أكد د. عبدالوهاب بن عبدالله الخميس، المختص في التمويل واستشاري النظم الصحية، أن الحوكمة لا تحقق بالضرورة حيادية القرار، كما أن المواءمة قد لا تمنع الازدواجية بالضرورة، مشيراً إلى أن البعض يتحدث عن الحوكمة وكأنها الضامن لتحقيق الحيادية في صناعة القرار، والبعض الآخر يتحدث عن المواءمة كضامن لمنع الازدواجية بين الجهات.

وأوضح الخميس أن المواءمة تعني التنسيق والتوافق بين الأهداف والمعايير بين مختلف الأطراف أو الأنظمة؛ بينما الازدواجية تعني تكرار الجهود أو الأنشطة المماثلة من قبل جهات مختلفة دون تنسيق، مما يؤدي إلى إهدار الموارد؛ لذا فإن المواءمة لا تحقق بالضرورة عدم الازدواجية، قائلاً: “هناك أمثلة توضح ذلك، منها عند تصميم تطبيق لجهة ما يتم المواءمة مع تطبيقات أخرى لدى نفس الجهة أو جهات أخرى من أجل المواءمة، وهو ما تسبب بوجود تطبيقات متعددة لجهات كثيرة متوائمة، ولكن لا يوجد بينها ازدواجية، لذا تعمل هيئة الحكومة الرقمية حالياً مشكورة على الحد من أعداد التطبيقات الحكومية التي كانت أكثر من 817 منصة عام 2021، وتم تقليصها إلى 590 منصة، وتعمل للوصول إلى 20 منصة حكومية فقط. فرغم كون معظم هذه المنصات بينها مواءمة، لكن هذا لم يمنع من وجود ازدواجية”.

وأضاف: “المثال الثاني، عند إقامة حملات توعوية وتثقيفية حول أحد الأمراض فقط، يكون هناك توافق على الرسائل العامة، لكن يظل هناك ازدواجية في الجهود الإعلامية والإنفاق عليها بين العديد من الجهات سواء حكومية أو خاصة أو غير ربحية”، مشيراً إلى أنه ينطبق الأمر عند إقامة برامج تعليمية أو تدريبية لدى جهة أو جهات أخرى، أو تجد بعض الأقسام، خصوصاً إذا كان لها مشاريعها المستقلة، بإجراء تقييمات مستقلة رغم وجود نموذج تقييم موحد لكفاءة الموظفين، لأن اختلاف الأهداف ونقص المعلومات والضغوط الخارجية تؤثر بشكل مباشر في وجود ازدواجية رغم وجود مواءمة فيما بينها، مبيناً أن التفضيلات الشخصية والهياكل التنظيمية المعقدة، وتعدد التداخلات والارتباطات بين العديد من الجهات وسرعة التغييرات في سوق العمل ومتطلباتها، عوامل أخرى تزيد من الازدواجية في ظل المواءمة فيما بينها.

وشدد د. الخميس على أنه من المهم التركيز على ضمان التكامل بين الجهات الحكومية والخاصة، وليس فقط المواءمة فيما بينها، لأن التكامل يضمن النظرة للمستفيد كمحور أساسي تتكامل الجهات الأخرى في تحقيق الخدمة له، وليس فقط تتواءم فيما بينها، الذي قد يؤدي إلى ازدواجية وتعدد في الأدوار لخدمة نفس المستفيد منها. لذا فإن التكامل يضمن النظر للمستفيد كمستهدف وتتكامل بقية الجهات الحكومية والخاصة للمشاركة في تحقيق هذه الغاية، مبيناً أن الجهود التي تقوم بها الحكومة الرقمية تسير في نفس الاتجاه، حيث دعمت الحكومة الرقمية تكامل خدمات المولود بين وزارة الصحة ووكالة الأحوال المدنية التابعة لوزارة الداخلية ومركز المعلومات الوطني، فبدلاً من أن يكون هناك مواءمة بينها، تم التكامل في تحقيق الخدمة بما يصب في مصلحة المستفيد من الخدمة. لذا أسهمت الجهود المميزة لهيئة الحكومة الرقمية في نقل الجهات الحكومية من المواءمة إلى التكامل في الخدمات، بما يحقق الاستفادة وتقليل الهدر والازدواجية بين الجهات.

وأضاف: “إن الحوكمة لا تضمن حيادية القرار، لأن هدف الحوكمة تعزيز الشفافية والمساءلة، لكنها لا تضمن الحيادية في اتخاذ القرار بشكل كامل”.

دعبدالوهاب الخميس

وضرب د. الخميس عدداً من الأمثلة، مبيناً أنه يتم تشكيل اللجان لمراجعة القرارات الكبرى من أجل تعزيز المساءلة كجزء من الحوكمة، لكن هذه اللجان قد يشكل أعضاؤها أغلبية لدعم توجه معين، مما يعزز التحيز في صناعة القرار ويقلل الحيادية، خصوصاً إذا كانوا يرجعون لنفس المرجعية. مضيفاً، تسعى المؤسسات الحكومية والخاصة لوضع إجراءات تعتقد أنها تضمن حيادية القرار كوضع استفتاء للجماهير أو وضع منصة لاستطلاع آراء العموم قبل اعتماد الأنظمة، منوهاً بأن هذه الأجواء ضرورية وإيجابية وتقلل التحيز الشخصي، لكنها لا تضمن أن تكون النتائج غير متأثرة بالتحيز الفردي أو المؤسسي، خصوصاً إذا كان أعضاء اللجنة من خلفيات متشابهة إدارياً أو فكرياً أو غيره، في الوقت الذي قد تشكل فرق عمل بوجهات نظر مختلفة، لكن دورها في صناعة القرار بقوة مختلفة أو تمثيل مختلف مما يؤثر على تحقيق الحيادية.

وأوضح أن هناك تحيزات بسبب الضغوط من بعض القيادات في التعيينات أو الترقيات أو التقييمات الوظيفية أو عند تخصيص بعض الموارد، أو تحيز بسبب دعم توجهات ثقافية أو اجتماعية وغيرها، مبيناً أن هذه الأمثلة وغيرها تعزز فكرة أن الحوكمة لا تحقق بالضرورة حيادية صناعة القرار؛ لأنه بالإمكان عمل حوكمة مميزة لكنها ليس بالضرورة تحقق حيادية القرار. لذا فالتنظير الأكاديمي يحتاج دائماً إلى قياس أثره على واقع العمل.

واختتم تصريحه بالقول: “طبعاً هذا لا يقلل من أهمية المواءمة والحوكمة في صناعة القرار ودعم العمل المؤسسي لدى الجهات الحكومية والخاصة، لكن من الضروري معرفة حدود كل منهما ومراجعة وتقييم مدى تحققهما للغايات التي وضعت من أجلها”.