وسط أضواء حفل "جوي أووردز" لعام 2025، شهدت الرياض لحظة استثنائية احتفى فيها العالم السينمائي برائد الإبداع السعودي، المخرج الكبير عبدالله المحيسن، حيث قدم معالي المستشار تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه، شخصيًا الجائزة الخاصة تكريمًا لمسيرة امتدت لعقود من العطاء الفني والسينمائي، ووقف الحضور مصفقين بحرارة لهذا الرمز، الذي حمل راية السينما السعودية إلى آفاق العالمية، مؤكدين امتنانهم لجهوده الملهمة.
أعمدة السينما السعودية
في كلمته، وصف معالي تركي آل الشيخ عبدالله المحيسن بأنه ليس مجرد مخرج، بل أحد أعمدة السينما السعودية، الذي فتح الباب لجيل جديد من المبدعين السعوديين، حيث أن إبداعه لم يكن مجرد تصوير مشاهد، بل كان تأريخًا للقيم والهوية السعودية عبر الكاميرا، مما جعل المملكة تحتل مكانة مميزة على خارطة الفن العالمي".
إرث سينمائي خالد
منذ سبعينيات القرن الماضي، كان المحيسن رمزًا للإصرار في مواجهة التحديات، أطلق أولى أعماله السينمائية عندما كانت المملكة تخطو خطواتها الأولى في هذا المجال، محققًا إنجازات شكلت نقطة تحول في المشهد الفني، فيلمه الوثائقي "اغتيال مدينة"، الذي تناول الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، استحق جائزة نفرتيتي الفضية بمهرجان القاهرة السينمائي، ما عزز مكانته كصانع أفلام يحمل هموم الإنسان العربي. تبعه فيلم "الزمن الضائع"، الذي تناول قضايا إنسانية بمنظور درامي عميق.
رؤية تتجاوز الحدود
تميزت أعمال المحيسن بالجمع بين العمق الإنساني والطرح الفكري، ما جعله من أبرز رواد السينما الوثائقية والدرامية. استخدم الكاميرا كأداة لرصد التحولات، وصوتًا ليعبر عن قضايا المجتمع، ولم تكن السينما بالنسبة له مجرد فن، بل وسيلة لتوثيق الهوية الوطنية وتعزيزها، وفي يوم تكريمه، اختار أن يكون التكريم: "ليس لشخصي فقط، بل لكل من آمن بأن السينما هي نافذة ثقافية تعكس روح مجتمعنا وهويتنا العربية الأصيلة".
السينما السعودية: رحلة بدأت معه
عبدالله المحيسن، المولود في مكة المكرمة عام 1947، درس الإخراج السينمائي في بريطانيا، وعاد إلى المملكة ليؤسس أول استوديو سينمائي سعودي عام 1975، كانت رؤيته واضحة منذ البداية: بناء بنية تحتية للسينما، وتطوير محتوى يعبر عن الإنسان السعودي وهويته. في مسيرته، أنتج وأخرج أكثر من 200 فيلم، عالجت قضايا اجتماعية وثقافية بطرح إنساني عالمي.
منبر عالمي ووطني
لم يكن المحيسن مجرد صانع أفلام محلي؛ فقد جابت أعماله العالم، وعُرضت في مهرجانات دولية مثل مهرجان كان، حيث جسدت أفلامه القيم الإنسانية برؤية سعودية خالصة، وحملت أفلامه مثل "الإسلام جسر المستقبل" و"ظلال الصمت" رسائل عن القيم والتسامح، مؤكدة حضور السينما السعودية على الساحة العالمية.
تكريم الوطن لابنه البار
وبعد التكريم اختار المحيسن أن يبعث رسالة فخر وطنية : "كنت رجعيًا بأعين البعض، لكنني آمنت أن جذورنا هي منارة لمستقبلنا، واليوم أصبحت السينما السعودية مصدر فخر واعتزاز لكل عربي"، "هذا التكريم هو تكريم للوطن الذي آمنت به وأردت أن يكون رسالتي للعالم. لقد علمتني البدايات أن الطريق إلى الأحلام لا يأتي بالأمنيات، بل بالعمل والإيمان".
إلهام الأجيال القادمة
عبدالله المحيسن ليس مجرد مخرج، بل هو مؤسسة سينمائية متكاملة. لم يكتف بصناعة الأفلام، بل عمل على دعم المواهب الشابة، وتأسيس بيئة تعزز من نمو الصناعة السينمائية في المملكة. ترك بصمته في كل زاوية من الفن السابع، ليصبح رمزًا يُحتذى به لكل من يسعى لإعلاء راية السينما السعودية والعربية، ويأتي تكريمه ليؤكد أن الإبداع والعمل الجاد يصنعان التغيير، وأن الفن السعودي قادر على أن يكون سفيرًا للعالم، يعبر عن ثقافة وطن وقيم أمة. وكما قال المحيسن: "السينما هي حكاية الإنسان، وحكايتنا بدأت هنا، في قلب هذا الوطن".