًا في منهجية مؤتمرات الأمم المتحدة، حيث تُتاح الفرصة للمبدعين والمؤثرين للمساهمة في تقديم أفكارهم بشكل مباشر.
إعادة الحياة إلى الأراضي المتدهورة ليست مجرد استثمار بيئي بل اقتصادي أيضًا. تشير الدراسات إلى أن كل دولار يُستثمر في استصلاح الأراضي يحقق عائدات اقتصادية تتراوح بين 7 إلى 30 دولارًا. ومن المتوقع أن يُطلق المؤتمر سياسات تحفز الدول على تبني مبادرات لاستصلاح الأراضي بمبالغ تصل إلى تريليون دولار، مما يفتح آفاقًا واسعة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
يؤثر تدهور الأراضي على مليار شاب يعيشون في البلدان النامية، حيث يعتمدون بشكل مباشر على الموارد الطبيعية. ومن هنا، يركز المؤتمر على إشراك الشباب كعنصر رئيسي لتحقيق التزامات استصلاح الأراضي العالمية، بهدف تمكينهم من تحويل مجتمعاتهم وبناء مستقبل مستدام.
من خلال استضافتها لهذا الحدث العالمي، تؤكد المملكة قدرتها على التأثير الإيجابي والمساهمة في صنع قرارات تغير وجه العالم، وهو ما يتماشى مع رؤية السعودية 2030 التي جعلت من الاستدامة البيئية محورًا أساسيًا لتحقيق التنمية الشاملة.
المؤتمر ليس مجرد مناسبة بيئية، بل فرصة لإطلاق شراكات عالمية، ووضع خطط مبتكرة، واتخاذ خطوات حاسمة نحو استصلاح الأراضي ومكافحة التصحر، في سبيل بناء مستقبل أكثر خضرة واستدامة.