بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، ودع الوطن اليوم معالي عبدالله العلي النعيم، أحد أبرز رواد الإدارة والعمل التطوعي في المملكة العربية السعودية، عن عمر يناهز 93 عامًا. عُرف الراحل بسيرته العطرة وإنجازاته التي امتدت لأكثر من نصف قرن، حيث جمع بين الإدارة الحكيمة والعطاء الإنساني، تاركًا إرثًا خالدًا من المبادرات التي أثرت في المجتمع.
وُلد عبدالله العلي النعيم في عنيزة عام 1931، ونشأ في بيئة تقدّر العلم والعمل. حصل على شهادة البكالوريوس في التاريخ من جامعة الملك سعود، واستكمل مسيرته التعليمية بتكريمٍ عالمي حين نال شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة السوربون. بدأ مشواره المهني عام 1962 مديرًا لتعليم منطقة الرياض، قبل أن يُعين أمينًا لمدينة الرياض في الفترة من 1396هـ إلى 1411هـ. وفي تلك الحقبة، قاد مسيرة التحول العمراني والإداري في العاصمة، ووضع أسس التطور الذي شهدته الرياض لاحقًا.
كان النعيم رمزًا للالتزام بقضايا المجتمع والإنسانية، حيث أسس مركز الملك سلمان الاجتماعي بالرياض، ومركز صالح بن صالح الاجتماعي في عنيزة، موجهًا جهوده نحو دعم التعليم، والرعاية الاجتماعية، وتمكين المرأة. كما ترأس مجلس إدارة الجمعية الخيرية الصالحية، مسهمًا في تعزيز قيم العمل التطوعي والمجتمعي. ولم تتوقف إسهاماته عند حدود المملكة، بل امتدت إلى الساحة الدولية من خلال مشاركته في منظمة المدن الكبرى “متروبولس” وتأسيسه المعهد العربي لإنماء المدن.
وعلى الصعيد الثقافي، أهدى الراحل المكتبة العربية العديد من الإسهامات البحثية والمقالات التي تُظهر عمق فكره واهتمامه بالتاريخ الإسلامي والإنساني. كما أطلق جائزة باسمه لتكريم الإنجازات العلمية في تاريخ الجزيرة العربية وآثارها، في بادرة تعكس التزامه برعاية العلم وتشجيع الباحثين.
كان النعيم نموذجًا للإدارة الحكيمة والتواضع، فحياته كانت مليئة بالعطاء، سواء في المناصب الرسمية التي شغلها أو في أعماله التطوعية التي تواصلت حتى بعد تقاعده. رحل اليوم، لكنه سيبقى حاضرًا في ذاكرة الوطن بإنجازاته التي لن تُنسى.
إنها لحظة حزينة تفقد فيها المملكة أحد أبنائها البررة، لكن عزاءنا أن إرثه العظيم سيظل حيًا يلهم الأجيال القادمة. رحم الله معالي عبدالله العلي النعيم، وأسكنه فسيح جناته، وألهم أسرته ومحبيه الصبر والسلوان.