أكد خبراء في اقتصاديات الطاقة أن المملكة تُعدّ لاعبًا رئيسيًا في سوق النفط العالمي، ليس فقط بسبب ما تمتلكه من احتياطيات هائلة وإنتاجية عالية، بل بسبب دورها التاريخي والريادي في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) منذ تأسيسها عام 1960، فمنذ ذلك الحين، حرصت المملكة على تعزيز استقرار أسواق النفط من خلال سياسات متوازنة تراعي عدالة الأسعار وتوازن العرض والطلب، ما أسهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي العالمي، وبفضل ما تمتلكه من طاقة إنتاجية فائضة واحتياطيات ضخمة تُقدَّر بنحو 270 مليار برميل، تمكنت السعودية من لعب دور محوري في تلبية الطلب العالمي على الطاقة، خاصة في أوقات الأزمات أو نقص الإمدادات، كما ساهمت سياساتها المعتدلة والمتعاونة في تعزيز السلام والتنمية الاقتصادية، ما جعلها شريكًا أساسيًا في تحقيق الرخاء العالمي.
وعن تاريخية الدور التاريخي للمملكة قال م. فؤاد الزاير خبير طاقة ومدير إدارة المعلومات في منظمة الأوبك سابقا لـ"الرياض": "تأسست منظمة الأوبك في عام 1960 في اجتماع عقد في بغداد بهدف تنسيق السياسات البترولية لأعضائها، تقديم المساعدات الفنية والاقتصادية للدول الأعضاء, والحصول على سيطرة أكبر على مواردها النفطية. المملكة هي من الأعضاء المؤسسين لمنظمة الأوبك وهي مساهم رئيسي في المنظمة منذ بداياتها لتتأكد بأن القرارات الصادرة من المنظمة هي قرارات مسؤولة لمصلحة الدول المنتجة و الاقتصاد العالمي في آن واحد. إنطلاقًا من دورها الرائد والتاريخي في سوق الطاقة العالمي، تبذل السعودية جهودًا كبيرة ومتواصلة من خلال منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) منذ تأسيسها وحتى اليوم في مواجهة التحديات التي تواجه المنظمة"، مضيفا "منذ بدء أعمال منظمة أوبك ظلت المملكة حريصة على عدالة الأسعار واستقرار الإنتاج، وعلى مدى تاريخها ظل النهج المعتدل للسعودية يركّز على التعاون الدولي والسلام والتنمية الاقتصادية وتحقيق الرخاء للعالم أجمع. وتسعى سياسة المملكة البترولية إلى استقرار أسواق البترول بالموازنة بين العرض والطلب، اعتمادًا على ما تملكه من احتياطيات ضخمة، وطاقة إنتاجية عالية، وطاقة فائضة، تمكنها من تلبية الطلب العالمي خلال المواسم المختلفة، وعند حدوث أي نقص في الإمدادات في السوق البترولية الدولية".
وشدد أن المملكة تمتلك 19% من الاحتياطي العالمي من البترول، و12% من الإنتاج العالمي، وأكثر من 20% من مبيعات البترول في السوق العالمية، وتقدَّر احتياطات البترول فيها بنحو 270 مليار برميل، مضيفا "توصف المملكة كأكبر منتج في منظمة أوبك، فإنها معنية بقيادة المنظمة الدولية والقيام بمسؤولياتها وفقًا لذلك بما يعمل على استقرار السوق ونمو الطلب، وتحقيق أهداف المنظمة في تنسيق وتوحيد السياسات البترولية بين الدول الأعضاء، من أجل تأمين أسعار عادلة ومستقرة لمنتجي البترول. وأيضًا ضمان إمداد فعال واقتصادي ومنتظم للبترول للدول المستهلكة، وعائد عادل على رأس المال لأولئك الذين يستثمرون في قطاع النفط الخام".
وأبان بأن المملكة يتوفر فيها خاصيتان فريدتان تمنحانها أهمية استراتيجية كمورّد عالمي للنفط الخام وكلاعب رئيسي في منظمة الأوبك، أولاهما إرادتها وقدرتها على أن تحافظ على قدرة إنتاج زائدة. وثانيهما إرادتها وقدرتها على ترجيح إنتاجها لتلبية التغيير في شروط السوق، ولا يستطيع أيّ بلد في العالم أن يقوم بهذين الدورين مثل المملكة، مضيفا "المملكة استثمرت في بناء بنيتها التحتية النفطية وتصل قدرتها الانتاجية بسعة قدرها أكثر من 11 مليون برميل يوميا بينما تنتج المملكة حوالي 9 مليون يوميا. معنى هذا أن المملكة تتمتع بمرونة كبيرة في تعديل إنتاجها وتستطيع أن تلعب دورًا رئيسيًا في سياسات الأوبك. في حين أن دول منتجة أخرى مثل فنزويلا، من ناحية أخرى، تمتلك أكبر احتياطيات عالمية ولكنها تنتج جزءًا ضئيلًا فقط مما تنتجه المملكة العربية السعودية و لا تستطيع أن تلعب نفس الدور بسبب نقص الاستثمارات فيها نتيجة الى عدم الاستقرار السياسي فيها".
وشدد على أن الحروب تشكل خطرا على الدول المنتجة كافة، وقال: "أضعفت الحروب قدرة بعض أعضاء أوبك على الحفاظ على مستويات عالية من الإنتاج. في حين تلعب المملكة و أعضاء مجلس التعاون الخليجي دورًا رئيسيًا في تحقيق الاستقرار في سوق النفط من خلال اتخاذ القرارات المسؤولة من قبل المنظمة. في الواقع، أن سعادة الاستاذ هيثم الغيث من الكويت يتولى الآن رئاسة أمانة منظمة أوبك في فيينا". وتابع "السعودية بقيادة سمو وزير الطاقة عبدالعزيز بن سلمان تسعى في جهود جبارة من أجل توازن أسواق البترول من خلال اتفاق أوبك بلس، الذي تم توقيعه في نوفمبر 2016م، ويضم إلى جانب دول منظمة أوبك عشر دول مشاركة في الاتفاق من خارجها، بهدف خفض إنتاج البترول لتحسين الأسعار، إذ تعمل هذه الاتفاقية بقيادة المملكة على دعم استقرار السوق وتوازن العرض والطلب لصالح المشاركين في السوق والصناعة البترولية".
وعن كيفية توازن المملكة بين تعزيز مكانتها في سوق النفط التقليدي والتحول نحو الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة لضمان استدامة اقتصادية طويلة الأمد قال: "يعتقد الكثيرين أن هناك منافسة بين الوقود الأحفوري والطاقة النظيفة. فلقد أظهرت السنوات القليلة الماضية أن كان هناك خطابًا خاطئا حول مسار التحول في مجال الطاقة، حيث ضُلِّلت بعض الدراسات الخاطئة العالم بأننا نستطيع أن نعيش بدون الهيدروكربون. وقد أدى هذا إلى انخفاض الاستثمارات في انتاج البترول والغاز. أدى هذا الاستثمار المنخفض في صناعة الهيدروكربون إلى ارتفاع أسعار الطاقة ونقص الطاقة خاصة في أوروبا كما رأيناه بوضوح خلال الصراع الروسي الأوكراني". وأضاف "من أحد الأفكار الخاطئة أن صناعتي النفط والطاقة المتجددة متنافستان وأن نجاح أحدهما يمثل تهديدًا مميتًا للآخر. و لكن الحقيقة بأن العالم يحتاج إلى كل أنواع الطاقة. يحتاج العالم إلى جميع أنواع مصادر الطاقة وخاصة أولئك المليار شخص الذين يعيشون في أفريقيا ويعانون من فقر الطاقة".
وتابع "المملكة أدركت مبكرا أن عليها أن تستثمر في الطاقة النظيفة وذلك لتساهم في الوصول إلى التزاماتها البيئية وتخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من جهة وضمان استدامة اقتصادية طويلة الأمد من الجهة الاخرى، فتبنت المملكة مشروعا طموحا لإنتاج الطاقة المتجددة واستخدام مميزات المملكة الجغرافي والمناخي المتميز والذي يجعل الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة أمرًا مجديًا اقتصاديًّا وداعمًا لجهودها في مجال تنويع مصادر الطاقة. حيث يعد البرنامج الوطني للطاقة المتجددة مبادرة استراتيجية تحت ورؤية السعودية 2030".
وأبان بأن البرنامج يستهدف زيادة حصة السعودية في إنتاج الطاقة المتجددة إلى %50 من إنتاج الكهرباء في المملكة وتحقيق التوازن في مزيج مصادر الطاقة المحلية، مضيفا "تشمل الطاقة المتجددة إنشاء صناعة جديدة لتكنولوجيا الطاقة المتجددة ودعم بناء هذا القطاع الواعد من خلال تسخير استثمارات القطاع الخاص وتشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وهناك عدة مجالات تستثمر المملكة فيه في إنتاج الطاقة النظيفة مثل إنتاج الهيدروجين حيث أن شركة "اكوا باور و إير برودكت" تبني في نيوم أكبر مصنع للهيدروجين الاخضر في العالم حيث سينتج هذا المصنع الضخم ما يصل الى 600 طن يوميا من الهيدروجين الأخضر الخالي من الكربون". وتابع "كذلك هناك الطاقة الشمسية وطاقة الرياح حيث أن محطة سكاكا للطاقة الشمسية تولد الكهرباء من أشعة الشمس عبر أكثر من 1.2 مليون لوحة شمسية على مساحة 6 كم حيث تعتبر المحطة نموذجًا ناجحًا لإمكانات المملكة في مجال الطاقة المتجددة، وقدرتها على توظيفها في حياتنا بطريقة مستدامة وفعالة وأقل تكلفة".
وشدد على زيادة في معدل مشاريع الطاقة المتجددة وقال: "هناك مشاريع الطاقة المتجددة في السعودية في ازدياد مستمر، فالخطط الحالية تهدف إلى تركيب قدرة توليد طاقة تصل إلى 120 غيغاواط بحلول عام 2030، مع السعي إلى أن تكون 50% من هذه القدرة من مصادر متجددة، فكل هذه المشاريع في الطاقة المتجددة تساهم على الحفاظ على موارد المملكة الطبيعية من البترول، والاستفادة منه بشكل أكبر في تنمية الناتج المحلي عن طريق استخدامات متنوعة ذات قيمة مضافة مثل البتروكيماويات وكذلك العمل على التأثير الإيجابي على الانبعاثات".
وشدد على أن هناك آثار اقتصادية لصناعة الطاقة على الاقتصاد السعودي ضمن توجه رؤية المملكة 2030، وقال: "ذكر سمو وزير الطاقة الامير عبدالعزيز بن سلمان في أحد لقاءاته أن قطاع الطاقة في المملكة هو عبارة عن المحرّك الذي يدفع الصناعات في المملكة، وأن الأثر الاقتصادي الكلي لقطاع الطاقة يقّدر بـ 40 % من الناتج المحلي في المملكة، لهذا تبذل المملكة جهودا كبيرة لتوطين هذه الصناعة وزيادة المحتوى المحلي حيث أن التوطين هو أحد مستهدفات رؤية السعودية 2030، إذ تسعى جهود توطين قطاع الطاقة في المملكة للنهوض بالاقتصاد الوطني وتعزيز مكانة المملكة ضمن خارطة إمداد الطاقة عالميا من خلال ضخ الاستثمارات التي تعزز من موقعها ضمن سلاسل الإمداد للطاقة عالميا، ويشمل ذلك البترول والغاز والبتروكيماويات والهيدروجين والاقتصاد الدائري للكربون، والمرافق والقطاع البحري".
وأضاف "من جهة أخرا أدركت المملكة منذ زمن بعيد ضرورة تنويع الاقتصاد الوطني والتخلي تدريجيًا عن النفط كمصدر دخل رئيسي، وأصبح الاهتمام بالتنويع الاقتصادي هدفًا أساسيًا وشرطًا ضروريًا لبناء اقتصاد عصري أكثر استدامة، وتكشف خطة ورؤية المملكة 2030 عن استهداف واسع النطاق للتنويع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر وحيد قابل للنضوب، وهو الشيء الذي أدرجته المملكة ضمن رؤيتها المستقبلية 2030 حيث تشهد السعودية حركة اقتصادية نشطة ومتنوعة في العديد من المجالات, مثل الطاقة, السياحة, الترفيه, الاستثمار العقاري, الصناعة, التكنولوجيا والعديد غيرها من القطاعات الحيوية".
وتابع "هناك اهتمام في تطوير القطاعات الاخرى في الاقتصاد السعودي مثل الصناعة والسياحة تحت رؤية المملكة 2030 حيث تم في السنوات الاخيرة التركيز على زيادة الصادرات السعودية غير النفطية وتوظيف كل الإمكانات الاقتصادية السعودية من أجل تحسين كفاءة التصدير وذلك من خلال وضع الخطط والبرامج وتوفير الحوافز للمصدرين وتحسين المنتجات السعودية"، مضيفا "استطاعت السعودية تحقيق تقدم كبير في تنويع اقتصادها وتخفيف اعتمادها على النفط، حيث باتت حصة النفط كنسبة مئوية من إجمالي الإيرادات تبلغ 60%، متراجعة من 80% سابقا حسب إحصائيات مؤسسة النقد الأخيرة". وتابع "إن المملكة في سعيها لبناء اقتصاد عصري متنوع, تحاول دعم القطاعات كافة لخلق تنوع اقتصادي متكامل يكون أكثر آماناً على المدى الطويل, لذلك أنشأت صناديق ومؤسسات مختصة بالاستثمارات كما هو الحال في "صندوق الاستثمارات العامة", و الذي يعنى بكافة المشاريع على اختلاف أنواعها, كما أن استثمارات الصندوق تعدت حدود المملكة لتشمل مشاريع في العديد من الدول, بهدف تنويع مصادر الناتج الوطني السعودي. وهذا ما تسعى إليه رؤية 2030 في تحقيقه عبر خطوات ثابتة نحو هذا الاتجاه إن شاء الله".