في خطوة دبلوماسية هامة، تستضيف المملكة اليوم اجتماعًا وزاريًا بحضور 18 دولة، إضافة إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لبحث الملف السوري، حيث يمثل هذا الاجتماع محطة فارقة في التوجهات السياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط، ويعكس تحولات كبيرة في الاستراتيجيات الدولية تجاه سوريا بعد سنوات من الصراع المستمر، مما يؤكد مكانة المملكة وقدرتها على المبادرة بتحقيق مصالح الشعوب العربية، ودعم استقرارها وأمنها.

إن اجتماع الرياض الوزاري، يمثل فرصة هامة لإعادة تقييم الموقف الدولي تجاه سوريا بعد سنوات من العزلة والعقوبات، التركيز على رفع العقوبات، والدعم الإنساني، و إعادة الإعمار، يشير إلى تحول في السياسات الإقليمية والدولية تجاه سوريا، وهو ما قد يؤدي إلى استقرار أكبر في المنطقة، وفي الوقت نفسه ستظل هناك تحديات سياسية وإنسانية أمام التنفيذ الفعلي لهذه الأهداف، لكنها تمثل خطوة هامة نحو مستقبل أكثر استقرارًا لسوريا والمنطقة ككل.

تغير الديناميكيات الإقليمية والدولية سياسياً

استضافة الرياض لهذا الاجتماع تأتي في إطار التحولات الكبيرة التي تشهدها العلاقات الإقليمية والدولية تجاه سوريا، فطوال السنوات الماضية، كانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يمارسان ضغوطًا شديدة على النظام السوري، عبر فرض العقوبات بسبب انتهاكات حقوق الإنسان والعدوان العسكري ضد الشعب السوري، ومع ذلك فإن التحولات السياسية في المنطقة، وتحديدًا الانفتاح العربي على دمشق، مثل عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، تشير إلى تحول في الموقف الإقليمي تجاه دمشق. هذا التغيير قد يكون مدفوعًا بالعديد من العوامل، مثل مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، و الحاجة إلى استقرار المنطقة بشكل عام.

وتسعى المملكة - باعتبارها قوة إقليمية رئيسية- إلى الضغط على المجتمع الدولي لإعادة دمج سوريا في النظام الإقليمي، ويعد الاجتماع فرصة لتحقيق توازن إقليمي، وقد يُسهم في تقليص النفوذ الإيراني في سوريا عبر التعاون العربي والدولي.

على الرغم من الضغوط السياسية والعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، فإن اجتماع الرياض قد يعكس ضغطًا أكبر من الدول العربية وبعض القوى الدولية على الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي لتغيير سياستهم تجاه سوريا، خاصة أن الولايات المتحدة كانت قد أبدت في بعض الأحيان رغبة في إعادة تقييم موقفها من سوريا بشرط تحقيق تقدم في ملف حقوق الإنسان والمصالحة الداخلية، لذا قد يكون الاجتماع فرصة لتقديم خطوات ملموسة من النظام السوري لتخفيف العقوبات مقابل الدعم الاقتصادي والإنساني.

رفع العقوبات الدولية

أحد الأهداف الأساسية لهذا الاجتماع هو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام السوري. العقوبات الدولية كانت قد فرضت بشكل رئيسي على القطاع المالي و النفط و الشركات السورية، مما أثر بشكل كبير على الاقتصاد السوري، الذي يعاني بالفعل من الدمار الكبير الناتج عن الحرب.

ورفع العقوبات سيتيح لسوريا إعادة اندماجها في الاقتصاد العالمي، مما يساعدها في تحقيق الاستقرار المالي و الاقتصادي. كما يمكن أن يسهم في جذب الاستثمارات و توفير فرص عمل في قطاع البنية التحتية و إعادة الإعمار.

ويمكن أن تلعب السعودية دورًا رئيسيًا في إعادة إعمار سوريا، حيث أن المملكة تمتلك القدرة المالية التي يمكن أن تساعد في تمويل مشاريع إعادة الإعمار، وكذلك توفير الدعم التقني و الاستثماري.

#الدعم الإنساني ودور المجتمع الدولي

تعد الأزمة الإنسانية في سوريا من أكبر التحديات الإنسانية في العالم، حيث تشير التقارير إلى أن أكثر من 12 مليون شخص في سوريا بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، و الاجتماع سيكون فرصة لتنسيق الجهود الدولية، لتقديم دعم إنساني أكبر لسوريا، بما في ذلك المساعدات الغذائية والطبية، سيكون من الأهمية بمكان أن يكون هناك إجماع دولي على تقديم الدعم المباشر للشعب السوري وهو ما قد يتطلب آليات جديدة لتوزيع المساعدات، وتملك المملكة قدرات كبيرة في مجال الدعم الإنساني، وقد تعمل على زيادة مساعداتها للشعب السوري، سواء عبر مؤسساتها الإنسانية أو من خلال التعاون مع المنظمات الدولية.

دعم الاقتصاد السوري وإعادة الإعمار

إن إعادة إعمار سوريا بعد الحرب ستكون أحد أكبر التحديات التي تواجه الحكومة السورية. الاجتماع الوزاري قد يساهم في توفير الدعم الاقتصادي والاستثماري لهذه العملية.

إن دعم المجتمع الدولي لإعادة إعمار البنية التحتية السورية، سيكون حجر الزاوية في استعادة الاستقرار الاقتصادي في سوريا، ومن المتوقع أن يسهم الاجتماع في إطلاق مشاريع إعادة الإعمار، بدءًا من إعادة بناء المدن المدمرة إلى إصلاح شبكات الكهرباء والمياه، بالإضافة إلى الدعم الحكومي، ستحتاج سوريا إلى مشاركة قوية من القطاع الخاص، سواء من الدول العربية أو الدول الأوروبية و الدول الكبرى، في تمويل مشاريع البنية التحتية و الاستثمار في الصناعات المحلية.

تحول في سياسات المجتمع الدولي

إذا أثبتت الخطوات الملموسة التي اتخذتها سوريا في الملفات الإنسانية والسياسية، فقد تفتح الاجتماعات المستقبلية الباب أمام رفع العقوبات بشكل تدريجي، ولكن هذا يعتمد بشكل كبير على مدى استعداد النظام السوري للقيام بتنازلات حقيقية في ملف حقوق الإنسان والمصالحة الداخلية.

على الرغم من التحولات المحتملة، فإن العودة الكاملة لسوريا إلى المجتمع الدولي ستواجه تحديات كبيرة، خاصة فيما يتعلق بتعامل الدول الغربية مع النظام السوري، وقد يستغرق الأمر وقتًا طويلاً قبل أن تقبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بتحسين علاقاتهما مع دمشق.

إذا نجح الاجتماع في تحقيق التوافق الدولي على دعم الاقتصاد السوري ورفع العقوبات، قد يؤدي ذلك إلى تحسن العلاقات الإقليمية، تحقيق الاستقرار في المنطقة، وهو أمر ذو أهمية كبيرة في ظل التحديات الأمنية المستمرة في العراق واليمن.