تُعد جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) من أبرز المؤسسات الأكاديمية التي تدعم المرأة في مجال العلوم، وذلك منذ تأسيسها في عام 2009 في المملكة العربية السعودية. ومنذ ذلك الحين، حققت خريجاتها إنجازات كبيرة، حيث شغلن مناصب أكاديمية مرموقة في جامعات عالمية، وأخذن مواقع قيادية في الوزارات السعودية والمشاريع الكبرى. كما دخلن عالم الأعمال كرائدات أعمال، وأسسن شركات تقنية جديدة تسهم في جذب الاستثمارات إلى المملكة.
تُعزى هذه الإنجازات إلى الأبحاث المتطورة والتعليم عالي المستوى الذي تميزت به كاوست. علاوة على ذلك، تقدم الجامعة مجموعة من البرامج المساندة لتعزيز العلوم والابتكار في السعودية، مثل برنامج جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية للطلبة الموهوبين (KGSP)، وبرنامج زمالة ابن رشد لما بعد الدكتوراه، ومركز كاوست لريادة الأعمال.
تُعد البروفيسورة نيفين خشاب إحدى قصص النجاح الملهمة للمرأة في مجال العلوم في كاوست. حيث حصلت على الجنسية السعودية العام الماضي بموجب مرسوم ملكي، تقديرًا لإسهاماتها البارزة في المملكة كباحثة تُحقق اكتشافات علمية مهمة، وأيضًا كمشرفة على تدريب الجيل الجديد من قادة العلوم. وتقول "أكثر ما أثار إعجابي هو عدد النساء الموهوبات، سواء السعوديات أو الأجنبيات، اللاتي انضممن إلى كاوست لتحقيق إنجازات رائعة، سواء في مجالات العلوم أو الأعمال أو القطاع الحكومي".
بالنسبة للمبادرات الكبرى مثل رؤية السعودية 2030 أو المشروعات العملاقة مثل نيوم، هناك حاجة ماسة لتوفر المعرفة والمواهب المتميزة التي تُسخر هذه العلوم، وتحول هذه المبادرات إلى واقع ملموس. قد تأتي هذه المواهب من الخارج، لكن تدريب الكوادر الوطنية سيضمن استكمال هذه الأفكار الطموحة واستمرارها.
نساء رائدات في العلوم
في الخريف الماضي، انضمت الدكتورة جواهر المطلق إلى كاوست كأستاذة مساعدة ضمن برنامج زمالة ابن رشد، وذلك لقيادة مختبر الفوتونات الكمية الجديد. حيث سيساهم عملها في الدوائر الضوئية المتكاملة وأشباه الموصلات المعدنية المؤكسدة التكميلية في تعزيز مكانة كاوست في الأبحاث المتعلقة بالحوسبة الكمية، والتصوير الطبي، وتقنية الاتصالات.
تعود علاقة جواهر وكاوست إلى عام 2011 عندما انضمت إلى برنامج جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية للطلبة الموهوبين (KGSP) في عام 2011، وهو برنامج ابتعاث رائد يمول بالكامل دراسة الطلبة السعوديين الموهوبين (بما في ذلك 166 طالبة سعودية) في الجامعات الأمريكية. وحصلت جواهر على درجة الهندسة من جامعة ولاية بنسلفانيا قبل انضمامها إلى كاوست، حيث أكملت درجة الدكتوراه في أثناء إجرائها أبحاثًا حول البصريات الكمية. بعد ذلك، عملت في معهد ماساتشوستس للتقنية (MIT) كباحثة ضمن زمالة ابن رشد، قبل أن تعود إلى كاوست كأستاذة ضمن البرنامج نفسه.
يهدف برنامج زمالة ابن رشد لما بعد الدكتوراه في كاوست إلى جذب العلماء السعوديين الموهوبين لإجراء بحوث خارجية، مع التركيز على تأهيلهم للعمل في المملكة كأعضاء هيئة تدريس. تعتبر جواهر واحدة من بين 24 زميلًا في هذا البرنامج، وهي ثالث خريجة تستفيد من برنامج الأستاذية لابن رشد في كاوست، إلى جانب سامي الغامدي ونوف لقطم. تقول جواهر "لم تكن كاوست مجرد مؤسسة أكاديمية بالنسبة لي، بل كانت بمثابة وطني، ومرشدي، وأساس مسيرتي العلمية. من كوني طالبة سعودية شابة في برنامج الطلبة الموهوبين (KGSP) إلى أن أصبحت أول خريجة من كاوست تنضم إلى هيئة التدريس، شهدت بنفسي تأثير رؤية الملك عبد الله (يرحمه الله) في تشكيل أجيال من العلماء والمبتكرين من أبناء وبنات الوطن. كاوست هي حقًا منارة للتميز والطموح، ووسيلة لتمكين العقول في المنطقة والعالم".
ترجمة العلوم إلى حلول واقعية
بتول البار هي طالبة أخرى استفادت من برنامج جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (KGSP)، حيث درست في جامعة كاليفورنيا في ديفيس، ثم التحقت بعد ذلك بالجامعة كطالبة دكتوراه. وتعمل الآن في مختبر البروفيسور المشارك هيمانشو ميشرا على دراسة المواد التي تعزز نمو النبات في البيئات الصحراوية. وبالتوازي مع دراستها، تشغل بتول منصب المدير العام لشركة تيراكسي (Terraxy)، وهي شركة ناشئة في كاوست، حيث يُعد ميشرا أحد مؤسسيها مع طالبه السابق، البرازيلي أداير غالو جونيور. تعمل تيراكسي على تطوير منتجات تزيد رطوبة التربة وقدرتها على عزل الكربون، مما يؤدي إلى زيادة غلة المحاصيل مع تقليل انبعاثات الكربون.
وعبرت بتول عن امتنانها العميق لكاوست لما قدمته لها من تعليم وفرصة لخدمة وطنها، تقول "بدأت تجربتي الأولى للعمل في بيئة كاوست في عام 2015، حين كنت طالبة في المرحلة الثانوية ضمن برنامج المعهد السعودي للعلوم البحثية (SRSI) التابع للجامعة. وكانت منحة برنامج الطلبة الموهوبين (KGSP) في كاوست تجربة غيرت مجرى حياتي. خلال تلك الفترة، اكتشفت الكثير من الأمور، وكانت هذه أول مرة أشعر فيها بشغف البحث العلمي. حاليًا، أواصل دراساتي العليا وأبحاثي في كاوست، مما يتيح لي فرصة تحويل أبحاثي إلى حلول قابلة للتطوير وإحداث تأثير إيجابي في المملكة".
يذكر أن تيراكسي هي واحدة من 374 شركة ناشئة دعمتها كاوست من خلال برامجها المتعددة لريادة الأعمال، ومن بينها 126 شركة أسستها سيدات. في الواقع، أصبحت المملكة العربية السعودية بيئة مثالية لرائدات الأعمال، حيث يتجاوز معدل ريادة الأعمال بين النساء في المملكة ما هو موجود في دول مثل الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والسويد، وسويسرا. تُظهر تيراكسي أن التعليم في كاوست لا يقتصر على البحث العلمي فحسب، بل يشمل أيضًا تدريب الطلبة والعلماء على تحويل اكتشافاتهم إلى منتجات تجارية تعزز الاستثمار في المملكة وتطور المهارات السعودية لدعم مستقبل البلاد.
تعزيز البرامج الوطنية
تخرجت العديد من الطالبات من كاوست لتولي مناصب مهمة في القطاعات الحكومية، ومن أبرزهن الدكتورة لينة عيوني. فقد أصبحت أول سعودية تحصل على الدكتوراه في علم المحيطات الفيزيائي، وسرعان ما أثبتت كفاءتها كخبيرة بارزة في مجالات التيارات المحيطية ودوران المياه في البحر الأحمر. حالياً، تشغل منصب مدير أول للجودة البيئية والمراقبة في شركة البحر الأحمر الدولية، حيث تستفيد من مهاراتها في علم المحيطات الفيزيائي التي اكتسبتها من كاوست لتطوير برامج مراقبة بيئية لمشروعات البحر الأحمر وأمالا العملاقة.
علاوة على ذلك، فإن البيانات التي تجمعها لا تقتصر على الرصد فحسب، بل تساهم أيضًا في وضع السياسات والاستراتيجيات لحماية الشعاب المرجانية، ومراقبة المياه، وأولويات الاستدامة الأخرى. تشكل جهودها أساس اقتصاد سياحي مستدام يحافظ على التنوع البيولوجي الغني للمملكة، ويوفر فرص عمل للسكان المحليين.
في العام الماضي، أصبحت لينة أول ممثل للسعودية في فريق الخبراء المعني بتنمية وتطوير القدرات التابع للجنة الدولية الحكومية لعلوم المحيطات في اليونيسكو. وتنسق هذه اللجنة التعاون بين 150 دولة عضو في مجالات علوم المحيطات ومراقبتها وتطويرها. ويتيح انضمامها تسليط الضوء على الأبحاث العلمية البحرية المتميزة في المملكة على الساحة العالمية، كما يوسع الفرص أمام السعوديين للانخراط في علوم البحار والمشاركة في المشروعات والمبادرات الدولية.
ومن خريجات كاوست البارزات أيضًا الدكتورة مها الجهني، التي تساهم بخبرتها في دعم الجهود البيئية للمملكة، حيث تتولى منصب مديرة الشراكات البحثية والابتكار في وزارة البيئة والمياه والزراعة. ويركز عملها إلى حد بعيد على ربط الأبحاث الأكاديمية بالصناعة لضمان الاستخدام المستدام لموارد المياه والغذاء في المملكة. فضلا عن ذلك، تناولت أبحاثها في كاوست تصميم محفزات جديدة تعتمد على النيتروجين، والتي تحمل تطبيقات مهمة في مجالي الزراعة والصناعات الدوائية. ومن الجدير بالذكر أنه في ديسمبر الماضي، تم إدراج مها الجهني في قائمة "20 مبتكرًا تحت سن 35" لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي يصدرها معهد ماساتشوستس للتقنية، والتي تشمل أيضًا خريجة كاوست السعودية أسرار دمدم.
تمكين المرأة في العلوم يساهم في نهضة المملكة منذ تأسيسها، كرست كاوست جهودها للنهوض بالعلوم والتقنية لصالح البشرية، ولكن أيضًا لدعم تطوير المملكة العربية السعودية. وقد قادها هذا الهدف إلى تطوير برامج لا تقتصر فقط على الاستفادة من علمائها وطلبتها، بل تمتد إلى التأثير في المجتمع الأوسع، تقول خشاب "عندما أتأمل في انطلاقتنا وما حققناه حتى الآن... فإنه من المؤكد أن هذه الإنجازات تطلبت جهدًا كبيرًا، وتعاونًا مثمرًا، ورؤية ملهمة. أنا متحمس للغاية لرؤية طلبتنا، وقد وصلوا إلى منتصف الطريق في مسيرتهم المهنية ليظهروا قدراتهم الحقيقية ويتركوا بصمتهم".