مع سريان اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان أمس الأول الأربعاء، بدأ الجيش اللبناني تعزيز انتشاره جنوبي البلاد، بهدف تأمين العائدين إلى قراهم ومدنهم بعد العدوان الإسرائيلي على المنطقة والذي استمر لأكثر من عام تصاعدت وتيرته في سبتمبر الماضي.
وكان الجيش اللبناني قد دعا الأهالي العائدين إلى سائر المناطق لتوخي الحيطة والحذر من الذخائر غير المنفجرة والأجسام المشبوهة من مخلفات هجمات الكيان الإسرائيلي، والاتصال بغرفة عمليات قيادة الجيش للإفادة عنها، أو إبلاغ أقرب مركز للجيش أو للقوى الأمنية الأخرى.
وشدد الجيش في بيان على أهمية الالتزام بتوجيهات الوحدات العسكرية المنتشرة في المنطقة حفاظا على سلامتهم، مؤكدا اتخاذه الإجراءات اللازمة لاستكمال الانتشار في الجنوب وفق تكليف الحكومة اللبنانية، وتنفيذ مهماته بالتنسيق مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان اليونيفيل ضمن إطار القرار 1701.
وتعمل فرق الدفاع المدني والإسعاف الصحي والجيش اللبناني على نشر أجواء من الوعي والإدراك لمخاطر القنابل العنقودية والقذائف والصواريخ غير المنفجرة، كما حذر الدفاع المدني من دخول المنازل والأبنية التي تعرضت للقصف الإسرائيلي تخوفا من الانهيار، في حين تعمل فرق الدفاع المدني والإسعاف على انتشال جثث عدد من القتلى من تحت الأنقاض في عدد من الأحياء في القرى الأمامية.
وباشرت الوحدات العسكرية اللبنانية تنفيذ مهماتها في الجنوب والبقاع (شرقي لبنان) والضاحية الجنوبية، بما في ذلك الحواجز الظرفية، وعمليات فتح الطرقات وتفجير الذخائر غير المنفجرة والتي تأتي في سياق الجهود المتواصلة التي يبذلها الجيش؛ بهدف مواكبة حركة النازحين، ومساعدتهم على العودة إلى قراهم وبلداتهم، والحفاظ على أمنهم وسلامتهم.
ورحب لبنانيون عادوا إلى قراهم وبلداتهم في جنوب لبنان في تصريحات خاصة لـ "قنا" بتعزيز انتشار الجيش اللبناني مؤكدين أنه الضمان للأمن والاستقرار في كافة المناطق اللبنانية ومنها الجنوب.
وعلى الرغم من دخول قرار وقف إطلاق النار حيز التنفيذ وتعزيز الجيش انتشاره والتزام الحكومة اللبنانية بالقرار الأممي 1701 بكافة بنوده، إلا أن جيش الكيان الإسرائيلي قام، وفقا لبيان صادر من الجيش اللبناني، بجملة من الاعتداءات الجوية والقصف المدفعي في بعض قرى وبلدات الجنوب، ومنها الطيبة والخيام ومرجعيون والبيسارية.
يشار إلى أن نجيب ميقاتي رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية قد طالب في كلمة له بعد جلسة مجلس الوزراء أمس الأول الأربعاء بالتزام الكيان الإسرائيلي بوقف إطلاق النار والانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة وتنفيذ القرار 1701، لا سيما في نشر الجيش في جنوب الليطاني.
وفي هذا السياق أعرب فيصل عبدالساتر المحلل السياسي اللبناني في تصريح خاص لوكالة الأنباء القطرية "قنا" عن مخاوفه من تصريحات بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي من أن القرار ليس وقفا للحرب بل هو هدنة ومن الممكن العودة إلى الحرب والقتال مرة أخرى.
وأضاف عبدالساتر أن هذه الانتهاكات الخطيرة التي ارتكبها الكيان الإسرائيلي عقب سريان الاتفاق توضح عدم جديته في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، مما يشكل مسؤولية كبيرة أمام الحكومة اللبنانية وبالتالي يتوجب عليها التواصل سريعا مع المجتمع الدولي وتحديدا الوسيط الأمريكي والفرنسي لتلافي هذه الأخطار المحدقة بعشرات الآلاف من المواطنين اللبنانيين الجنوبيين الذين عادوا إلى قراهم وبلداتهم خصوصا من أبناء القرى والبلدات في الحافة الأمامية من الحدود بين لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأشار إلى أن جيش الكيان الإسرائيلي عمد إلى منع الأهالي من العودة إلى قراهم وبلداتهم تحت مبررات شتى بل تمثلت الانتهاكات بإطلاق النار وبقاء طائراته الاستطلاعية فوق الجنوب إلى جانب شن غارة على منطقة البيسارية شمال نهر الليطاني، لافتا إلى عدم قدرة عدد كبير من الأهالي على الدخول إلى قراهم وبلداتهم بسبب التهديدات والاعتداءات الإسرائيلية رغم قرار وقف إطلاق النار.
وأعرب عبدالستار عن مخاوفه من إعطاء وقف إطلاق النار مهلة 60 يوما لانسحاب قوات جيش الكيان من القرى والبلدات التي توغل فيها وهو ما يحول دون قدرة الأهالي على العودة إلى بيوتهم.
وفي سياق متصل، كشف مصدر عسكري رفيع المستوى لوكالة الأنباء القطرية "قنا" عن وجود حوالي 4500 عنصر من الجيش في جنوب لبنان، معلنا عن تعزيز هذا العدد في المرحلة الأولى بحوالي 1500 عنصر من الجيش على أن تتم زيادة العدد في مراحل لاحقة إلى أن يصل انتشار الجيش إلى ما بين 8 إلى 10 آلاف عنصر في جنوب لبنان.
وكانت وزارة الصحة اللبنانية قد أعلنت أمس الخميس عن مقتل 3961 شخصا وإصابة 16520 جريحا منذ بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان، موضحة أن ارتفاع عدد الضحايا يعود إلى انتشال قتلى من تحت الأنقاض، فضلا عن الشروع في عملية تنقيح البيانات المتعلقة بأعداد الضحايا.
وكانت قرى قضاءي صور وبنت جبيل جنوبي لبنان قد عاشت الليلة الماضية، حالة من الحذر والترقب رغم سريان وقف إطلاق النار منذ فجر الأربعاء الماضي بسبب الخروقات الإسرائيلية وأرجعت الوكالة اللبنانية للإعلام هذا الحذر إلى منع الأهالي من دخول القرى المتاخمة للحدود الدولية مع فلسطين المحتلة وبعمق ثلاثة كيلومترات، ويقدر عدد هذه القرى بعشرين قرية تضاف إليها مدينة بنت جبيل.
جدير بالذكر أن ما يقوم به الكيان الإسرائيلي ليس فقط بمنع الأهالي من العودة عبر التهديد بل عبر إطلاق النار والقصف من المسيرات ومن المدفعية، وهذا الأمر حدث في أكثر من مكان في الجنوب، كما يركز الكيان الإسرائيلي على منع التجول لجميع سكان جنوب الليطاني من الساعة الخامسة مساء وحتى السابعة صباحا، كما يحلق الطيران الحربي والمسيرات الإسرائيلية في سماء القطاعين الغربي والأوسط أغلب الأحيان.
ويبقى السؤال هل يصمد وقف إطلاق النار ويلتزم الكيان الإسرائيلي به، رغم إعلان الحكومة اللبنانية التزامها بتنفيذ القرار 1701 بكافة بنوده خصوصا فيما يتعلق بتعزيز حضور الجيش في جنوب لبنان وإعادة انتشاره، أم سيعود لمواصلة عدوانه مرة أخرى كما هدد رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو؟.